لهذا تُستهدف الجزائر..!!
ترتبط حالة التوتر المتصاعد بين الجزائر والتحالف الثلاثي (مالي – النيجر – بوركينافاسو) في منطقة الساحل جنوب الصحراء، بحسابات كثيرة ومتعددة يمكن إجمالها في ثلاثة اسباب أو عوامل رئيسية، العامل الأول يتعلق بالتعاطي مع الحركات الانفصالية في شمال مالي، لقد لعبت الجزائر على مر العقود الماضية أدوارا رئيسية في التهدئة بين باماكو والحركات الأزوادية الممثلة […] The post لهذا تُستهدف الجزائر..!! appeared first on الجزائر الجديدة.

ترتبط حالة التوتر المتصاعد بين الجزائر والتحالف الثلاثي (مالي – النيجر – بوركينافاسو) في منطقة الساحل جنوب الصحراء، بحسابات كثيرة ومتعددة يمكن إجمالها في ثلاثة اسباب أو عوامل رئيسية، العامل الأول يتعلق بالتعاطي مع الحركات الانفصالية في شمال مالي، لقد لعبت الجزائر على مر العقود الماضية أدوارا رئيسية في التهدئة بين باماكو والحركات الأزوادية الممثلة للعديد من المجموعات الاثنية وعلى رأسها التوارق.
ويصف الكثير من المراقبين دور الجزائر بالايجابي والفعال، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحادات الاقليمية على غرار الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي، فهذا الدور سمح في الكثير من المرات باستبعاد شبح المواجهة العسكرية واسس لسلام ولو اعتبر هشا بسبب تماطل حكومات مالية المتعاقبة في الاستجابة للعديد من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تلح عليها الحركات المعارضة المسلحة في شمال البلاد، فاتفاق السلام الذي وقع برعاية الجزائر في سنة 2015، ساهم بشكل كبير جدا في تحقيق حد ادنى من الاستقرار، من خلال تبديد خيار الحرب من جهة ومن جهة أخرى، الدفع بمطالب الانفصل نحو التراجع وتضييق الخناق على التدخل الأجنبي.
لقد شكل تخلي الحركة الانقلابية عن اتفاق السلام لسنة 2015، نقطة تحول هامة ورئيسية في علاقة الجزائر بمالي، فالأطروحات البديلة التي تقدمت بها المجموعة الانقلابية بزعامة العقيد أسيمي غويتا لمعالجة الأزمة في الشمال، لم تكن لتحقق أي من الأهداف المرجوة في بسط السلم والاستقرار، وجلب الانقلابيين لمرتزقة “فاغنر” الروسية زاد في تعميق الهوة، خاصة وأن الخيارات المطروحة اصبحت كلها قائمة على الحسم العسكري، فالانتصارات التي حققها في البداية الجيش المالي بمساعدة “فاغنر”،كانت مغرية بالنسبة للانقلابيين وأوجدت لديهم قناعة بامكانية الحسم العسكري، إلا أن المواجهات التي دارت فيما بعد في الشمال، كشفت عن وجه اخر للمعركة، فارتكاب الجيش المالي والمرتزقة الروس جرائم ضد المدنيين لم تكن كافية لتحقيق أي نصر عسكري، والذي حصل هو تعرض الجيش المالي و”فاغنر” لهزائم عسكرية مذلة قلبت قواعد اللعبة وعكست المعادلة في المنطقة، الأمر الذي سرع بعودة خيار الحسم العسكري إلى الواجهة حتى بالنسبة للحركات الأزوادية التي اقتنعت هي الأخرى بحتمية الحسم الميداني بدلا من انتظار سلام ربما لن يأتي وإذا ما حل وظفته باماكو لربح الوقت والاستمرار على نفس النهج في اقصاء مناطق الشمال سياسيا وتنمويا .
