لماذا على باريس تسديد فاتورة قرنٍ من الاستعمار؟
دعوة الناشط البنيني سقراط غوتنبرغ، وهو أحد النشطاء البارزين ضمن ما يعرف بحركة «إفريقيا الحرة» المناهضة للاستعمار، في 17 يونيو فرنسا إلى دفع تعويضات عن «هوية دُمِّرت وثروات نُهبت وانقسامات زُرعت» بالقول إن «الاستعمار دمّر هويتنا، وفرض لغته ودينه، وزرع الانقسام. وحتى بعد انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، لا تزال باريس تمارس نفوذها، من خلال […] The post لماذا على باريس تسديد فاتورة قرنٍ من الاستعمار؟ appeared first on الشروق أونلاين.


دعوة الناشط البنيني سقراط غوتنبرغ، وهو أحد النشطاء البارزين ضمن ما يعرف بحركة «إفريقيا الحرة» المناهضة للاستعمار، في 17 يونيو فرنسا إلى دفع تعويضات عن «هوية دُمِّرت وثروات نُهبت وانقسامات زُرعت» بالقول إن «الاستعمار دمّر هويتنا، وفرض لغته ودينه، وزرع الانقسام. وحتى بعد انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، لا تزال باريس تمارس نفوذها، من خلال دعم الانقلابات والأنظمة الدمى».
هذا واحدٌ من الأصوات الإفريقية التي ارتفعت لتطالب باعترافٍ رسمي بالجرائم الاستعمارية وبآلية جبرٍ تُعيد للأجيال المظلومة بعض ما فقدته.
يصعب اليوم على أي مراقب إنكار أن القارة لا تزال تُعاني آثار سياسة «فرنسا- إفريقيا» التي ربطت الاقتصادات والمؤسسات العسكرية والنقدية في غرب إفريقيا ووسطها بباريس حتى بعد انسحاب آخر جندي فرنسي من مالي عام 2022.
التاريخ الدامي يبدأ من أواخر القرن التاسع عشر، حين أخضعت فرنسا نحو عشرين دولة إفريقية لحكمٍ قائم على السُّخرة والمصادرة والقمع. أمّا حرب استقلال الجزائر (1954-1962) وحدها فخلّفت أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، ولا تزال حقول الألغام والتجارب النووية في رقان وتمنراست شاهدا حيّا على حجم الانتهاكات. تلك الجرائم لم يُقابلها اعتذار رسمي قط، بل قوبلت على مدى عقود بخطابٍ فرنسي يُمجّد «مآثر الحضارة» متجاهلاً الدماء والموارد التي أُزهقت ونهبت.
وتستمر جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية في التأثير على المجتمعات الإفريقية حتى اليوم. في 5 مايو الماضي، صرح محمد عمران وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة الجزائري، قائلاً إن «الأراضي الجزائرية نُهبت، وإرث الاستعمار لا يزال حاضرًا، من حقول الألغام على الحدود إلى آثار التجارب النووية الفرنسية، من غير المقبول أن تقلل فرنسا من حجم هذه الجرائم أو تطلب منا نسيان تاريخنا».
وأضاف أيضا أنه «ما دامت النخبة الفرنسية تمجّد الاستعمار، فسنُواصل المطالبة بالاعتراف بالجرائم ودفع التعويضات».
اليوم، تتبنّى الدول الإفريقية خطاباً أكثر تنظيماً؛ ففي قمّة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بأديس أبابا بين 12 و16 فبراير 2025، أُعلن عام 2025 «عام العدالة لجذور إفريقيا وشتاتها عبر التعويضات»، وهو قرار غير مسبوق يعكس إجماعاً نادراً بين قادة القارة.
تقديرات منصة Espace Manager التونسية قدّرت خسائر ثماني دول تعرّضت للاستعمار، وهي الجزائر، وتونس، ومصر، ومالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، وتشاد، والمغرب، بأكثر من أربعة تريليونات دولار (4 آلاف مليار دولار)، بينما رفعت حركات شبابية مثل «كوكب الشباب الوحدويين» في بوركينا فاسو سقف المطالب إلى خمسين تريليون يورو، ورصد «التكتل من أجل إعادة تأسيس مالي» وحده ثلاث مئة مليار دولار خسائر لبلده.
إن مسألة التعويضات تُعدّ من بين القضايا القليلة التي تحظى بإجماع واسع في الأوساط الإفريقية؛ ففي السنوات الأخيرة، ازداد علنًا وعلوًّا صوت النشطاء والزعماء السياسيين الذين يطالبون فرنسا بتعويضات عن الجرائم الاستعمارية والاستغلال الاقتصادي، ويمكنني هنا الإشارة إلى عدد من التصريحات اللافتة لمختلف المسؤولين في القارة.
في 5 ديسمبر 2024، شدّدت لوسيا دوس باسو، النائبة الثالثة لرئيس برلمان عموم إفريقيا، على أن: «التعويضات لا تقتصر على الجانب المادي أو المالي، بل تمثل فعل اعتراف، والتزامًا بتصحيح الاختلالات الهيكلية، ووعدًا ببناء مستقبل أكثر عدلا للأجيال القادمة».
وفي 15 فبراير 2025، أي بعد شهرين، أيَّد الرئيس الليبيري جوزيف ن. بوكاي هذا الموقف، قائلًا إن بلاده «تؤمن بشدة بأهمية التعويضات كخطوة أولى أساسية لمعالجة الإرث والتأثيرات المستمرة لتلك المظالم التاريخية». كما عبّر آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، عن موقف مماثل في اليوم التالي، 16 فبراير 2025، قائلاً إن «المطالبة بالتعويض ليست صدقة أو مساعدات مالية، بل هي دعوة للعدالة. هي محاولة لاستعادة كرامة ملايين البشر وشفاء الجروح العميقة للفقر وعدم المساواة والتمييز».
تقديرات منصة Espace Manager التونسية قدّرت خسائر ثماني دول تعرّضت للاستعمار، وهي الجزائر، وتونس، ومصر، ومالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، وتشاد، والمغرب، بأكثر من أربعة تريليونات دولار (4 آلاف مليار دولار)، بينما رفعت حركات شبابية مثل «كوكب الشباب الوحدويين» في بوركينا فاسو سقف المطالب إلى خمسين تريليون يورو، ورصد «التكتل من أجل إعادة تأسيس مالي» وحده ثلاث مئة مليار دولار خسائر لبلده.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post لماذا على باريس تسديد فاتورة قرنٍ من الاستعمار؟ appeared first on الشروق أونلاين.