يواجه الاحتلال الاسرائيلي حالة ارتباك سياسية وتاريخية مع استقدام وفده إلى القاهرة للتفاوض حول ترتيبات تنفيذ خطة ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك في السادس من أكتوبر، التاريخ الذي يوافق عبور الجيش المصري قناة السويس سنة 1973، وانهيار أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.
هذا التزامن أثار جدلا في الأوساط الإسرائيلية التي تعتبر التاريخ نذير شؤم واستفزازا رمزيا يعيد إلى الذاكرة هزيمة كبرى في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي.
تأتي هذه المفاوضات في ظرف حساس يسبق الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي قلب موازين الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، ومنذ ذلك اليوم أعلنت حكومة نتنياهو سلسلة أهداف استراتيجية، تمثلت في استرجاع الأسرى بالقوة، وتفكيك سلاح المقاومة، وإقصاء حركة حماس عن حكم القطاع، وتهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة.
لكن بعد مرور عامين من الحرب، تكشف المعطيات الميدانية أن جميع تلك الأهداف فشلت في التحقيق. فالمقاومة ما زالت صامدة، والاحتلال غارق في مأزق سياسي وعسكري عميق، بينما دفع الشعب الفلسطيني ثمنا إنسانيا باهظا تمثل في نحو 80 ألف شهيد، بينهم 20 ألف طفل و12 ألف امرأة، إضافة إلى آلاف المفقودين والمصابين، ودمار طال 90% من قطاع غزة.
كما دمر 38 مستشفى وتضررت 95% من المدارس، فيما تجاوزت الخسائر المادية 70 مليار دولار.
رغم هذا الحجم الهائل من الدمار، لم يتمكن جيش الاحتلال من تحرير أي أسير من قبضة المقاومة إلا عبر صفقات تبادل محدودة بوساطات إقليمية، وهو ما زاد من الانقسام داخل الكيان، وأفقد حكومة نتنياهو ثقة الشارع الإسرائيلي وعائلات الأسرى.
أما محاولات التهجير الممنهج التي روجت لها الحكومة الإسرائيلية بدعم أمريكي، فقد باءت بالفشل أمام صمود الفلسطينيين ورفضهم مغادرة أرضهم، رغم النزوح الداخلي الكبير في القطاع.
في المقابل، واصلت المقاومة الفلسطينية عملياتها العسكرية وأطلقت رشقات صاروخية جديدة، مؤكدة أن سلاحها غير قابل للتفكيك وأن مشروع الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه.
على الصعيد الدولي، تحولت حرب الإبادة في غزة إلى نقطة انعطاف في الرأي العام العالمي، إذ واجه الكيان عزلة غير مسبوقة، وموجة مقاطعة أكاديمية وتجارية، إضافة إلى قطع التعاون العلمي من قبل جامعات ومؤسسات غربية كبرى. كما صدرت مواقف رسمية من دول مثل كولومبيا، إيرلندا، فنلندا، وإسبانيا، دعمت القضية الفلسطينية وأعادت مطلب الدولة الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي، تزامنا مع اعترافات جديدة من فرنسا وبريطانيا.
اليوم، وبعد عامين من الحرب، يجد الكيان نفسه أمام مستويين من الخسارة فشل ميداني في تحقيق أهدافه العسكرية، وخسارة سياسية فادحة أدت إلى تآكل صورته أمام العالم.
وبينما تحاول إسرائيل إنقاذ ما تبقى من أوراقها عبر مفاوضات متعثرة، تزداد المقاومة الفلسطينية رسوخا، لتؤكد أن الصراع لم يعد حول حدود جغرافية فحسب، بل حول هوية شعب يواجه الإبادة ويتمسك بحقه في البقاء.