سياسة التاجر وتجار السياسة

استيقاظ العالم على حرب من نوع جديد، انتهت عمليا منذ القرن الـ19، جعل الجميع يدرك أن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حقبة التفاهمات والتوازنات عبر مؤسسات القانون الدولي والمؤسسات الحقوقية الأممية، لم تعد بالكاد يوجد لها أثرٌ فضلا عن تأثير، وهذا لصالح مرحلة القواعد لا القوانين: القواعد التي تفرضها القوة الوحيدة المهيمنة. الحرب التي […] The post سياسة التاجر وتجار السياسة appeared first on الشروق أونلاين.

أبريل 4, 2025 - 20:29
 0
سياسة التاجر وتجار السياسة

استيقاظ العالم على حرب من نوع جديد، انتهت عمليا منذ القرن الـ19، جعل الجميع يدرك أن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حقبة التفاهمات والتوازنات عبر مؤسسات القانون الدولي والمؤسسات الحقوقية الأممية، لم تعد بالكاد يوجد لها أثرٌ فضلا عن تأثير، وهذا لصالح مرحلة القواعد لا القوانين: القواعد التي تفرضها القوة الوحيدة المهيمنة.
الحرب التي هزّت العروش، لاسيما في دول القارة العجوز، التي تعاني أصلا من الركود والحركات اليمينية المتطرِّفة الرافضة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تفاقم منذ الحرب الروسية الأوكرانية، هي حرب “التعريفات الجمركية” التي فرضها طرفٌ واحد على كل دول العالم تقريبا دفعة واحدة، وبنسب غير مسبوقة.

حربٌ لا أحد يعرف مدياتها في البعدين المتوسط والبعيد، إذا ما أبقيت على حالها، كون أن هذا الحدث يمثل ضربة قاصمة لسلاسل التوريد العالمية والآلة الإنتاجية مما يلحق ضررا بالغا بالاقتصاد العالمي، وهذا في انتظار ردود الفعل الأوربية التي قرّرت أن تردّ على مراحل، مخافة إغضاب ساكن البيت الأبيض الذي لا أحد يمكن أن يتنبأ بردود فعله على ردود أفعالهم.
هو ذلك التاجر الذي دخل مجال السياسة بعقلية الربح التجاري أحادي الجانب، بل إنه يرى أنه يدافع عن مصالح بلاده أصلا، ضد تجار السياسة، لأنها تخسر مع الأصدقاء أكثر مما تخسره مع الأعداء، وهذه سابقة في الولايات المتحدة التي عملت على “شراء” أوروبا منذ نهاية الحرب العالية الثانية عبر مشروع مارشال والدفاع عبر النيتو، وعمدت إلى تقديم المساعدات والتخفيضات الجمركية لكثير من دول العالم بغية إبقائها تحت تبعيتها وهيمنتها، من أجل أن تبقى أمريكا فوق الجميع وسيدة الجميع.
الكل كان يعرف ويعي أن أمريكا تسيّدت العالم عبر الدولار رغم عجز ميزانها التجاري الدائم بعدة تريليونات من الدولارات، لكنها، مع ذلك، وبفعل اقتصادها القوي وقوة عملتها، لم تكن تتضرر من ذلك. التاجر، لا يرى الأمور على هذا النحو: إنه يفكّر بعقلية: ماذا أجني وماذا أخسر؟ أما العلاقات العامة فتُشترى بالضغط والعقوبات. ممارسة السياسة بواسطة الصدمة قد تنفع، لكن ليس دائما، بل قد تنجرّ عنها انعكاساتٌ وخيمة قد لا يمكن جبرُها على المدى القريب والمتوسط، لكون تداعياتها والتصدُّعات والتشقُّقات التي تحدِثها، لا أحد يمكنه أن يتوقعها. لهذا، كانت الصدمة قوية، والجميع في الغرب بشكل خاص، يحاول امتصاصها عن طريق البحث والتفكير عن طرق أخرى، للأسف غير متوفرة كثيرا كبدائل: الذهاب باتجاه الصين؟ العودة إلى التعامل مع الأسواق الشرقية مثل روسيا؟ تكتل أوروبي اقتصادي وأمني جديد؟ التوجُّه نحو التوقع والانكماش والانعزالية عبر حمائية متشددة؟ لا أحد الآن يعرف ماذا يفعل لمجابهة الصدمة، سوى أن يضطرّ إلى تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية والخضوع للضغوط من جديد، أملا في البحث عن فرج قرب.
على المستوى الأمني، غزة، بعد التوحش غير المسبوق والشيك على بياض الذي منحه ساكن البيت البيض لزعيم العصابة الإجرامية الصهيونية في حكومة الكيان من أجل “إكمال إنجاز المهمة في أسرع وقت”، هذا الشيك والوقت قد بدأ يضيق وينفد على سكان غزة أوّلا، الذين لم يبلغ أحدٌ مبلغهم في الصمود رغم الحصار والتجويع والإبادة، لكن أيضا، مانح الشيك، بدأ الشك يراوده بشأن الكلفة، ولن نستغرب أن نستيقظ قريبا عن استدارة ترمب على مشروعه مع نتنياهو في غزة كما في هو الشأن في الملف الإيراني: مع تاجر السياسة، نتوقع كل شيء، إلا التوقع.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post سياسة التاجر وتجار السياسة appeared first on الشروق أونلاين.