رؤى ومقاربات.. الخطاب المسجدي بين التجديد والموروث

سراي مسعود إن المتأمل في الخطاب الإسلامي المسجدي على العموم يجد انه مازال متمسكا بالنمطية الموروثة بحيث أن حمولته موغلة في التاريخانية لا من حيث اللغة ،ولا من حيث المضمون ولم يبرح أبدا النمطية التي بني عليها منذ قرون، ولذلك السامع لهذا الخطاب. يفقد مع الوقت شوق المعرفة للتكرارية التي يتسم بها وهذا ما يجعله …

مارس 26, 2025 - 21:36
 0
رؤى ومقاربات.. الخطاب المسجدي بين التجديد والموروث

سراي مسعود

إن المتأمل في الخطاب الإسلامي المسجدي على العموم يجد انه مازال متمسكا بالنمطية الموروثة بحيث أن حمولته موغلة في التاريخانية لا من حيث اللغة ،ولا من حيث المضمون ولم يبرح أبدا النمطية التي بني عليها منذ قرون، ولذلك السامع لهذا الخطاب. يفقد مع الوقت شوق المعرفة للتكرارية التي يتسم بها وهذا ما يجعله في كثير من الأحيان ليس مفارقا للواقع المعاش وإنما أيضا غير مستوعب للواقع المتسارع التغير ،وخاصة في عصر سرعة انتشار المعلومة ،والخبر والصورة عبر وسائط التواصل الاجتماعي
وهذا ما يعني أنه خطاب غير قادرا على أن يكون فعالا، ومصدرا للتغير الإيجابي ولذلك نشعر بهذا التناقض الصارخ بين إقبال الناس على الامتثال للشعائر الدينية كأداء الصلاة فرضا كانت أو سننا ،ولكن هؤلاء الناس أنفسهم لا يشعرون ولا يلتزمون بكل القواعد الأخلاقية المثالية المترتبة عن أداء هذه الشعائر من المفروض ،وعلى الأقل في السلوك والتصرف مثلا في الطريق والشارع والسوق….. وفي كل مناحي الحياة عموما فهو خارج عتبة المسجد شخصية وفي داخله شخصية أخرى تماما .
وقد تنبه المفكر مالك بن نبي لهذه الازدواجية المتعبة التي يعيشها المسلم فهو داخل مساحة المسجد يتمثل قيما جد عالية في الروحانية والأخلاقية وللنظام والانضباط والتراحم لكن ما أن يخطو عتبة المسجد يتقمص قيما أخرى متناقضة تماما مع ما يؤمن به .
.وسمات هذه الأنموذج الفوضى والأنانية والاعتباطية والانفعالية والنفعية الفردانية التي ليس لديها أي شعور بالمسؤولية الأخلاقية اتجاه المجتمع والأمة .
ففي داخل المسجد يقف المسلمون في صف واحد مستقيم وحريصين على ألا توجد فجوة بينهم وفي نفس الوقت خارج المسجد تجد أحذيتهم وسياراتهم قد ركنت في صورة مبعثرة وفي فوضى تامة وسادة للطريق الذي يعد الممر الوحيد .

