الجامعة مؤسسة استثمارية بامتياز وهي الحقيقة بلا انحياز …

د.خالد شنون */ القارئ لواقع المؤسسات الاجتماعية والتعليمية في الزمن الراهن يخلص الى أن الاستثمار الكبير يعنى بقطب الوجود. حيث يرتبط أي انجاز بالإنسان وتوفيقه في حل المشكلات وتطوير الوجود، كما يرتبط أي فشل بسبب يعود الى سلوك الانسان في هذا الوجود كذلك، ومن ثم فالإنسان هو رهان الحضارة والتطور في زمن يدرك الانسان فيه …

أكتوبر 6, 2025 - 13:55
 0
الجامعة مؤسسة استثمارية بامتياز وهي الحقيقة بلا انحياز …

د.خالد شنون */

القارئ لواقع المؤسسات الاجتماعية والتعليمية في الزمن الراهن يخلص الى أن الاستثمار الكبير يعنى بقطب الوجود. حيث يرتبط أي انجاز بالإنسان وتوفيقه في حل المشكلات وتطوير الوجود، كما يرتبط أي فشل بسبب يعود الى سلوك الانسان في هذا الوجود كذلك، ومن ثم فالإنسان هو رهان الحضارة والتطور في زمن يدرك الانسان فيه أن العلم والمعرفة هما الملاذ لحل المشكلات وتسهيل سبل العيش والحياة. فكلما زاد تعلم الانسان عرف وسعد بأسرار الظواهر والوجود، وكلما غاب عن التعلم شعر بالجهل والقنوط في نفس الوجود، كما ان حل أي مشكلة لا يخلو من تصنيفها في المجال المعرفي والبحثي الذي تنتمي اليه ومن ثم دراستها وفق أطر ومقاربات موضوعية ومنهجية حيث الخلاص الى الحل.
وهنا نجد الجامعة ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي تفرض الوجود في المجتمع، بل وفي دوافع الافراد على اختلاف اصنافهم واحتياجاتهم المعرفية والتكوينية، حيث تعنى هذه المؤسسات بتقديم المعرفة وتأطير الطلبة والباحثين وفتح الافاق والفرص التي تعلو بمستوى النقاش الفكري والعلمي، بل والاختراعات التي تثبت وجود المنتسبين لها، سواء كانوا طلبة أو باحثين أو مدرسين وأساتذة، بل الجامعة أضحت توصف بطابعها الاستثماري والاقتصادي.
فالتعليم الجامعي ينور الافراد بمختلف العلوم ويصحح تصوراتهم وتمثلاتهم حول ظواهر الحياة، العيش، العمل، الاختراعات، العولمة، القيم، بل والجمال والكمال في السلوك كتدريب على السعي وراء الأهداف بعيدة الامد، بل ويمكنهم من الحصول على التكوينات التي تتلائم مع أنماط شخصياتهم والمجتمعات التي يعيشون فيها وكذا العالم الذي يحاكونه كل لحظة، حيث من شأن التكوين الجامعي ان يمنح تفكيرا راقيا يتجاوز النظرة الكلاسيكية والنمطية التي كانت لدى الفرد قبل ولوجه الجامعة، بل وتعد مؤسسات الجامعة في زمننا المعاصر بتحديات كبيرة، حيث اضحت تدعم المقاولاتية وريادة الاعمال، والابداع والابتكار في شتى مجالات الحياة، حيث الاستثمار في المورد البشري وفي اقتصاد المعرفة وتسخيرها لخدمة التنمية الاجتماعية الشاملة. كل هذا لا يتأتى الا اذا ساهم وأدرك كل أعضاء المؤسسة الجامعية أن لكل واحد فيهم دورا في ذلك.
الاستثمار في الجامعة والتكوين، يعنى بتقديم الدلائل على ان من لم يحظ بالتعليم والتكوين والحصول على الكفاءات والمهارات المعرفية في مختلف العلوم يكون عرضة لاخطاء عدة، بل ويصعب تحصينه من المشكلات التي تعترضه في حياته وفي حياة الاخرين، وهذا وجه كبير من أوجه الإيرادات التي تعود على المجتمع، كما أن تعليم أكبر فئة في المجتمع يسهم في تحقيق المشروع الاجتماعي كون التعليم الجامعي يوفر نوعا من الالفة بين الطلبة والمتعلمين وبالتالي تقارب الأفكار والحفاظ على البنية الثقافية للمجتمع، بل ورسم خارطة التنمية في المجتمع تبعا لما توفره الجامعة من تكوينات تلبي احتياجاته، وهذا كذلك وجه من أوجه الاستثمار في ان المجتمع يجد المورد البشري الذي طلبه بناء على استراتيجيته في الجامعة والتكوينات التي وفرها لأبنائه.
ومن الناحية البحثية والعلمية نجد، أن الجامعة هي المؤسسة الكبيرة التي تحتضن مواضيع البحث التي تعبر عن هموم المجتمع وتحديات مؤسساته، حيث لا حل لأي مشكل بعيدا عن العلم وعن البحث العلمي، حيث توفر الجامعة مخابر بحث وفرق بحثية تنشط في إطار النظريات والمقاربات التي تحلل وتفسر وتتنبؤ حول مختلف الظواهر، وهنا نجد ان الحياة المعاصرة أضحت تعنى بالدراسات التنبؤية التي تتجاوز تفسير الواقع وفق متغيراته الآنية، بل وتوفير المعادلات والخوارزميات التي تتجاوز الأهداف الآنية الى أهداف بعيدة المدى، والتي من شأنها التنبؤ بما سيحصل في هذا المصنع وفي هذه المؤسسة وفي هذا المجتمع بعد عام وعامين، وكم دراسات ونظريات أضحت تحلل متغيرات الواقع المعاصر وبإمكانها التنبؤ بما سيكون في المستقبل، ولنا خير دليل في هذا ما يحدث في مجل التكنولوجيات والرقمنة والذكاء الاصطناعي، حيث من المتوقع بكل بساطة تطور هذا المجال مستقبلا، وعليه توجب على مؤسسات المجتمع تهيئة الظروف للتكيف مع تحديات هذه العوامل، وهذا يعد كذلك استثمار في رسم التحديات، وتحليل الواقع وفق الأطر العلمية المنهجية الواردة من مؤسسات التعليم العالي والبحث والعلمي ومعاهد الجامعة,
لم يعد شك يحيط بمفهوم ان الاقتصاد والاستثمار في مؤسسات التعليم والجامعة في زمننا المعاصر هو حقيقة وواقع تراهن عليه المجتمعات المتطورة والنامية، حيث خلصت النقاشات المستفيضة في دراسة الانسان وسلوك الانسان، الى أن المورد البشري المؤهل هو الاستثمار الأكبر للنهوض بالمجتمع، وكلما كان عدد الافراد المؤهلين أكبر كانت فرص الاستثمار في هذا المورد البشري أكبر، ومن ثم فالجامعة والتعليم الجامعي هو استثمار بامتياز يحقق الطموح العالي بمجالاته المختلفة بلا انحياز….
* جامعة الجزائر 2