في ذكرى “يوم الأسير الفلسطينيّ”: من يفكّ أسر الحرائر؟!
أحيت الأرض المباركة، الخميسَ الماضي، يوم الأسير الفلسطينيّ، الموافق للـ17 أفريل من كلّ عام، وكانت أرض العزّة غزّة في الموعد رغم الجراح والآلام، وهي ترجو أن تلفت انتباه العالم الحرّ إلى معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون المحتلّ الصهيونيّ! وتستجدي اهتمام الأمّة الإسلاميّة والعربيّة بأكثر من 9900 أسير فلسطينيّ في سجون الاحتلال، بينهم نحوُ 400 طفل، […] The post في ذكرى “يوم الأسير الفلسطينيّ”: من يفكّ أسر الحرائر؟! appeared first on الشروق أونلاين.


أحيت الأرض المباركة، الخميسَ الماضي، يوم الأسير الفلسطينيّ، الموافق للـ17 أفريل من كلّ عام، وكانت أرض العزّة غزّة في الموعد رغم الجراح والآلام، وهي ترجو أن تلفت انتباه العالم الحرّ إلى معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون المحتلّ الصهيونيّ! وتستجدي اهتمام الأمّة الإسلاميّة والعربيّة بأكثر من 9900 أسير فلسطينيّ في سجون الاحتلال، بينهم نحوُ 400 طفل، و29 مسلمة عفيفة!
9900 أسير من أمّة يقول كتابها: ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا))، ويقول نبيّها –صلّى الله عليه وسلّم-: “فكّوا العاني”.. أمّة تذكر كتب سيرها أنّ رسولها –صلّى الله عليه وسلّم- حينما أسلم بعض الرجال في مكّة مع بدايات الهجرة، ومنعهم المشركون من الهجرة، كان –عليه الصّلاة والسّلام- يقنت داعيا لهم في صلواته؛ قائلا: “اللّهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة، الله أنجِ سلمة بن هشام، اللّهم أنجِ الوليد بن الوليد، اللّهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ علَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُف”.
29 مسلمة أسيرة، من أمّة حرّك نبيّها –عليه الصّلاة والسّلام- جيشا لتأديب يهود أساؤوا إلى امرأة مسلمة واحدة أرادوها أن تكشف حجابها، أمّة حرّك معتصمها العباسي جيشا عرمرما لقهر الصليبيين في عمورية تلبية لصرخة مسلمة نادت: “وامعتصماه”.
أمّة أجمع علماؤها على أنّه إذا سُبيتْ امرأةٌ مسلمة في المشرق وجبَ على أهل المغرب فكُّ أسرها. بل إنَّ الإمام النووي –رحمه الله- عدّ وقوعَ مُسلمَين اثنين في الأسر، في حكم العدوان العسكري على بلاد المسلمين، ما يوجبُ النّفيرَ لردّ العدوان وفكاك الأسرى، فقال -رحمه الله تعالى-: “وَلَو أسروا مسلما أو مسلمَين فهل هو كدخول دار الإسلام؟ وجهانِ، أصحّهما نعم، لأنّ حرمته أعظم من حرمة الدّار”.
كلّ هذا، ثمّ نسمع في أمّة الإسلام من يُحمّل رجال الرباط والجهاد والمقاومة في غزّة مسؤولية المجازر التي يقترفها المحتلّ الصهيونيّ في حقّ المسلمين! يحمّلون رجال المقاومة المسؤولية وهم الذين ما قاموا إلا ليذكّروا الأمّة المسلمة أنّ الصهاينة يأسرون أخواتهم المسلمات العفيفات الطّاهرات.. ولو توقّف الأمر عند الأسر ما هان وما جاز السكوت عنه، بل وجب على المسلمين أن يُستنفروا ليَفْدوا الأسيرات العفيفات بدمائهم، كيف والأمر لا يتعلّق بالأسر فقط، الأمر يتعلّق بمجازر كان المحتلّ الصهيونيّ يقترفها في حقّ إخواننا المسلمين في الأرض المباركة منذ البدايات الأولى للاحتلال سنة 1917م، ولم يكن بحاجة إلى “طوفان الأقصى” ليجد ذريعة لارتكاب مزيد من الجرائم والمجازر. ولنأخذ مثلا مذبحة دير ياسين التي مرّت ذكراها السّابعة والسّبعون يوم الأربعاء قبل الماضي، تلك المذبحة الرهيبة التي اقترفها الصهاينة غربي القدس المحتلة في 9 أفريل عام 1948م، بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها ممثّلو المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين! راح ضحية هذه المذبحة ما لا يقل عن 300 مسلم بين رجل وطفل وشيخ وامرأة، وقد جمع الصهاينة 53 طفلا من أبناء القرية وألقوهم أحياءَ من فوق سور القرية، وأوقفوا العزّل عند الجدار وأطلقوا عليهم النار! في ذلك الوقت لم يكن هناك شيء اسمه المقاومة الإسلاميّة حماس!
