أبو عبيدة يكسرُ نرجسيةَ ترامب!!

د.خديجة عنيشل/ المُقاومةُ تكسِرُ جنونَ العظمة الذي يلتحفُهُ دونالد ترامب بما تُبديهِ من نِدِّيةٍ في التعامل معه؛ فعدمُ رضوخِ المقاومة لتهديدات ترامب أفضلُ ما تفعلهُ أمام سياسةٍ نرجسيةٍ ساديةٍ لا ينفعُ معها إلا المواجهةُ والدفاعُ عن الذات بكلِّ شراسةٍ وشجاعة، والذين ظنوا أن مزيداً من الانبطاح لترامب ومزيداً من تقديم التنازلات هو ما سيمنحهم (الرِّضى …

مارس 10, 2025 - 14:29
 0
أبو عبيدة يكسرُ نرجسيةَ ترامب!!

د.خديجة عنيشل/

المُقاومةُ تكسِرُ جنونَ العظمة الذي يلتحفُهُ دونالد ترامب بما تُبديهِ من نِدِّيةٍ في التعامل معه؛ فعدمُ رضوخِ المقاومة لتهديدات ترامب أفضلُ ما تفعلهُ أمام سياسةٍ نرجسيةٍ ساديةٍ لا ينفعُ معها إلا المواجهةُ والدفاعُ عن الذات بكلِّ شراسةٍ وشجاعة، والذين ظنوا أن مزيداً من الانبطاح لترامب ومزيداً من تقديم التنازلات هو ما سيمنحهم (الرِّضى الأمريكي) واهمون وأغبياء. وقد صَدَمَهم هذا الأرعن جميعاً حين أعلن عن وجودِ مُحادثات سريّة تُجريها الإدارة الأمريكية مع حماس من أجل استردادِ الأسرى الأمريكيين.
العُنفُ الخطابي واللغةُ الساديةُ والكلامُ المُنتفخ بالحِدّة والاستعلاء كلُّها تمظهراتٌ واضحة لشخصيةٍ نرجسيةٍ جاوزت المدى؛ وقد صرَّحَ ذات يوم السيناتور الجمهوري تيد كروز قائلاً: إن ترامب أكبر «نرجسي على الإطلاق» وإن الولايات المتحدة «لم تعرف أي شخص بهذا المستوى من النرجسية من قبل». يستخدمُ دونالد ترامب استراتيجيَّتَهُ العدوانيةَ Aggressive Strategy بكثيرٍ من الجرأة معتمداً على أمرين اثنين: أسلوبُ المواجهةِ المباشرة مع الخُصومِ السياسيين، وسلوكُ الإهانة للآخَر والتقليل من شأنه. والذي قرأَ خطابَ ترامب الأخير المُوَجَّه إلى حماس يرى أن هذا الأرعن قام بثلاثةِ أشياء: خطابٌ لقيادة حماس ورجالاتها، وخطابٌ إلى شعب غزّة وتحذيرٌ واضح ومباشر لحركة المقاومة سمّاه (التحذير الأخير) فقد كتب ترامب على منصة تروث سوشيال «هذا هو التحذير الأخير لكم! بالنسبة للقيادة: حان الوقت لمغادرة غزة، إذ إنه لا تزال لديكم فرصة. وأيضا، لشعب غزة: هناك مستقبل جميل ينتظر، ولكن ليس إذا احتجزتم رهائن. إذا فعلتم ذلك، فأنتم أموات!.. أطلقوا سراحَ الرهائن الآن، وإلا فستدفعون الثمن غالياً لاحقاً.. إطلاقُ سراح الرهائن الآن، أو ستكون هناك عواقبُ وخيمة.. سيكون هناك «جحيم» لاحقا إذا لم يتم إطلاقُ سراحِ الأسرى!!
جاءت تهديدات ترامب لحماس بهذا الشكل العنيف والدموي بعد مُحادثاتٍ مباشرةٍ مع الحركة أظهرت فيه ندّيةً وشجاعةً أمام الطرف الأمريكي؛ حيثُ أكدت مصادرُ في حماس لـبعضِ وسائلِ الإعلام «أن مسؤولين في الحركة أجروا مؤخراً محادثات مع مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الأسرى آدم بوهلر تركزت حول إطلاق سراح محتجزين إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية، ومصير