بدر الكبرى يوم الفرقان مع جلال الذكرى في بيان القرآن

أ. محمد مكركب/ لقد أمر الله سبحانه بالتذكر والتذكير للاعتبار والاستبصار، للاستفادة من حوادث التاريخ، من أيام الجهاد والغزوات والفتوحات، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال: 26) وفي غزوة بدر الكبرى خمس محطات تقتضي الدراسة والتدبر والاعتبار. المحطة …

مارس 10, 2025 - 15:08
 0
بدر الكبرى يوم الفرقان  مع جلال الذكرى في بيان القرآن

أ. محمد مكركب/

لقد أمر الله سبحانه بالتذكر والتذكير للاعتبار والاستبصار، للاستفادة من حوادث التاريخ، من أيام الجهاد والغزوات والفتوحات، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال: 26) وفي غزوة بدر الكبرى خمس محطات تقتضي الدراسة والتدبر والاعتبار. المحطة الأولى: التهيئة والإيقاظ وتأمين التراب الوطني. فما إن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، بمرور القافلة التجارية لكفار قريش بقيادة أبي سفيان، على إقليم دولة المدينة يومها، حتى بادر بإعداد القوة اللازمة، لتأديب قريش، فأمر المهاجرين والأنصار بأن يضعوا حدا لكفار قريش، ليؤدبوهم جزاء ما فعلوا بضعاف المسلمين وأموالهم في مكة، ومن جهة أخرى ليعلم أهل مكة وغيرهم ممن لم يكونوا دخلوا الإسلام، أن للمسلمين دولة وسيادة وكرامة، وأن المسلمين لا يقبلون الدوس على كرامتهم. فجهز النبي جيشا وبعث العيون وفِرَق الاستطلاع العسكري. ليتعلم المسلمون اليقظة المستمرة والاستعداد الدائم، وعدم التهاون أو التساهل في التأخر عن المبادرة الجهادية والتضحية في سبيل حماية الوطن، عندما يتطاول المعتدون على وطن المسلمين، مهما كان المعتدون. وتساءل بعض الصحابة عن الخروج إلى الجهاد. حيث ورد الخبر في القرآن: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.﴾ (الأنفال:5،6) والمسألة كلها أن فريقاً من الصحابة (المواطنين بمنطق العصر) كرهوا الخروج لقتال العدو، إما خوفا من القتل أو لعدم الاستعداد للجهاد ولم يقولا ذلك تمردا ولا عصيانا. فهم جادلوا النبي محمدا عليه الصلاة والسلام، جادلوه في شأن الخروج للقتال بعد أن وضح لهم الحق، وكان جدالهم هو قولهم: ما كان خروجنا إِلاّ للعير (القافلة التجارية) ولو عرفنا أننا نواجه جيشا لاستعددنا للقتال. فجاء الجواب بالتفصيل والرد بالدليل: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.﴾ (الأنفال:7، 8)فالله سبحانه يريد من تشريع الجهاد، وتقدير الأحداث على أن يعتدي الكافرون على المسلمين، ذلك لينال المسلمون الأجر على الصبر، والشهادة للفوز بالسعادة. ففي غزوة بدر أراد الله سبحانه أن يقاتل المسلمون الكافرين ليظهر الدين الحق وهو الإِسلام، وذلك بقتل رؤوس المشركين، وكبار أعداء الله وأعداء المؤمنين، يريد الله إِهلاكهم يوم بدر. كأنما يقول الله سبحانه، للفريق المجادل: إن الله تعالى يريد لكم ذات الشوكة ليستأصل الكافرين ويهلكهم جملة من أصلهم. والمعنى أنكم ترغبون في الفائدة العاجلة، تريدون القافلة التجارية، وسلامة الأحوال، وسهولة المغنم، والله تعالى يريد معالي الأمور، وإِعلاء الحق، والفوز في الدارين، وشتّان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم ذات الشوكة وأراكهم عياناً خذلانهم، فنصركم عليهم. قال الله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة:249) المحطة الثانية: لا تنسوا قوة الله سبحانه فما النصر إلا من عنده: ذلك أن الجهاد يتطلب الاستعداد والإعداد والقوة العسكرية الضرورية. من جيش وسلاح، وعتاد كبير، وقوة هندسية وطبية واقتصادية. ورغم كل هذا تظل القوة قوة الله سبحانه. [لا حول ولا قوة إلا بالله] ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ وما النصر في الحقيقة إِلا من عند الله العلي الكبير فثقوا بنصره ولا تتكلوا على قوتكم وعدّتكم، والقاعدة المعلومة من الدين: أن نصر الله يعطيه لمن ينصرونه. قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ فعلى الشعب الذي يريد أن ينتصر على عدوه، أن ينصر الله سبحانه. بكامل الطاعة، واجتناب المعاصي. ذلك أن تعزيز القوة الدفاعية بإعداد ما يُستطاع، من القوة العسكرية، مع التآلف، والتصالح بين كل المواطنين، وحسن تنظيم القوة الاقتصادية، ونبذ كل نزاع. ثم تطهير المجتمع من الموبقات المهلكات، كالخمر، والمخدرات، والربا، والفواحش، والعري، والظلم، والسرقة، والتبذير. قال الله تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران:160) المحطة الثالثة: من كان على الحق لا يخشى أي قوة من قوات المعتدين: ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ (الأنفال:15) يا معشر المؤمنين إِذا لقيتم أعداءكم الكفار مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون زحفاً، وقد يهددونكم بالكثرة، وقوة السلاح، فلا تخشوهم، لماذا لأن الله يدافع عنكم، إن كنتم مؤمنين، لم تقروا بحرام في مجتمعكم، ولم تقصروا عن عمد في طاعة ربكم. ثم مهما كانت قوة العدو فلا تنهزموا أمامهم بل اثبتوا واصبروا. وخذوا العبرة أيها المؤمنون في هذا الزمان وفي كل مكان من الصحابة الذين شاركوا في غزوة أحد وابتلوا البلاء المبين. قال الله تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 173،174) المحطة الرابعة: الشورى وقبول الرأي العلمي المؤصل: فقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم، من الصحابة أن يشيروا عليه. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ (يعني الأنصار) فقال سعد بن عبادة: والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الْغِمَادِ لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا. وهكذا فالأمير الأمين الفقيه، والقائد الماهر يستشير معاونيه، ولا ينفرد بالرأي مستبدا، ويستشير أهل الرأي وأهل العلم وأهل الخبرة. وأن يتقبل الرأي الآخر، ويقبل النصيحة الخالصة والحكيمة البالغة. فقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم بدر من له رأي أو معلومة، وعمل النبي عليه الصلاة والسلام برأي الحباب بن المنذر. من عوامل النصر الشورى أيها الحكام والمسؤولون، الشورى واجبة في اتخاذ كل القرارات المصيرية، باستشارة العلماء المجتهدين بصفة رسمية، وتكون الكلمة للعلماء.