رؤى و مسارات.. ركود في الغرب والشرق بين مهدور ومقهور
د. سناء شامي فيي عام 2020 نشر الكاتب روس دوثات كتاب المجتمع المنحط : كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟ The Decadent Society: How We Became the Victims of Our Own Success (Ross Douthat) من خلال هذا الكتاب، طرح المؤلف فكرة بأن المجتمعات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لم تعد في طور النمو أو التقدم …

د. سناء شامي
فيي عام 2020 نشر الكاتب روس دوثات كتاب المجتمع المنحط : كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟ The Decadent Society: How We Became the Victims of Our Own Success (Ross Douthat)
من خلال هذا الكتاب، طرح المؤلف فكرة بأن المجتمعات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لم تعد في طور النمو أو التقدم الحقيقي، بل تعيش في حالة “انحطاط” (Decadence)
وهذا الإنحطاط هو عبارة عن ركود ثقافي واقتصادي وسياسي، مقنّعًا بالاستقرار والوفرة. فبالرغم من التقدم التكنولوجي، لم تُحدث الابتكارات الحديثة تأثيرًا كبيرًا على جودة الحياة كما فعلت الثورة الصناعية، إذ يعيش اليوم الغرب نقصاً في الإنتاجية و تراجعاً في النمو، بالإضافة للعقم الديموغرافي و انخفاض معدلات الولادة في الغرب، ما يؤدي إلى شيخوخة السكان وتراجع الحافز نحو الابتكار أو المغامرة، كما يفتقر العصر الحالي إلى الإبداع الحقيقي في الأدب، الفن، السينما، وحتى الموضة، إذ يعتمد على إعادة إنتاج أفكار قديمة، و هذا أدى إلى عقم ثقافي، وصولاً إلى الجمود السياسي، فالنظم الديمقراطية تعاني من الاستقطاب، و العجز عن اتخاذ قرارات جذرية، و هذا أدى إلى انتشار الشعبوية و الافتراضية والهروب من الحياة نفسها، فالناس غارقون في الواقع الرقمي والترفيه، كوسيلة للهروب من الفراغ والركود المجتمعي. لقد صار المجتمع بلا طموح، بلا رؤيا كبرى، واستقراره أقرب للركود، ناجح ظاهريًا لكنه مأزوم روحيًا.
أمّا في حال المجتمعات العربية، نلاحظ بأن هناك آليات نفسية واجتماعية وسياسية تؤدي إلى هدر الإنسان العربي، أي تهميشه، تحقيره، كسر إرادته، وسلب قدرته على الفعل والتفكير والكرامة. الهدر ليس فقط ماديًا، بل هو هدر للكرامة، للذات، و للطاقة الإنسانية: فالإنسان المهدور يُعامل كما لو أنه بلا قيمة، ويعيش في ظل ثقافة تحط من شأنه باستمرار، من خلال أنماط للهدر مثل العنف، القمع، الاستبداد، والتهميش و هدر الطاقات بسبب البطالة، و غياب العدالة، وانعدام الأفق، و هدر الكرامة عبر الإهانة المتكررة، وتهميش الفئات الاجتماعية والدينية… و كل هذا يؤدي إلى تخلف المجتمع، و يتحول الإنسان بالتدريج من إنسان مهدور إلى آخر مقهور تُستنزف قواه بصمت مطلق منه و من المجتمع بأكمله، و كأن القهر يُصبح اعتياديا للجميع، و مقاومته تُصبح فكرة نشاذ تُزعج اعتيادية الحياة اليومية، و هذه الاعتيادية للقهر تُشكّل أرضاً خصبة للأنظمة السلطوية التي تعمل على إنتاج المواطن المهدور الطاقة من خلال إقصائه عن التفاعل الحقيقي في القرار و مع القرار، كما تُفرغ هذا المواطن المهدور و المقهور من إنسانيته من خلال مناهج تعليمية محدودة الفائدة، من خلال تشويه الدين، و دس السمّ في عسل الإعلام من أجل خلق علاقة مبنية على الخطيئة بين القامع و المقموع، علاقة حرام بين القامع و المقموع، يُعاد إنتاجها ثقافياً و إعلامياً و تربوياً، كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
وهذه أحد الأسباب الواقعية الحقيقية لفشل ما تمت تسميته “بثورات الربيع العربي” لأنه لا يمكن أن يكون هناك تحرر حقيقي دون استرداد الإنسان لكرامته، ودون بناء عقد اجتماعي جديد يجعل من الإنسان غاية وليس آداه، فهل هذا سيبقى حلماً عربياً موؤداً، أم سيولد وعي جامع يجعل من الحلم واقعاً وقاعدة انطلاق لحياة إنسانية فاعلة ومتفاعلة؟