بالنسبة للجزائر، وجود “فاغنر” على مقربة من حدودها لا يختلف عن وجود اي تنظيم مسلح بما في ذلك التنظيمات الارهابية التي عادة ما تستثمر في هكذا أوضاع وتستغل التدخل الأجنبي لكسب شرعية النشاط وتوسيع التجنيد بين المتحمسن لما تعتبره “جهادا” ضد الأجنبي. لقد تمدد النشاط الارهابي بشكل واضح خلال التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة عبر عمليتي “سيرفال” ثم “برخان”، ورغم نجاح القوات الفرنسية في 2012 فيما اسمته باريس بـ “تحرير شمال مالي من قبضة الجماعات الارهابية”، إلا أن الملاحظ هو عودة هذه الجماعات إلى منطقة الساحل بشكل قوي، فضلا عن انتشار الشبكات الاجرامية المختلفة المرتبطة بالنشاط الارهابي، خاصة الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلاح.
الجزائر تنظر إلى التواجد الأجنبي في شمال مالي، سواء تعلق الأمر بـ “فاغنر” أو قوى اقليمية ودولية أخرى، على أنه تهديد أمني استراتيجي لها، ولقد نقلت هذه اللرؤية إلى الانقلابيين في مالي والنيجر وبوركينافاسو، ونقلتها ايضا إلى أطراف دولية على غرار تركيا وروسيا. ورغم ما يقال عن تشدد الجزائر في التعامل مع التحالف الثلاثي في منطقة الساحل، لا أحد ينكر أن هناك خططا دولية تستهدف الجزائر عبر خلق أزمات إقليمية لعزلها عن محيطها العربي، خاصة في ظل صعودها الاقتصادي اللافت عقب أزمة الطاقة العالمية، وتحول الجزالئر إلى لاعب رئيسي في ملف الطاقة والغاز تحديدا، هناك محاولات مكشوفة لممارسة الضغط السياسي على الجزائر واستهدافها في عمقها الاستراتيجي، وإن كان الحديث عن نشوب حرب مفتوحة في المنطقة مستبعد في الفترة الراهنة لاعتبارات متعددة.
محاولات الاستهداف بأبعادها المذكورة، برزت بشكل واضح عقب ما أصبحت تسمى بقضية اسقاط الجبيش الجزائري لمسيرة مسلحة تابعة للجيش المالي بمنطقة تن زواتين الحدودية، بعدما اخترقت المجال الجوي للجزائر على مسافة 2 كيلومتر، وفق بيان وزارة الدفاع الوطني. حادثة استغلت من قبل باماكو وحلفاؤها للتصعيد ضد الجزائر، تصعيد بدا وكأنه غير بريئ، يخفي حسابات قوى اقليمية ودولية ربما تقف وراء حادثة “الدرون”، وهذا في ظل تحاليل ترجح احتمال وقوف ضباط من الجيش المغربي وراء تسيير الطائرات من دون طيار المالية، وفي ظل حديث عن محاولات سابقة لاختراق المجال الجوي الجزائري، تعامل معها الجيش الجزائر بالكثير من الحكمة.
الجزائر تواجه محاولات لعزلها عن عمقها الافريقي والعربي، وهذا من خلال محاولة استكمال دائرة اللهب التي تكاد تحيط بها من كل جانب إذا ما استثنيا تونس التي تربطها بها علاقات ممتازة واستثنائية، وهذا التضييق الاستراتيجي له خلفياته المرتبطة بصعود الجزائر كقوة اقتصادية في المنطقة كما ذكرنا من قبل، وفضلا عن ذلك، هناك رغبة واضحة في اضعاف الجزائر وجرها إلى أزمات اقليمية تؤثر في مسيرتها الاقتصادية والتنموية وتؤثر حتى على نفوذها السياسي والأمني، ناهيك عن الاعتبارات الأخرى المرتبطة بالجوانب العسكرية، وحديث البعض عن مكيدة مدبرة بغية توريط الجيش الجزائري في حرب استنزاف لقلب ميزان القوة العسكرية وترجيح الكفة لصالح الرباط .
م/ق
The post لهذا تُستهدف الجزائر..!! appeared first on الجزائر الجديدة.