مواجهة تحدي التكاليف التكنولوجية
الدكتور محمد بغداد في حياة الشعوب والجماعات مواعيد يمثل حلولها وتمثلها التحدي الأكبر الذي يكون بمثابة الامتحان الذي يمحص مكانتها ودورها ويجعلها تواجه تسديد تكاليف مهمتها تجاه الحاجات التي ينتظرها المستهلكون لمنتوجاتها، وهي المنتجات التي تتجاوز الحالة الاستهلاكية المادية إلى المستوى الروحي والاجتماعي والتاريخي، الذي يمكن المجموعة الوطنية من تجاوز العقبات التي تواجهها بأيسر التكاليف، …

الدكتور محمد بغداد
في حياة الشعوب والجماعات مواعيد يمثل حلولها وتمثلها التحدي الأكبر الذي يكون بمثابة الامتحان الذي يمحص مكانتها ودورها ويجعلها تواجه تسديد تكاليف مهمتها تجاه الحاجات التي ينتظرها المستهلكون لمنتوجاتها، وهي المنتجات التي تتجاوز الحالة الاستهلاكية المادية إلى المستوى الروحي والاجتماعي والتاريخي، الذي يمكن المجموعة الوطنية من تجاوز العقبات التي تواجهها بأيسر التكاليف، على اعتبار أن التكاليف الكبرى تقع على الهيئات والكيانات التي تقع على عاتقها المهمات التاريخية.
ومما يشد الانتباه وعلى غفلة من الزمن حلت ذكرى المأوية الثانية للمرزوقية، باعتبارها أحد الأوتاد الصلبة للهوية الثقافية الوطنية، ونموذج من النماذج التي ترتكز عليها مسيرة المقاومة الفاعلة للمجتمع الجزائر تجاه التحديات التي تعرض لها عبر التاريخ، والتي تمكنت من خلالها وبها المجموعة الوطنية من كسب معاركها المصيرية التي استعادة بها مكانتها التاريخية ودورها الإنساني.
المهام الوطنية
إلا أن حلول المأوية الثانية لميلاد المرزوقية، باعتبارها واحدة من الأوتاد التي تقوم عليها الهوية الجماعية للمجتمع، تجعلها والمتابع للمشهد التعبوي الوطني أمام أن تقوم قيادات هذه الأوتاد بضرورة الإسراع في تحمل تكمل تكاليف تاريخية مستعجلة بحكم الظروف المستجدة التي تواجه المجموعة الوطنية اليوم وتأتي في مقدمة هذه التكاليف التاريخية المستعجلة.
أن القيادات الروحية للأمة من العلماء وشيوخ الزوايا مدعوة وبصفة مستعجلة وذكية إلى الاستجابة الفاعلة للحاجات المستجدة للمجتمع، والتفاعل مع تطلعاته المشروعة، عبر توسيع مجالات الأمل الفسيح عبر توفير الأجواء والمناخ المناسب، والقيام بمواجهة فاعلة لمظاهر الإحباط، وبسط الآفاق المستقبل أمام أبنائه في خدمة الوطن والذود عن سيادته واستقلاله، بما تمتلكه من طاقات حيوية قادرة على إحداث الفارق المتوقع، وهي الحالة التي يكون الوفاء لمن سبق واجب التنفيذ والمفيد النوعي في الميدان وتلبية للحاجة الملحة المنتظرة.
يفترض أن تكون قيادات الزوايا في خضم الذكرى المأوية الثانية لنموذج المرزوقية أن يتم صناعة وعي حقيقي وفاعل من أجل العمل على جعل مناسبات انتصارات الشعب الجزائري وإنجازاته التاريخية ومواقفه البطولية، فرصة لتثمين تضحيات الشهداء والاعتزاز بجهود المجاهدين ودعم مسيرة بناء الدولة الجزائرية وتعميق قيمها السامية في نفوس وعقول الشباب، كون الثورة الاتصالية الجديدة تتيح الفرص الذهبية لقيادات الزوايا أن تكون تمتلك الريادة في هذا المجال،وتظهر إبداعاتها الذاتية استثمارا لطاقاتها الحيوية، والأفضل أن تكون فاتحة المجال لغيرها من المؤسسات الأخرى للمشاركة في بناء مشروع الوعي الجماعي المتسم بالتاريخية.
