موسم سقوط الأوغاد؟!
أ. عبد الحميد عبدوس/ زلزال سياسي ضرب يوم الاثنين الماضي (31 مارس 2025) حزب «التجمع الوطني» الفرنسي، أحد أقوى التشكيلات السياسية لتيار اليمين المتطرف في أوروبا والعالم. بعد عشر سنوات من التحقيقات القضائية ،صدر الحكم الابتدائي على زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، بأربع سنوات سجنا مع سنتين نافذتين، ومنعها من تولي مناصب سياسية لمدة …

أ. عبد الحميد عبدوس/
زلزال سياسي ضرب يوم الاثنين الماضي (31 مارس 2025) حزب «التجمع الوطني» الفرنسي، أحد أقوى التشكيلات السياسية لتيار اليمين المتطرف في أوروبا والعالم. بعد عشر سنوات من التحقيقات القضائية ،صدر الحكم الابتدائي على زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، بأربع سنوات سجنا مع سنتين نافذتين، ومنعها من تولي مناصب سياسية لمدة خمس سنوات، بما في ذلك حرمانها من الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2027، وغرامة مالية تقدر ب 100 ألف أورو. رغم أن أكثر من 60% من الفرنسيين أيدوا الحكم القضائي، إلا أن مارين لوبان، رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب «التجمع الوطني»، اعتبرت أن إدانتها من طرف القضاء الفرنسي هي بمثابة «استخدام النظام الفرنسي للقنبلة النووية ضدها»، مضيفة أنها لن تسمح بحرمانها من الترشح للانتخابات للرئاسية، أما جوردان بارديلا رئيس الحزب،فاعتبر الحكم على لوبان بمثابة: «إعدام للديمقراطية الفرنسية». لم يجد أنصار حزب مارين لوبان، من طريقة للرد على الحكم القضائي، سوى إلقاء اللوم على القضاة، واتهامهم بأنهم خضعوا لاعتبارات سياسية، بل وصل الأمر إلى إصدار تهديدات ضد رئيسة المحكمة التي أصدرت الحكم ضدها، جعلت السلطات الفرنسية تضعها تحت حماية الشرطة. رئيس الحكومة الفرنسية ،فرانسوا بايرو، الخائف ـ على ما يبدو ـ من فقد دعم اليمين المتطرف عند التصويت على مسألة سحب الثقة من حكومته، اتخذ موقفا غامضا ومترددا، حيث اظهر استغرابه من قرار منع ترشح مارين لوبان لمدة خمس سنوات، قائلا: «إنه قلق من صدور الحكم على مارين لوبان»، بل إنه تبنى مطلب اليمين المتطرف بإجراء مراجعة برلمانية لقانون التنفيذ الفوري لعقوبة المنع من الترشح التي طالت مارين لوبان، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قد يجعله هذا الحكم القضائي على، مارين لوبان، يتخلص من منافسة شرسة لحزبه في الرئاسيات المقبلة، فقد اتخذ موقفا واضحا وصارما في دعم قرار العدالة أمام مجلس الوزراء يوم الأربعاء2 أفريل الجاري، قائلا: «إن السلطة القضائية مستقلة، وإنه يجب حماية القضاة». حتى الرئيس الأمريكي ،دونالد ترامب المنشغل بعد كمية الدولارات التي سيدخلها إلى خزينة بلاده، قراره بفرض رسوم جمركية على معظم دول العالم، يبدو أنه قد وجد الوقت الكافي للاهتمام بقضية مارين لوبان،التي طالب بإطلاق سراحها ،رغم أن مارين لوبان لم توضع في السجن أصلا.
في الجانب الإعلامي، وضع الملياردير الفرنسي اليميني المتطرف، فانسان بولوري، كل ترسانته الإعلامية الضخمة للدفاع عن مارين لوبان ومهاجمة القضاء، وذهبت هذه الوسائل الإعلامية إلى التلويح بأن لوبان كانت «ضحية عدالة نظام ديكتاتوري»، مما دفع سلطة تنظيم البث السمعي البصري في فرنسا إلى وضع وسائل إعلام بولوري، محل الفحص بسبب معالجتها لقضية الحكم على مارين لوبان. كما أدان المجلس الأعلى للقضاء ما أسماه: «التهديدات التي تستهدف شخصيا القضاة المكلفين بالقضية، فضلا عن تصريحات المسؤولين السياسيين بشأن شرعية المتابعات أو الإدانة، لا سيما خلال المداولة، والتي لا يمكن قبولها في مجتمع ديمقراطي». النيابة العامة لباريس، بدورها، اتخذت قرارا بفتح تحقيق «بشأن تصريحات غير لائقة طالت القضاة الذين أصدروا حكما جماعيا في قضية الوظائف الوهمية لحزب التجمع الوطني في البرلمان الأوروبي».