الحرب في قطاع غزة» وقال مسؤولٌ أميركي: «إن مبعوثَ البيت الأبيض ستيف ويتكوف خطَّطَ أيضا للسفر إلى الدوحة هذا الأسبوع، للقاءِ رئيسِ وزراء قطر بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار، لكنه ألغى الرحلة مساء الثلاثاء بعد أن رأى أنه لا يوجدُ تقدمٌ من جانب حماس» والنرجسيُّ حين لا يتلقّى تقديراً أو معاملةً خاصةً ينفذُ صبرُه. وجاء ردُّ المقاومة على هذه التهديدات في الخطابِ الذي ألقاهُ أبو عبيدة هذا الخميس السادس من رمضان حيثُ نجحَ في التعامل السيكولوجي مع تهديدات المريض ترامب الذي يتحدثُ بلا عقل -لأن النرجسية في آخر المطاف حالةٌ مرضيةٌ تؤثرُ على الصحة العقلية للمريض- فقابلَ أبو عبيدة التهديدَ بالتهديد إذ قال: «نحن في حالة جُهوزية استعداداً لكافة الاحتمالات، والمقاومةُ لديها ما يُؤلم العدوَّ في أي مواجهةٍ مقبلة وتهديداتهُ علامة ضعفٍ وشعورٍ بالمهانة، ولن يدفعنا ذلك إلا للعودة لكسر ما تبقى من هيبته» وأشارَ بثقةٍ عالية إلى أجدى الحلول لإنهاءِ الحرب وأن التهديداتِ الأمريكيةَ لن تُجدي نفعاً حين قال: إنَّ «أقصرَ الطرق هو إلزامُ العدوِّ بما وقّع عليه، وما لم يأخذه بالحرب لن يأخذه بالتهديدات والحِيَل»
إنَّ نرجسيةَ ترامب هي التي تدفعُهُ إلى هذا السلوك العدواني لأنه في الواقعِ يشعرُ بإحباطٍ أمام صُمود المقاومة التي لم تسقط بعد 15شهراً من الجحيمِ الصهيونيِّ المدعومِ أمريكياً، هذا الصمودُ الأسطوريُّ للمقاومة هو أكبرُ ضربةٍ موجعة لواشنطن التي انهارت صورةُ سطوتِها تحت ضرباتِ رجال المقاومة. ولولا الخنوعُ العربيُّ خصوصاً من دول الطوق وحلفاء أمريكا لكان ترامب جاثياً يستجدي إنقاذَه. ترامب النرجسي يظن أنَّ من حقه أن يحصل على ما يريد وهذا ما لم تحققهُ له إرادةُ المقاومة لذلك انتقل إلى الحلِّ المُوالي وهو الرغبةُ في الانتقامِ من حماس وفصائلِ المقاومة لأنهم تفوّقوا عليه بفرضِهم معادلةٍ جديدةٍ غيرِ مسبوقةٍ في الصراع مع الكيان الصهيوني الذي تُريدُ أمريكا فرضَهُ بالقوة في الجسمِ الفلسطيني وتُصرُّ المقاومةُ على اجتثاثِهِ ومحوِ أثره من المنطقة وهو ما حقّقتهُ معركةُ طوفانُ الأقصى التاريخيةُ التي «دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال الزائل دون شك». كما قال أبو عبيدة في خطابه الذي أعلنَ فيه وقف إطلاق النار.
إن قضيةَ فلسطين لا تحتاجُ كي تنتصرَ انتصارَها التاريخيَّ الكامل إلا إلى بعضِ شجاعةِ أبي عبيدة ورجاله يُلقونَها في صُدُورِ الخانعين عَبَدَةِ الشيطان الذين يظنون أن أمريكا آلهةٌ تُعبَد وأن ترامب لا يُهزَم. والذي استمعَ إلى خطابِ أبي عبيدة الأخير لاحظَ بلا شك الخلفيَّةَ القرآنيةَ للخطاب (ومكرُ أولئكَ هو يبور) وهي جزءٌ من آيةٍ عظيمةٍ في العزة والفِداء يُثبِّتُ بها اللهُ قلوبَ المُجاهدين ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