المجازر زادت حدّتها بعد طوفان الأقصى، لأنّ العدوّ كان قد تلقّى كلّ الضمانات بأنّ حدوده ستكون آمنة، وأنّ الدول العربية المحيطة بفلسطين ما عادت القضية تعنيها، وأنّ أمريكا وأوروبا على كامل الأهبة والاستعداد لدعم اليهود في تحقيق حلمهم التوراتيّ.. وإذا كان المرجفون من بني جلدتنا قد تعاموا عن هذه الحقيقة، فهل صمّت آذانهم عن قول نتنياهو في الخامس من شهر مارس الماضي: “حربنا ليست في قطاع غزة فقط وسنغير خريطة الشرق الأوسط”.
فإلى متى يظلّ بعض المسلمين يحمّلون رجال الأمّة مسؤولية ما يقترفه أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا؟ وإلى متى يغضّ بعض المسلمين الطّرف عن الخيانة التي يقترفها هواة التطبيع في حقّ الأرض المقدّسة؟!
لو كان أسود المقاومة هم السبب حقيقة فيما يحصل، لكان واجبا على الأمّة أن تقف إلى جانبهم، وتتحرّك لوقف العدوان الصهيونيّ على أرض الإسراء، كيف والسّبب هم المطبّعون والخانعون؟!
لقد سجّلت كتب السير أنّ أبا بصير –رضي اللـه عنه- حينما أسلم بعد صلح الحديبية، وهاجر إلى المدينة، وطالبت به قريش أن يُردّ، ردّه النبيّ –عليه الصّلاة والسّلام- قائلا له: “يَا أَبَا بَصِيرٍ، انْطَلِقْ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا”، وكأنّه –عليه الصلاة والسلام- يعلن له عن تأييده. وحين أعلن أبو بصير الحرب على قريش مع جماعة معه، ماذا كان موقف النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-؟ هل تبرّأ منه؟ لا والله، بل قد ألمح إلى رضاه عن فعله، حتّى اضطرّت قريش إلى التنازل عن المطالبة بأبي بصير ومن معه.
عودا على بدء: لو كانت القضية تتعلّق فقط بأسر 9900 مسلم ومسلمة، ما جاز للمسلمين أن يختلفوا حول وجوب التحرّك لفكّ المأسورين، كيف والقضية تتعلّق –مع ذلك- بمجازر مروّعة يرتكبها المحتلّ كلّ يوم في حقّ الرجال والنّساء والأطفال؟
تعداد الضحايا بلغ 51 ألفا نحتسبهم شهداء عند الله، جلّهم من الأطفال والنّساء، كلّ هذا خلال الـ18 شهرا الأخيرة التي أعقبت طوفان الأقصى، أي بمعدّل 94 شهيدا كلّ يوم.. أكثر من 20 ألف طفل في غزة لم يتجاوزوا سن العاشرة، باتوا أيتامًا.. أصوات القصف لا تتوقف، والأشلاء في كلّ مكان، وجثث الأطفال المحترقة والممزّقة تعرض كلّ يوم أمام الكاميرات، وصرخات الأمّهات تبلغ عنان السماء.
صبيحة الجمعة الماضية: تناقلت الكاميرات صور جثث متفحمة في غزة، بينها أجساد أطفال أبرياء، بالتزامن مع ارتقاء 40 مسلما في اليمن نتيجة الغارات الصليبية الأمريكيّة التي تريد معاقب اليمنيين لا لشيء إلا لأنّهم مدّوا أيديهم بالعون لإخوانهم في غزّة.. 3 عائلات من غزّة مسحت بالكامل خلال الـ24 ساعة الماضية.. يومان قبلها التهمت النيران الناجمة عن القصف الصهيونيّ أجساد أكثر من 30 بريئا في خيام النزوح في غزة بينما كانوا نائمين!
الجوع أودى بحياة أطفال أبرياء، وأنهك أجساد الشيوخ والنّساء، بعد أن أطبق العدو الحصار وعزّ الطعام وأضحت الأسواق خاوية على عروشها وباتت غزّة على حافّة مجاعة قاتلة! حتى المياه الصالحة للشرب أصبح الحصول عليها حلما قلما يتحقّق، ما اضطرّ النّازحين في شرق غزة إلى شرب مياه الصرف الصحي.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post في ذكرى “يوم الأسير الفلسطينيّ”: من يفكّ أسر الحرائر؟! appeared first on الشروق أونلاين.