الحــــــــق بين الخبر والتحليل!

أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ في زمن ثورة وسائط التواصل ووسائل الإعلام، وكثرتها، وتنوعها، وانفلاتها، واختلاف ولاءاتها، وتصنيفها أحدَ أهمّ أدوات التأثير والتغيير، في هذا الزمن المليء بالتغرير والتزوير، صار لزاما على نُخبنا ومثقفينا وصانعي القرار بيننا وأصحاب التأثير فينا أن يولوا هذه الوسائل اهتماما كبيرا، وأن يركزوا على التخصصات اللازمة …

مارس 10, 2025 - 13:00
 0
الحــــــــق بين الخبر والتحليل!

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/

في زمن ثورة وسائط التواصل ووسائل الإعلام، وكثرتها، وتنوعها، وانفلاتها، واختلاف ولاءاتها، وتصنيفها أحدَ أهمّ أدوات التأثير والتغيير، في هذا الزمن المليء بالتغرير والتزوير، صار لزاما على نُخبنا ومثقفينا وصانعي القرار بيننا وأصحاب التأثير فينا أن يولوا هذه الوسائل اهتماما كبيرا، وأن يركزوا على التخصصات اللازمة فيها والخادمة لمجالاتها وميادينها، وأن يهتموا بهذا النوع من الفقه المعاصر الذي لا يقل أهمية عن ذخائر فقهنا الإسلامي الذي تزخر به مكتباتُنا العريقة، ويزدهي به تراثُنا العظيم، والذي أجاب – باستفاضة – عن أسئلة زمانه، وما زال يتابع نوازل عصرنا وتطوراته باجتهادات تواكب تقلبات الدهر ، وتجيب عن إشكالات العصر.

وإن من هذا الفقه اللازم في عصرنا: فقه التفريق بين الخبر والتحليل!!! وبين تصوير الواقع وتفسيره!!!
فالخبر والواقع يتطلب منا تثبُّتا وتحققا من الثبوت، مهما كان مصدره، وسبيل ذلك معروف عند العقلاء وأغلب البشر (التواتر، أو الثقة في الراوي، أو كثرة الشهود أو عدالتهم، أو الاحتفاء بالقرائن، أو نحو ذلك من وسائل إثبات صدق الأخبار وقبولها لتكون مصدرا يقينيا للمعرفة، أو بغلبة ظن تنبني عليه الأحكام عند العقلاء و…).
أما تحليل الخبر وتفسيره فهو أمر اجتهادي يختلف من شخص إلى شخص، ويتأثر بفكر المحلِّل وفهمه، بل يتأثر بقصده وما يريد أن يوصله إلى غيره.
نُقرّر هذه الحقيقة المهمّة؛ لأننا رأينا من الماكرين بأمتنا، والكائدين لوطننا وثوابتنا، والمتلاعبين باستقرارنا وأمننا وإيماننا، رأيناهم يتفننون في المكر بنا، فتراهم:
– إما يزيِّفون الأحداث بتحريفها وتعمِية بعض جوانبها أو بتزويرها بطريقة أو بأخرى؛ لإيصالها محرَّفة للمتابع بغية تحقيق أهداف ماكرة وغايات خبيثة؛ وهذا أسهل عليهم وأقوى في تحقيق غاياتهم، وأكثر تأثيرا فيمن يستهدفونهم بمكرهم ومكائدهم.
– وإما بتحليل الأحداث التي لم يستطيعوا تزويرها أو تشويهها، بتحليلات منحرفة تهدف إلى إرسال الرسائل التي يريدون وصولها للمتابعين وترسيخها في عقولهم وتأثيرها في سلوكهم.
ولا ريب أن عدم التفريق بين الخبر والتحليل والربط بينهما بطريقة مخادعة يجعل الحق باطلا، والصواب خطأً، والمقبول مرفوضا، وبالعكس.
نقول هذا الكلام في الوقت الذي كثر فيه الخلط بين ما تفعله فرنسا الاستعمارية هذه الأيام من تصريحات وقرارات واستعدادات للمناورات، وغيرها من أخبار مثيرة ومستفزة، وبين ما يحلل به هذه الأخبار جمهورٌ من المحللين من تحليلات، بعضُها منصف عادل، يصفُ الصادق بصدقه، والظالمَ بوصفه، ويسمي المحسن بوسمه، والمجرم باسمه.
وبعضها منحرفٌ مائل، يقلب الحق باطلا، والصواب خطأ، والممكن مستحيلا.
ونقول هذا الكلام أيضا في الوقت الذي يشهد فيه العالم تآمرا عالميا وعربيا على إخواننا في غزة وفلسطين، وترتفع أصوات بعض من باع دينه بدنياه ودنيا غيره من بعضِ الساسةِ – حاشا الشرفاء – وأشباهِ العلماء – حاشا الأتقياء -، وبعضِ رجال الإعلام والمثقفين – حاشا الرجال الصادقين -، فنسمعهم يصدحون بتخوين الأمناء، وتأمين الخونة، وتكذيب الصادقين، وتصديق الكاذبين، تماما كما تنبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه سيكون من أشراط الساعة.
نعوذ بالله من فتن آخر الزمان، ونسأل الله أن يُحسن عاقبة الصادقين، وأن يُخزي الأعداء والمتخاذلين.