أهل الإيمان في شهر شعبان ترك العداوة والهجران ثم إلى البر والإحسان
الشيخ محمد مكركب أبران شهر شعبان شهر الاستعداد لشهر الصيام والقيام، فيه ترفع الأعمال، وفيه تتحقق الآمال لأهل الإيمان، لمن ترك النزاع والعدوان، وتآلف مع إخوانه وترك الهجران. سأل أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيتك تصوم في شعبان ما لا تصوم في غيره من الشهور؟، قال: [ذاك شهر يغفل الناس …

الشيخ محمد مكركب أبران
شهر شعبان شهر الاستعداد لشهر الصيام والقيام، فيه ترفع الأعمال، وفيه تتحقق الآمال لأهل الإيمان، لمن ترك النزاع والعدوان، وتآلف مع إخوانه وترك الهجران. سأل أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيتك تصوم في شعبان ما لا تصوم في غيره من الشهور؟، قال: [ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وفيه ترفع الأعمال لرب العالمين، فأنا أحب أن يُرفع عملي وأنا صائم] (شعب الإيمان: 3540) ومن أهم ما ينبغي أن يعمله الناس في شعبان، استعدادا لموسم الفلاح، واستقبال شهر الفوز بدرجات أهل الصلاح والنجاح :1 ـ التوبة والتخلي عن كل الخلافات والمخالفات، والتوبة من الموبقات، وعقد النية والتعهد بهجران كل نزاع بين المسلمين والمسلمات، وعقد العزم على التآلف، والتعاون بين كل المؤمنين والمؤمنات. إن أهل الإيمان في شعبان عزموا على ترك كل ما نهى الله سبحانه عنه، وهجران كل ما يغضب الله تبارك وتعالى، لَمَّا فهموا حقيقة التخلية أولا ثم التحلية، عَلِمَ أهلُ الإيمان أن الأعمال الصالحة لا تبني على الأخلاق السيئة التي تغضب الله سبحانه. فشهر شعبان شهر التخلية والتنقية والتطهر، شهر التسامح والتصالح بين الأفراد والأسر والجيران، ففي شهر شعبان نقول لكل الشعوب المسلمة: أما زلتم لم تعتبروا ولم تفهموا الرسالات الإلهية، والنداءات الربانية، لماذا لا تتحدون لتفوزوا بالقبول والرضوان، ويتحقق لكم السلم والسلام والأمن والأمان؟ لماذا أيها الشعوب ما زلتم مصرين على العداوة والشقاق، وتغضبون الله بإصراركم على الخلاف والفراق. فهذا شعبان يا أهل الإيمان، شهر التطهر وتزكية النفس، فتدبروا، لمن هذه النصيحة النبوية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى] (مسلم:2586)، أَيُعقل أن يتصادق مسلم مع كافر، ويعادي أخاه المؤمن! وشهر شعبان ينادي أهل الإيمان، ألا فاستعدوا لشهر القرآن. وفي القرآن قبل العمل بصلاة التراويح، أن يكون العمل يحكم الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ وحكم الآية: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والله نهى عن النزاع، ونهى عن العدوان، ونهى عن الاختلاف بين أهل الإيمان، ونهى عن اليأس والقنوط، ونهى عن الإسراف، والتبذير، ونهى عن الفساد، وإيذاء العباد. فقبل أن يفكر المؤمن في الصيام في شعبان وفي غير شعبان، ينظر إلى حاله وما هو فيه، هل أدى كل الأمانات إلى أهلها؟ هل هو يتقن عمله في أسرته، هل يؤدي وظيفته مائة بالمائة؟ وهل أصلح كل العلاقات بينه وبين إخوانه؟ فقد يكون بعضهم من المفلسين الذين يصومون النوافل الأيام والشهور، وقد يعتمرون ويحجون، وقد ينفقون ويتصدقون. ومع ذلك يكونون من المفلسين يوم القيامة إن ظلموا أنفسهم بتعدي الحدود. أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم أن يعلم الصحابة هذه القضية التي يَغْفُل عنها الناس، وهي التنافس على النوافل وإهمال الفرائض، يتنافسون في رمضان على التراويح والتهجد وهو عمل صالح جميل، ولكنهم غارقون في العداوة والشنآن، والاختلافات والهجران، بكل إصرار واستكبار، وهذا عن حال كثير من المسلمين اليوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أتدرون من المفلس؟] قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار] (الترمذي:2418). وقد علمتم القاعدة الفقهية.{التخلية قبل التحلية} فمن أراد التقرب إلى الله وجب عليه أن يتوب، ومن شروط التوبة الإقلاع حينا عن المعاصي، فإن قوما في التاريخ القديم، أرادوا أن يصلحوا فأفسدوا، لأنهم تركوا قلوبهم مليئة بالحقد والحسد والجهل، وأرادوا أن ينهوا غيرهم عن المنكر، ونسوا أنفسهم فتركوها في العجب والكبر والعصبية واتباع الراية الْعِمِّيَة، وراحوا يقولون بغير علم ويدعون بغير حكمة، ففسدوا وأفسدوا، حتى وقعوا في طغيان الْحِرَابَة. 2 ـ محاسبة النفس ومراجعة الأعمال: شاء الله سبحانه، أن تكون محطات زمنية يومية كوقت صلاة الفجر، ووقت صلاة العصر، وأسبوعية كيوم الجمعة،وسنوية كيوم عيد الفطر وعيد الأضحى، لمراجعة رصيد العمل، وأين هو العبد مما هو عليه، ورد في الأثر [المؤمن كيس فطن] والله تعالى حذر من النسيان والغفلان، فقال:﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.والمعنى، ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تركوا ذكر الله ومراقبته وطاعته، تركوا محاسبة النفس، وأطلقوا لها العنان، لترتع في العصيان، فعاقبهم الله بأن أنساهم حقوق أنفسهم. قال أبو حيان: وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب، تركوا عبادة الله وامتثال أوامره، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظَّ أنفسهم. {أولئك هُمُ الفاسقون} أي أولئك هم الفجرة الخارجون عن طاعة الله. فقبل التنافس في صيام النوافل، وقيام التطوع، والصدقات التطوعية بقفة شعبان، ورمضان، والعيد، فالواجب قبل هذا أن يكون التنافس في الأخلاق الحسنة، والمعاملات الحسنة. وتذكروا هذا الحديث. عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:[اضْمَنُوا لِي سِتًّا أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ.] (صحيح ابن حبان:271) 3 ـ لشهر شعبان فضائل وعبر وعظات، ففيه نزلت فريضة صيام شهر رمضان، وفي النصف منه حُوِّلَتِ الْقبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. وفي شعبان كانت تتشعب فيه القبائل لجمع العطيات، ولتتعارف مع بعضها على ترك الحروب والغلاب، وجمع الرايات والأنساب. شعبان بقدر ما هو شهر صوم النافلة، بقدر ما هو شهر النفوس الغافلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ (به)، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ،وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ] (الترمذي:2417).