أهمية المسجد كمؤسسة نظامية

لو تأملنا دلالة بناء أول مسجد في الإسلام في عهد النبي صلى الله علبه وسلم نجد انه أول خطوة ميدانية منظمة ومؤسسة تسعى الى تحويل المبدأ الى فعل ناجح ، أي تحويل المبادئ التي مكث الرسول لثلاثة عشرة سنة وهو يدعو ويعض ويعلم ويبني التصور الصحيح إلى سلوك عملي وتطبيقي أو أن شئت الى مؤسسة مجسدة في الوقع ستكون هي مصدر القرار التنفيذي.
في “مجتمع المدينة” وعلبه أن الخطاب المسجدي عندما يكون نابع عن مشروع مؤسساتي لاشك انه يتبصر الأزمة والمشكلة التي تؤثر في شبكة العلاقات الاجتماعية والتي تهدد استقراره وتمسكه والتي ستصب في مصلحة الأمة الواحدة والتي يجب أن يحرص المسجد دوما على تربية شعور الانتماء إليها بمعنى أن المسجد تأسس كمؤسسة للحياة المدنية منذ البداية من اجل هذا الغرض الأولي وهو إدماج الفرد وعيا وسلوكا في المجتمع المدني عباديا ومعاشيا ولذلك نفهم حرص النبي على أن يكون المسجد منطلق رسالته في بناء الوعي والسلوك وحتى في بناء المجتمع المدني ،وهو ما جعله دوما القاعدة الأساسية التي تشكل قرار الدولة من جهة والأمة من جهة آخر .
كان المسجد النبوي هو مؤسسة التعلم التشريع والتخطيط والتنفيذ وفق مبدا التشاور في كل أمر وأن اطلاق كلمة مسجد من منطلق عبادي حيث يتم السجود لله وحده وأن المساجد لله وحده فلا يتم دعوة احد مع الله فانه أيضا هو (الجامع )للمسلمين في عقيدتهم وسلوكهم وهذ ا ما سيفرض حتما أن أي فرقة أو تغيير للهدف هو خطر على الأمة ومن هذا المنطلق لم يقبل الله سبحانه عز وجل تأسيس مسجد ضرار الذي خطط له المنافقون حيث أدركوا بوحي شيطاني تام أن تأسيس مسجد ثاني وسيلة ناجعة في تفكيك وحدة المسلمين والتقليل من قوتهم فبين الله تعالى في خطابه القرآني وبوضوح تام أن المسجد الأول المؤسس على التقوى هو الأجدر والأحق حيث يقول الله في الآية الكريمة من سورة التوبة “لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” (التوبة: 108).
ويضيف محذرا من مقصد المنافقين في بناء مسجد ثاني الذي ظاهره تعبدي وهدفه تخريبي للتفريق والتهديم فيقول الله تعالى “وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ”… (التوبة: 107).
إن المتفحص لهاتين الآيتين يقدر أن يتلمس الأهمية البالغة لمؤسسة المسجد ودورها الخطير في البناء أو الهدم ،ولذلك نجد في تاريخ المسلمين كله حتى في العصور المتأخرة جدا دوما يلعب المسجد هذا الدور في السلم والحرب في القوة أو الضعف وان كل الأحداث العظيمة والانتصارات التي حققتها الأمة والعلوم ،والمعارف كان ميدانها المسجد وحده ولا شك أن ذاك انعكاس للخطاب المسجدي عندما يكون مرتبطا بالمقاصد الكبرى للمجتمع الإسلامي الذي يشكل جسد الأمة الجامعة

جوهر الخطاب المسجدي

إن الكارهين للإسلام قديما وحديثا عملوا منذ البداية بخطة مسجد (ضرار )وأن لم تنجح في عهد رسول الله ولكن بعد انقطاع الوحي وتناسي عمدا أتو سهوا المسلمين للتوجيه المحمدي الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ونقص اليقظة والحذر اعتيدت الفلسفة الضرارية في تأسيس بعض المساجد والمنابر للعمل على إحداث الفرقة والشرخ بين المسلمين.وابعاده عن الحياة وجعله مجرد تجمع للعبادة الطقوسية .
وفي العصور المتأخرة أدرك الاستعمار الذي خيم على البلاد الإسلامية والعربية الدور الخطير للمسجد وخاصة الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي وجد مقاومة جهادية كان منطلقها المساجد والزوايا فعمل على أضعافهما وتقليص أدوارهما في الحياة بالتدريج بداية من خلال وضعهما تحت أعين إدارية للمراقبة والمتابعة المستمرة لخطابهما حيث فقد المسجد تقريبا دوره المنوط به في التوعية والجهاد ونصب في الزوايا عملاء وجهلة بهدف نشر ثقافة قدرية سلبية تبث الاستسلام والقبول بالأوضاع كما هي و التشكيك في خيرية الأمة والتخلي عن المبدأ الذي قامت من اقله في عضاتها وعلومها وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعد مبدا إسلامي ومقصد أساسي في بناء الأمة القوية ذات الشوكة والسيادة والعزة والكرامة .
ويتجلى هذا المبدأ الجوهري في قوله تعالى في سورة آل عمران:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
(آل عمران: 110)ويوكد إن ولاية المؤمنين لبعضهم قائمة على هذا المبدأ حيث يقول﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍۢ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُو۟لَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾التوبة 71
إن هذه الآيات تؤكد على أن من أهم صفات الأمة الإسلامية والمؤمنين، هي القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه عنصر أساسي في إصلاح المجتمع والحفاظ على القيم. ولا شك إن ذلك هو دور الخطاب المسجدي الجوهري. في كل زمان ومكان فهو لبس مجرد هيكل للتعبد وإنما مؤسسة بكل لهذه الكلمة من أبعاد مرتبطة بحياة المسلمين وواقعهم ومستقبلهم الدنيوي والأخروي. …

