يوم يسيرٌ على المؤمنين غير عسير

من الآيات التي تقرع القلوب الحيّة وتهزّ الأرواح اليقِظة، قول الله –تعالى- في سورة المعارج: ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ))، ولا شكّ أنّ المؤمن يتساءل وهو يقرأ هذه الآيات إن كان ذلك اليوم الموعود سيكون عسيرا -كذلك- على عباد الله المؤمنين؟ والجواب عن هذا السؤال مفرح […] The post يوم يسيرٌ على المؤمنين غير عسير appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 9, 2025 - 17:55
 0
يوم يسيرٌ على المؤمنين غير عسير

من الآيات التي تقرع القلوب الحيّة وتهزّ الأرواح اليقِظة، قول الله –تعالى- في سورة المعارج: ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ))، ولا شكّ أنّ المؤمن يتساءل وهو يقرأ هذه الآيات إن كان ذلك اليوم الموعود سيكون عسيرا -كذلك- على عباد الله المؤمنين؟ والجواب عن هذا السؤال مفرح لكلّ نفس مؤمنة؛ يقول العلماء: “هذا القول يدلّ بمفهوم المخالفة على أنّ يوم القيامة يسيرٌ على المؤمنين غير عسير”، وقد نقل الإمام ابن جرِير عن سعِيد الصَّوَّاف –رحمه الله- أنّه قال: “بلغني أَنّ يوم القيامة يَقصر على المؤمنين؛ حتّى يكون كما بين العصرِ إلى غروب الشّمس، وأنّهم يتقلَّبون في رياض الجنّة، حتّى يُفرغ من النّاسِ، وذلك قَوله: ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)) [الفرقان:24]” اهـ.
نعم، المؤمنون يتعرضون لشيء من هول يوم القيامة وفزعه، لكنه هول وفزع تحوطه رحمة الله بهم. يقول سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) (الأنبياء).
يومُ القيامة سيكون يوم فزع أكبرَ، ويوما مرعبا، للكافرين والمنافقين والظّالمين والعصاة المتمرّدين. لكنّه سيكون يوما سعيدا بالنّسبة لك -أخي المؤمن- إنْ أنت اتقيت الله في هذه الدّنيا وصبرت.. سيكون يوماً سعيدا عندما تُبعث لتجد الملائكة في انتظارك تتلقاك لتبشّرك باليوم الذي كنت تعمل له: ((وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُون)).. تقضي ساعات ذلك اليوم في رحمة الله، وربّما تكون ممّن يظلّهم الله في ظلّ عرشه، فلا تشعر إلا وقد انقضى اليوم وأذن الله بتطاير الصحف. تنتظر صحيفتك وأن تستبشر برحمة مولاك، فتأتيك لتأخذها بيمينك وقلبك يكاد يطير فرحا. تفتح الصحيفة، فتجد أعمالك الصالحة التي كنت تحسبها يسيرة صغيرة، إذ بمولاك يجزيك عنها بما لم تكن تتوقّع، لأنّك عملتها لوجهه وحده.. تأخذ صحيفتك لتعلنها صرخة بين النّاس: ((هَاوُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)).. ولن تقف الفرحة عند هذا الحدّ؛ تنظر خلفك فترى أبناءك الذين ربّيتهم على طاعة الله وأوصيتهم بأن يبقوا على العهد، وقلت لهم: موعدنا الجنّة.. تلتفت فتراهم يتبعونك ليشاركوك فرحتك: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين)).
سيكون يوماً في غاية السّعادة وأنت تحثّ الخطى ولأول مرة في زمرة المرضي عنهم، في زمرة عبادٍ وجوههم كالقمر، يتقدمهم حبيبهم وقدوتهم محمّد -صلّى الله عليه وآله وسلّم-.. شفيعك الذي آمنت به وأحببته واقتفيت أثره وأنت لم تره، وتمنّيت لو أنّك تراه يوم القيامة في الجنّة، وكنت تدعو الله بأن تُحشر في زمرته، تفاجأ بأنّك في زمرة هو من يسير في مقدّمتها.

سيكون أسعد أيامك وأنت ترى نور طاعتك وصبرك يسعى بين يديك يوم القيامة: ((يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
سيكون أجمل يوم تحياه، عندما تكون ضيفاً مرحّبا به أنت وأهلُك وتسمع نداءً خاصا بك: ((سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون))، والأعظم منه ذلك النّداء من الله: ((يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ))، ويليه النّداء الذي يكاد يقتلك فرحا: ((ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُون))، وتتمّ فرحتك حينما ترى والديك المؤمنين يتقدّمان ليفرحا بك وتفرح بهما، ولتسمعوا جميعا تهنئة الملائكة لكم: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).. هناك ستتذكر تلك الآيات من كتاب الله التي كنت تتلوها وكلّك أمل وحنين لأن تكون من أهلها: ((أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِين)).
ستجتمع بأصحابك وأحبابك الذين كنت وإياهم تحثّون الخطى إلى المساجد، وتتواصون بالصبر على طاعة الله، تجتمع بهم ليفرح بعضكم ببعض، ولتتذاكروا أيام الدّنيا: ((وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيم)).
نعم، سيكون يوم القيامة يوما يسيرا، لمن استعدّ وأعدّ؛ فاستعدّ أخي المؤمن، واحزم أمرك اليوم قبل غد.. اعمل واجتهد واصبر حتى يكون يوم القيامة يوم فرحتك وسعادتك.. قلبُك اجعله لله، اعمره بمحبّته وحسن الظنّ به جلّ في علاه، وأسعِد أيامك بالمحافظة على صلاتك وتلاوة كلام ربّك.. في كلّ موقف تمرّ به، آثر الله ولا تؤثر الدّنيا الفانية.. اجعل نظر الله إليك أهمّ من نظر المخلوقين، فإنّهم –والله- لن يغنوا عنك من الله شيئا.. اجعل دينك أغلى ما تملك، وافده بمالك ودنياك كلّها.. برّ بوالديك ولا تسمح للدّنيا بأن تشغلك عنهما أو تجعلك تحمل في قلبك شيئا عليهما.. احرص على هداية زوجتك وأبنائك حتى لا يفرّق بينكم الموت فراقا لا للقاء بعده.. غضّ بصرك ولا تتكلّم فيما لا يعنيك، ولا تظلم أحدا من عباد الله، وإن استطعت أن ترحل وليس في رقبتك مظلمة لأحد من عباد الله فافعل.. احرص على لقمة الحلال، واتّق الشبهات حتّى لا تقع في الحرام.. تصدّق ولا تطع نفسك في شحّها، فما عند الله خير وأبقى.. إن ابتليت بنقص في دنياك فاصبر واحتسب واحمد الله أنّ البلاء كان في دنياك ولم يكم في دينك، وأحسن الظنّ بمولاك أنّه يأخذ من دنياك ليدّخر لك في آخرتك.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post يوم يسيرٌ على المؤمنين غير عسير appeared first on الشروق أونلاين.