مارين لوبان، زعيمة «التجمع الوطني»، لم تكن هي الوحيدة من عصابة اليمين المتطرف الفرنسي ،التي سقطت في شباك العدالة،فقبل أربعة أيام من إصدار الحكم عليها ،وجه القضاء الفرنسي رسميا يوم 27 مارس الماضي الاتهام إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي تولى الحكم من عام 2007 إلى عام 2012، وطالبت النيابة العامة المالية في فرنسا بالحكم على نيكولا ساركوزي بالسجن سبع سنوات، وغرامة مالية قدرها 300 ألف يورو، وحرمانه من قابلية الترشح لمدة خمس سنوات في إطار محاكمته بتهمة تمويل ليبي لحملته الرئاسية عام 2007. النائب العام علق على قضية ساركوزي بالقول: «ارتسمت صورة قاتمة جدا عن جزء من جمهوريتنا»، منددا بـ»سعي محموم للمتهم للحصول على تمويل لإشباع طموح سياسي مفترس». ولأخذ فكرة عن حجم الفساد الذي تورط فيه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي،الذي يعتبر من أهم القيادات المؤثرة في اليمين، واليمين المتطرف في فرنسا، فقد تعرض خلال خمس سنوات لخمس محاكمات في قضايا فساد وتزوير ومحاباة، و تهم القيام بأعمال إجرامية، وانتهاكات لقواعد تمويل الحملات الانتخابية. في سنة 2021 أدين ساركوزي في قضية التنصت «بزموت» (اسم مستعار للهاتف الذي استخدمه للتنصت) ، وتم الحكم فيها بسجنه 3 سنوات – منها سنة نافذة- بتهمة الفساد واستغلال النفوذ منها سنة واحدة نافذة بإلباسه سوارا إلكترونيا، مع ثلاثة سنوات بعدم الأهلية للترشح. كما أيدت محكمة استئناف في 14 فبراير 2024 إدانة ساركوزي في القضية المعروفة باسم «بجماليون» المتعلقة بتهمة تمويل حملته الانتخابية بشكل غير قانوني خلال محاولته إعادة انتخابه للرئاسة في عام 2012 والتي خسرها أمام مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند.
بعد ثلاثة أيام، فقط، من صدور الحكم على مارلين لوبان، تمت يوم الأربعاء 2 أفريل الجاري، إدانة السياسي الفرنسي اليهودي العنصري المتطرف، إريك زمور، زعيم حزب « الاسترداد» الذي يقع في تطرفه على يمين حزب مارلين لوبان، بدفع غرامة مالية قدرها 10 آلاف أورو، بتهمة «إنكار جريمة ضد الإنسانية» بإدعائه أن رئيس حكومة «فيشي»، خلال الحرب العالمية الثانية، الماريشال فيليب بيتان، هو من «أنقذ يهود فرنسا». وقد سبق لإريك زمور أن أدين في قضايا التحريض على الكراهية والعنف ضد مجموعة من الناس بسبب أصلهم العرقي أو القومي أو الإثني أو الديني.كما تمت يوم الخميس31 مارس 2025 إدانة النائب اليميني المتطرف، جوليان أودول، الناطق باسم حزب «التجمع الوطني» في قضية الوظائف الوهمية لحزب التجمع الوطني، واختلاس أموال من البرلمان الأوروبي. أفراد هذه الشرذمة من الأوغاد المحتالين من اليمين المتطرف في فرنسا، الذين شكلوا عصابة من السياسيين الفاسدين المختلسين للمال العام، والذين حاولوا وضع الدولة في خدمتهم، بدل أن يضعوا أنفسهم في خدمة الدولة، كان القاسم المشترك بينهم هو مهاجمة الجزائر، والتحريض على المهاجرين، ونشر ثقافة العنصرية ومعاداة الإسلام.
في بداية العام (2025) وفي ظل اشتداد الأزمة الحادة التي انفجرت بين الجزائر وفرنسا، اتهمت مارين لوبان الجزائر بعدم احترام القانون، وهددت بأنها في حال وصولها إلى السلطة، ستعامل الجزائر كما عامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كولومبيا. وكان ترامب قد هدد الرئيس الكولومبي بفرض عقوبات ورسوم باهظة على كولومبيا.كما اعتبرت ابنة الملازم في جيش الاحتلال الفرنسي، المجرم المقبور، جان ماري لوبان، الذي اعترف بمشاركته في تعذيب الجزائريين: «أن الاستعمار بالنسبة للجزائر لم يكن مأساة».
أما الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي امتدح «الآثار الإيجابية» للاستعمار الفرنسي للجزائر، فقد صرح أن « فرنسا لا يمكنها أن تعتذر عن هذه الحرب «. وكان من أوائل المسؤولين الفرنسيين الذين طالبوا بمراجعة الاتفاقيات المبرمة بين الجزائر وفرنسا، قائلا في سنة 2015 :»يجب إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي جرت بين الجزائر وفرنسا عام 1962. لقد مضى وقت طويل». كانت ورقة مراجعة الاتفاقيات بين الجزائر وفرنسا هي من جملة الأوراق التي حاول اليمين المتطرف الفرنسي ابتزاز الدولة الجزائرية بها، قبل أن يتبين لهم أن دولتهم الفرنسية كانت هي المستفيد الأكبر من تلك الاتفاقيات.كما اعتبر ساركوزي في مطلع العام الجاري أن الجزائر هي الهدف الرئيسي لانتقاداته لسياسة الهجرة. أما ابنه العنصري الأحمق، لويس ساركوزي،فلم يترد د عن التعبير عن استعداده لحرق السفارة الجزائرية في باريس لو كان رئيسا لفرنسا.
أما المهرج التافه إريك زمور ،فقد أنكر وجود الأمة الجزائرية وبارك استعمارها، وهو لم يحصل على وضعه السياسي في الوسط الفرنسي، إلا بفضل تلميع الإعلام اليميني له لتوظيفه في مهاجمة الجزائر والتحريض على المهاجرين، والإساءة للإسلام والمسلمين.
من حسن الطالع أن هؤلاء الأوغاد الفاسدين الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون بسلوكياتهم المنحرفة، وأكاذيبهم المخزية أن يخدعوا الشعب الفرنسي بتحريضهم على الجزائر، قد سقطوا في قبضة القضاء، وتلطخت سجلاتهم السياسية بجرم قانوني لا ينسى، وعار أخلاقي لا يمحى.