ثقل الأوتاد
قد تكون من الرسائل القوية والنوعية لذكرى المأوية الثانية للمرزوقية وما يتبعها من هيئات وأوتاد أخرى، أن يتم إنتاج مشروع يوجه إلى جميع فئات المجتمع يعمل على تجسيد التكاتف والتآلف والتناصر في الدفاع عن مكتسبات الدولة الجزائرية والتفاعل بايجابية مع المواعيد الوطنية التاريخية الحاسمة التي تجسد التفاف الشعب حول دولته ومؤسساته، وتثمين المنجزات الدبلوماسية المتحققة، لتكون الجزائر في مستوى حلم الشهداء والوفاء لأمانتهم، ولعل أهم ما يمكن الانتباه له التضحية الاستثنائية لطلبة الزوايا في تحرير وهران التي يستغرب تجاهلها في هذه الظروف.
تؤكد المستجدات الحالية القائمة في المشهد الجماعي، أن الضرورة توجب على قيادات الزوايا التجاوب النوعي مع جميع فئات المجتمع وبذل المزيد من الجهود والعمل الجاد والسعي المحمود وفق آليات وأساليب نوعية يكون هدفها المرحلي تعزيز اللحمة الوطنية وتعميق التلاحم الجماعي وتوثيق عرى المودة والتآلف لقوله تعالى: (إنما المؤمنين إخوة) في سبيل دعم الجهود الرامية إلى الارتقاء بالتنمية الشاملة الوطنية الشاملة وتحقيق الرخاء العام، وهو التقليد المتوارث في تاريخ هذه الأوتاد الوطنية.
إن التحدي الأساسي الذي يواجه اليوم شيوخ وقيادات الزوايا بما يملكون من طاقة روحية هو كيفية إنتاج مشروع الانخراط الميداني في الشأن العام بكل تفاصيله، واحتضان الشباب وفق أفكار وطروحات ذكية تعمل على الانسجام مع تطلعاتهم والتكيف مع اشتراطات العصر، والقيام بالواجب الشرعي في مواجهة الآفات الاجتماعية المهددة للأجيال ومستقبلهم، مع المسارعة الجادة إلى استعادة دور الزوايا باعتبارها المؤسسات الحامية للوعي والضامنة للانتماء الوطني.
إن المنتظر من القيادات الفاعلة للزوايا اليوم هو العمل على النجاح في امتحان دفع الباحثين والمثقفين وحث طلبة الجامعات على تعميق الاجتهاد في دراسة تراث الزوايا والتعريف بجهودها والسعي نحو إنجاز مشروع ثقافي جامع تكون مهمته الأساسية العمل على حماية المجتمع وما بذله شيوخها وقياداتها من جهود وتضحيات وإبداعات ساهمت بشكل كبير في حماية هويتها وتعزيز مرجعيتها الوطنية.، التي ينتظر أن تحول هذه المرجعية إلي مشروع حقيقي وميداني واضح المعالم والأهداف، وجلي في التجسيد الميداني.
حتمية المصير
إن المهمة القوية التي يفترض أن تشغل بال القيادات الروحية من أوتاد قيادات الزوايا التكيف النوعي والذكي في مسار مناصرة تضحيات الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته الباسلة، في دحر العدوان الصهيوني الغاشم الذي تجاوزت وحشيته كل حدود العقل البشري، مع تثمين مواقف الدولة الجزائرية والجهود المبذولة في التفاعل النوعي مع مستجدات القضية الفلسطينية العادلة، التي تشكل القيادات الروحية الطرف المباشر والشرعي للسير في مسارها التاريخي الذي جعل طوفان الأقصى منعرجها التاريخي الفاصل.
إن الرهان الحقيقي الذي يواجه النخب العلمائية الوطنية والهيئات الروحية القيادية، الاتجاه نحو بناء مشروع وعي جماعي تاريخي، يقوم على الذكاء النوعي والعمل المشترك الذي يجسد روح الجماعة الوطنية،و يجعل من المجموعة الوطنية تستند على طاقة فاعلة هي في أمس الحاجة إليها، إذا توفر الانتباه الحقيقي وقام الذكاء النوعي في استثمارها وتوجيهها في نطاق المشروع الوطني الجديد الذي ينشد الانتصار المانع لكل الحواجز المستجدة في عالم اليوم.