بعث وعصرنة الخطاب المسجدي

إن الخطاب المسجدي يعد من أهم الخطابات التي تمتلك قوة التأثير والقدرة على إحداث التغيير الإيجابي اتو السلبي. في المجتمع الإسلامي وذلك لامتلاكه درجة عالية من حشد الجموع البشرية فهو منبر مهم أهم من كل المنابر الإعلامية المرئية والمكتوبة بل قوته اليوم ازدادت خطورة مع استعمال فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي السريعة الانتشار والتأثير. وعليه فانه لم يعد للعضات والخطابات الطويلة لأئمة المساجد اتو الدعاة ذلك التأثير الفعال مثلما كان معهودا ..
ففي عصرنا الحالي قد يكون لمقطع صغير صورة وكلاما كثيفا تأثير جد خطير في نشر الوعي الإيجابي أو السلبي وقد انتبه البعض من رجال الدين لهذا المنحى في صناعة المفهوم وتوجيه السلوك …وهذا على جهة المضمون وجهة اللغة الخطابية .
لذلك نهيب بأئمتنا ودعاتنا وعلمائنا أن يجتهدوا في بعث خطاب يتناسب مع الأجيال الجديدة التي لا تأبه بالخطابات الموغلة في الاختلافات الفقهية والتفاصيل المملة وسرد القصص التاريخية والأمثلة الكثيرة والدروس القديمة يجب أن نعتمد على مضمون مرتبط بواقع الشباب متفهما لتطلعاتهم في الحياة وطموحاتهم ومتبصر لمشاكلهم حاسا بمشاعرهم وعواطفهم. ويحدثهم بلغتهم وأساليبهم
أن أساليب التقعر والإطناب والسجع واعتماد لغة خطاب موغلة في الصعوبة والغرابة …لغة منفرة وليست جاذبة للاستماع أو الاهتمام …
كما أن لغة الاتهام والتشكيك واللوم ووصفهم بالطيش وانعدام التربية هي أساليب منفرة وعاجزة على جذب الاهتمام وأحداث التغيير المنشود. كما أن ممارسة البابوية وخطابات الاستعلاء أيضا لم تعد مؤثرة ومجدية .أن هناك فجوة كبيرة في الخطاب المسجدي الحالي بين ما يقال وما هو في الواقع …
إن رفص الشباب للظلم والتهميش التمرد عن السلطة الباوبوية المقيتة في فرض أنماط حياة تقليدية غير مستوعبة لروح التغير العصري الزاحف يمجها الشباب ويجعلها موضع تنكيت وسخرية من الواعظ نفسه والخطيب المفوه ذاته في مواقع التواصل الاجتماعي وقد يكشف لنا أن هناك نفاق كبير بين ما يقال وما يعاش في الواقع وخاصة عندما تنقل الصورة رفاهبة الداعية وهو في سيارته الفخمة يدعو الى الزهد والصبر .أو الأخر الذي يدعو الى الأخرة وهو منغمس في العيش برفاهية في الدنيا ..
وخلاصة القول إن الخطاب المسجدي الناجع والفعال هو ذلك الذي ينجح في الاستلهام من القرآن الكريم أساليبه في الوعظ والتعليم والتوجيه والذي ارتبطت آياته في النزول دوما بأسباب واقعية في الحدوث وعلبه يجب أن ننزل القرآن الكريم وسنة نبيه على الواقع الحياتي. اليومي من حيث انه فرد يطمح في حياك كربمة وسعيدة ومن حيث انه جزء من أمة عزيزة وكريمة