في كلية الشريعة بجامعة دمشق..

أ.عبد العزيز بن السايب/ انقضى أوَّلُ يوم في دمشق الجمعة 16/09/1988 بالمعضمية للارتباط بالوليمة بعد الجمعة.التي دعانا إليها أحدُ أهالي المنطقة.. والذي يَستشيطُ غَضَبًا إذا اعتُذِرَ منه فجبرًا لخاطره واتقاءً لغضبه وتَعَرُّفًا على عادة البلاد التي أعزم على الدراسة فيها؛ أَقْبَلْتُ على تلك الدعوة بكل رضا.. وإن كان عقلي مُعَلَّقًا بلقاء سيدي الشيخ البوطي.والسعي فيما …

فبراير 18, 2025 - 11:56
 0
في كلية الشريعة بجامعة دمشق..

أ.عبد العزيز بن السايب/

انقضى أوَّلُ يوم في دمشق الجمعة 16/09/1988 بالمعضمية للارتباط بالوليمة بعد الجمعة.التي دعانا إليها أحدُ أهالي المنطقة.. والذي يَستشيطُ غَضَبًا إذا اعتُذِرَ منه فجبرًا لخاطره واتقاءً لغضبه وتَعَرُّفًا على عادة البلاد التي أعزم على الدراسة فيها؛ أَقْبَلْتُ على تلك الدعوة بكل رضا.. وإن كان عقلي مُعَلَّقًا بلقاء سيدي الشيخ البوطي.والسعي فيما نَفَرْتُ من أجله..
فارقَنا تلك الأمسية الأخُ الفاضلُ «عبدُ القادر الزَّاوِي التلمساني» ليلتحق بالدراسة في حمص فتطوع الأخ «مراد بوطاوي» فله سَبْقُ زيارات للشام ـ بإيصالي إلى كلية الشريعة في الغَد للقاء سيدي الشيخ البوطي في مكتبه هناك فهو أفضل مكان لمحادثته بكل أريحية..
وجاء السبت 17/09/1988 انطلقنا من المعضمية بواسطة الحافلات النازلة إلى دمشق ووصلنا إلى كلية الشريعة التي لا تَبْعُدُ كثيرًا عن موقف الباصات..
وإذا بها بناء قديم ضمن كليات أخرى في الجامعة السورية وتوأمتها كلية الحقوق المزاوجة لها في نفس البناء..
تأسيس هذه الكلية المباركة عام 1954.. وكان الافتتاح الرسمي في 20 نيسان 1955 في احتفال كبير حضره الرئيسُ هاشم الأتاسي، ورئيس المجلس النيابي، ورئيس الحكومة، والوزراء وعددٌ من الشخصيات العلمية والسياسية من سوريا وخارجها وألقى فيه عميد كلية الشريعة د. مصطفى السباعي كلمة، وللشيخ السباعي اليد البيضاء والسعي المشكور في النضال الحثيث في افتتاح هذا الصرح الكبير.. فللشيخ مِنَّةٌ في عنق كل خريج منه.. ومنهم كاتب هذه السطور..
أول ما تدخل من البوابةِ الحديدية من مدخلِ السياج الحديدي المحيط بالجامعة تَجِدُ عن اليمين والشمال مساحة خضراء.. بساتين مُعْشَوْشِبَة.. خَضَارٌ وأشجار باسقات.. ويَشُقُّ ذلك البستان الفسيح طريقٌ عريضٌ موصل إلى مدخل الكليات.. ولكلية الشريعة في ذلك الوقت أربعُ قاعات فقط..قاعة السنة الأولى، وهي أوَّلُ القاعات على يسار الداخل إلى محيط الجامعة.. في طرف بُستانها.. وتلتصق بها قاعة السنة الثانية.. والقاعتان كبيرتان، تستوعبان عدد مئات الطلاب الوافدين لأول مرة للجامعة السورية، ولكلية الشريعة على وجه الخصوص.
فإذا تجاوزت القاعتين التفتَ يَمينًا تاركا البستان تجد بنايةً شامخة قديمة.. ذات مدخل كبير.. في أعلاه أُثْبِتَتْ يافطةٌ كليةِ الحقوق في الصدر، مكتوبة بخط كبير.. وخلفَها عن يسارها يافطة كلية الشريعة..
