رمضان في ماليزيا… فسيفساء الجمال الإفطار الجماعي للطلبة الجزائريين في الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية
د. زهية حويشي/ في ماليزيا، وفي رمضان، يجتمع جمال الزمان والمكان، تتشكل لوحة فسيفساء روحية غاية في الإبداع؛ ، فماليزيا بلد حباه الله بجمال الطبيعة الباهر، قد أفرز هذا الجمال أجمل المساجد في الدنيا، ولعل هذه المساجد ليست سوى انعكاسٍ لتعظيم شعائر الله في قلوب الماليزيين. في هذه الأجواء يتذوق الصائمون معاني الصيام والتراويح والقيام …

د. زهية حويشي/
في ماليزيا، وفي رمضان، يجتمع جمال الزمان والمكان، تتشكل لوحة فسيفساء روحية غاية في الإبداع؛ ، فماليزيا بلد حباه الله بجمال الطبيعة الباهر، قد أفرز هذا الجمال أجمل المساجد في الدنيا، ولعل هذه المساجد ليست سوى انعكاسٍ لتعظيم شعائر الله في قلوب الماليزيين.
في هذه الأجواء يتذوق الصائمون معاني الصيام والتراويح والقيام والاعتكاف، ومن على منابر المساجد تعلو أصوات القرآن، وفي ساحاتها يجتمع الناس على موائد الإفطار فتزداد الصورة بهاء وعرفانا.
أما رمضان في الجامعة الإسلامية العالمية فتلك قصة أخرى…حيث يلتقي طلبة العلم القادمون من كل بقاع العالم، من مختلف الثقافات واللغات، لتتسارع أيادي الخير لنيل أجر إطعام الطلبة الصائمين، وذلك مما يخفف وطء الغربة على القلوب، ويعين الطالب للتفرغ للبحث والدراسة، فتجتمع النوايا تزين العمل الصالح وترفعه، تضيف قطعة جمال في لوحة فسيفساء جمال رمضان ماليزيا.
وأما عن فكرة إطعام الطلبة الجزائريين في الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، فتشكل قطعة من تلك الفسيفساء، حيث تهب ثلة من الأخيار لهذا المقام كالريح المرسلة، تتسابق لتنظيم مائدة إفطار مباركة للطلبة الجزائريين تقدم لهم شيئا من دفء الوطن البعيد، وحنين الأهل والأصحاب.
يبدأ التحضير لهذا الحدث بمجرد أن تهل نسائم الشهر الفضيل على الجامعة، حيث انطلقت الفكرة منذ سنوات من تجمع بسيط لتتطور إلى تقليد سنوي، إذ لا تهدأ القلوب التي وراءه حتى تجسده على أرض الواقع، فيسخر المولى من انتقاهم للمساهمة في هذا الخير، يزيدهم له قربى ويرفعهم عنده مقاما، لكأنها قافلة خير ممتدة يجمعها حبل نوراني سماوي، تطل مع كل هلال شهر القرآن، فتتزين فسيفساء الجمال في ماليزيا نورا يشع من تلك القلوب النقية، وتتصافح أيادي الخير المتوضئة الطاهرة على العمل الصالح.
لقد كانت الفكرة أول الأمر مجرد لقاء أسبوعي بين الطلبة والعائلات المقيمة في ماليزيا، التي تحضر وجبات ذات طابع جزائري، إذ البون شاسع بين هذا الأخير والأكل الماليزي الذي يعتمد على الأرز والأطعمة ذات المذاق الحار الذي لا يطيقه العرب، كما تبنى أحد رجال الأعمال في السنوات الأولى أرسال وجبات يومية إلى الطلبة، طيلة شهر رمضان، ثم بعد مغادرته تحولت الفكرة إلى مشروع منظم يشرف عليه نادي الطلبة الجزائريين المرخص من الجامعة، على غرار تجارب مماثلة يقوم بها الطلبة مثل الهنود والبنغاليين…فاتخذ النادي الجزائري التدابير اللازمة لذلك من وضع ميزانية، وتشكيل مجموعات وفقا لإقامة الطلبة، حملت كل مجموعة اسم صحابي، وتقاسمت هذه المجموعات المهام فسادت روح التنافس، مما خلق نشاطا وفعالية وحيوية للفكرة لتتوسع وتشمل الطلبة المغاربة والتونسيين والليبيين فأصبح فطورا جماعيا مغاربيا بامتياز، كما لم يعد مقتصرا على الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بل طال الخير جامعات أخري حيث يتواجد الطلبة الجزائريون، مثل: UPM, UKM,UUM، ورغم وجود تحديات كثيرة أمام هذا المشروع أهمها جائحة كرونة، إلا أنه لم يتوقف لحد رمضان لهذا العام، بل أصبح عنوانا للتكافل والتراحم أمام ما يعانيه الطلبة من ظروف الاغتراب ومشقة الدراسة.
بهذه المعاني تتشكل فسيفساء الجمال الرمضاني في ماليزيا، يشع بنور القلوب الطاهرة التي تجتمع على موائد الخير، حيث يتعانق الإيمان والعطاء، وتخفف الأخوّة من مشاعر الغربة القاسية، لتصبح لوحة ترسمها الأيادي المتوضئة، وتلونها نيات صادقة.
وحول موائد الإفطار في ماليزيا تتجدد التجربة الروحية كل رمضان فتتعانق فيها القلوب على مائدة واحدة، ويحمل الطعام نكهة الوطن، وتحمل اللحظات معنى التضامن والتعاون معلنة أن العطاء هو جوهر الإنسانية والأخوة، وأن الخير لا يعرف حدوداً ولا جنسيات.
وتستمر أنوار فسيفساء جمال رمضان في ماليزيا متوهجة، تجمع القلوب، فتظل قافلة الخير ممتدة، لا تثنيها التحديات، وكأنها باتت شعلة إيمانية يستلمها رجال عن رجال، أسماؤهم مضيئة، تنير يوميات المغتربين، وتهبهم شيئًا من دفء الأوطان، وعبقًا من روحانية رمضان المبارك.