مشروع فيلم الأمير عبد القادر… من السيناريو إلى صناعة الذاكرة
في لحظة فارقة من مسار استعادة السرد الوطني الجزائري وتثمين رموزه التاريخية، تسلّمت المؤسسة العمومية “الجزائري” التقرير النهائي للجنة الاستشارة والخبرة المكلفة بمرافقة مشروع الفيلم السينمائي الوطني حول شخصية الأمير عبد القادر، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، ورمز المقاومة والسيادة. يمثل التقرير ثمرة أشهر من العمل البحثي والتوثيقي المكثف الذي قامت به لجنة متخصصة تضم نخبة […] The post مشروع فيلم الأمير عبد القادر… من السيناريو إلى صناعة الذاكرة appeared first on الجزائر الجديدة.

في لحظة فارقة من مسار استعادة السرد الوطني الجزائري وتثمين رموزه التاريخية، تسلّمت المؤسسة العمومية “الجزائري” التقرير النهائي للجنة الاستشارة والخبرة المكلفة بمرافقة مشروع الفيلم السينمائي الوطني حول شخصية الأمير عبد القادر، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، ورمز المقاومة والسيادة.
يمثل التقرير ثمرة أشهر من العمل البحثي والتوثيقي المكثف الذي قامت به لجنة متخصصة تضم نخبة من المفكرين والمثقفين، تحت إشراف الدكتور جمال يحياوي. وقد تمحورت مهمة اللجنة حول تقديم تصور متكامل لسيناريو فيلم عالمي المستوى، يجمع بين الأمانة التاريخية والرؤية الفنية المعاصرة، في تناول سيرة شخصية لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الوطني.
هذا التحضير لا يهدف فقط إلى سرد الأحداث التاريخية الكبرى، بل يسعى إلى بناء سرد بصري ودرامي يُعيد تقديم الأمير عبد القادر للأجيال الجديدة وللعالم، بعيدًا عن الصور النمطية أو التناول السطحي الذي لطالما طغى على بعض الأعمال السينمائية العربية.
ليست المبادرة مجرد مشروع سينمائي، éبل هي جزء من رهان ثقافي وسياسي أشمل، يتمثل في إعادة بناء الذاكرة الوطنية على أسس بصرية حديثة، تُوظف فيها السينما كأداة تربوية وقوة ناعمة في آن. وقد أشار وزير الثقافة زهير بللو إلى أهمية استثمار ما تزخر به الجزائر من شواهد تاريخية وطبيعة خلابة، لترسيخ صورتها كوجهة سينمائية عالمية.
في هذا السياق، فإن إنتاج فيلم عن الأمير عبد القادر لا يجب أن يُختزل في بعده المحلي، بل ينبغي أن يكون عملًا سينمائيًا ذا بعد إنساني عالمي، يعكس قيم الحوار، والتسامح، والمقاومة من أجل الكرامة، وهي القيم التي جسدها الأمير في حياته.
رغم الأهمية الرمزية الكبيرة للمشروع، إلا أن الرهان الحقيقي يبدأ بعد هذا التقرير. فالتحديات تتوزع بين الجوانب الفنية (الإخراج، التمثيل، الكتابة السينمائية)، والتمويل، وآليات التوزيع الدولي، لضمان ألا يكون الفيلم مجرد عمل محلي محدود الأثر.
التجارب السينمائية العالمية في مجال السير الذاتية التاريخية (مثل “غاندي” أو “الملك ريتشارد”) تثبت أن نجاح هذا النوع من الأفلام يرتكز على التوازن بين العمق التاريخي والجاذبية الدرامية، وبين الرسالة الوطنية والانفتاح العالمي.
في ظل ما تشهده المجتمعات من حروب سردية وتزييف للحقائق التاريخية، تبرز أهمية المشروع ليس فقط في إعادة الاعتبار للأمير عبد القادر، بل في تعزيز سيادة الجزائر على ذاكرتها الجماعية. وقد يكون هذا الفيلم نموذجًا يُحتذى به في التعامل مع رموز أخرى في التاريخ الوطني.
مشروع فيلم الأمير عبد القادر خطوة جريئة نحو توطين السينما كوسيلة لصناعة الذاكرة وبناء الوعي، خاصة في ظل التحديات الثقافية التي تواجهها الجزائر اليوم. وإذا ما حُسن تنفيذه، فسيكون هذا العمل بداية لمرحلة جديدة من الإنتاج الثقافي الوطني الذي يُخاطب العالم بلغة الفن، ويخاطب الشعب بلغة التاريخ الحيّ.
The post مشروع فيلم الأمير عبد القادر… من السيناريو إلى صناعة الذاكرة appeared first on الجزائر الجديدة.