فإذا ولجتَ من مدخل البوابة ـوقد شممت عَبَقَ التاريخ ـ.. وَجَدْتَ ساحةً.. وعلى يمينك درج يؤدي على بعض المكاتب الإدارية لكلية الشريعة.. في صدرها مكتب العميد..
فإذا نزلت من الدرج واستمررت في التقدم تصعد بضع درجات وعلى يمينك بوابة باقي قاعات ومكاتب الكلية.. فإذا دخلتَ تجد رِوَاقا..»كليدور».. عن يمينه القاعات، وعلى يساره النوافذ واللوحات الإعلانية..
أوَّلُ قاعاتِه قاعة السنة الثالثة، فهي في صدر رواق الكلية، ذات حجم متوسط.. تلتصق بها قاعة السنة الرابعة..قاعة صغيرة، لطيفة الحجم..والقاعات هي مَوْضِعُ المحاضرات والحصص التطبيقية..وبمجاورة القاعة الرابعة مكاتب إدراية.. وفي آخر الرِّوَاقِ تجد بوابةً تُدْلِفُ منها إلى مكاتب أساتذة الكلية.. وبعض المرافق..
سألنا في أحدى المكاتب الإدارية للكلية عن سيدي الشيخ البوطي..وهل موجود..؟ فقابلنا المسؤول بسؤال أيضا..عن هويتنا وماذا نريد من «الدكتور سيعد»؟!
نعم.. «الدكتور سيعد».. هذا هو لقبُهُ الذي يتميز به في دمشق.. بين الخاصة وبعض العامة.. بينما «الشيخ سعيد» فهو عندهم لقب للشيخ الخَن.. رحمهما الله تعالى..
لم أُفصح طبعا عن طبيعة الموضوع الذي أبغي الشيخَ فيه.. وإنما اكتفيتُ بالتعمية بأننا من الجزائر ونرغب في زيارته والسلام عليه..
ابتسم ذلك الإداريُ.. مرحبا بالجزائر وشعبها.. شعب المليون شهيد.. وكالعادة نصحح لهم أنهم مليون ونصف.. وهذا العدد من اندلاع الثورة المباركة في 54.. أما منذ احتلال الاستدمار سنة 1830 فهو أكثر بكثير.. فليس مليونا فقط..
ثَنَّى ذلك الموظف أنه لم يَرَ «الدكتور سعيد».. لكن لا بأس أن نذهب لمكتبه لنتأكد..
سَلَّمنا عليه شاكرين، وتوجهنا إلى حيث دَلَّنَا على مكتب سيدي الشيخ البوطي..
دَقَقْتُ البابَ.. فلم يأت جواب.. فحاولنا فتح الباب.. فلعل صوت الدقات لم يصلْ..فإذ بالباب موصود..
رجعنا أدراجنا.. فسألنا موظفا آخر.. فأكد لنَّا أنَّ «الشيخ سعيد» لم يأتِ اليوم.. فسألناه عن مَظِنَّةِ وجود سيدي الشيخ.. قال: ربما تجدونه في صلاة الظهر في مسجد حيه.. فهو يُصلي هناك.. في حي «ركن الدين».. بجبل «قَاسيُون»..
خرجتُ من الكلية وأنا أَجُرُّ أذيالَ الخيبة.. مُرَدِّدًا مع الشيخ أبي إسحاق الشيرازي (تلك إذا كَرَّةٌ خاسرة)..
فإلى «جَبَل قَاسيُون» حيث يقطن سيدي الشيخ البوطي..
تنبيه قصة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي:
قالوا: كان الشيخُ زاهدًا، ضيقَ ذات اليد وَكَانَ إِذا بَقِي مُدَّة لَا يَأْكُل شَيْئا جَاءَ إِلَى صديق لَهُ باقلاني، فكان يَثْرُدُ لَهُ رغيفا، ويثريه بِمَاء الباقلاء، فَرُبمَا أَتَاهُ وَكَانَ قد فرغ من بيع الباقلاء، فلا تبقى لا الباقلاء ولا مرقها، فيقف الشيخُ فيرجع وَيَقُول: (تِلْكَ إِذا كرة خاسرة)..