التَبِعَة (المسؤولية) بين الناقل والمحلّل!
أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ سمعنا، ونسمع، وسنظل نسمع كثيرا من التحليلات والتعليقات على الأحداث والتطورات وخصوصا التغيرات في المواقف والسياسات وما قد يتبعها من قرارات يكون لها أثرها الكبير والخطير على أمن البلدان واستقرارها، وعلى رقي الأقطار وازدهارها… _ ويمكن تقسيم هذه الأخبار وتحليلاتها إلى ثلاثة أقسام؛ 1 – القسم …

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/
سمعنا، ونسمع، وسنظل نسمع كثيرا من التحليلات والتعليقات على الأحداث والتطورات وخصوصا التغيرات في المواقف والسياسات وما قد يتبعها من قرارات يكون لها أثرها الكبير والخطير على أمن البلدان واستقرارها، وعلى رقي الأقطار وازدهارها…
_ ويمكن تقسيم هذه الأخبار وتحليلاتها إلى ثلاثة أقسام؛
1 – القسم الأول: أخبار كاذبة مخالفة للواقع؛
فهذه ينبغي للعقلاء أن يتعاملوا معها بالحذر والتحرّي والتحقق؛ {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}؛ فإن في نشر هذه الأخبار – لا محالة – مصلحةً للعدو الماكر، أو الغبي الساذج، أو غيرِهما ممن يختلقها أو يفتريها أو ينقلها دون تثبت ولا تبيّن ولا احتياط (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)
فإذا لم نتعامل مع هذه الأخبار بذلك كما أمر القرآن، فإننا سندفع ثمنا غاليا، وسنؤتى من حيث لا نحتسب، وسنندم على مخالفة منهج (إن كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل) الذي يقتضي التحقق من الأخبار قبل بناء الأحكام عليها، ومحاكمة الوقائع إليها.
{فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات : 06]
وهذه – أيضا – ينبغي الحذر من التحليلات التي تصاحبها – غالبا –؛ لأنها لا تخرج عن وصفي مصدرَيْها – المكر أو الغباء أو عدم التحرّي، وفي كل هذه الحالات – إن لم نحذر – سندفع ثمنا غاليا من عزتنا وأمننا، وإيماننا.
2 – القسم الثاني: أخبار صحيحة؛ فهذه ينبغي – بعد تأكدنا من صحتها – أن نحذر من تحليلات المحللين لها؛ وذلك بالتفريق بين الخبر والتحليل – أولا -، وبالتحري والتحقق من ولاء المحلل للأمة أو ضدها – ثانيا – وبالتحقق – ثالثا – من علم المحلل وصفاء سريرته بما يظهره الله لنا من علانيته؛
فإننا لطالما سمعنا من يستغل الخبر الصحيح ليوجّهه إلى مسار غير صحيح، لعلمه بعدم تفريق العوام بين الخبر والتحليل،
ولطالما سمعنا من يغالط ويصادر ويتلاعب بالكلام لاستغباء البسطاء وجماهير من المثقفين ليضلهم عن سواء السبيل، ويجعلهم يتجهون نحو حتفهم بلا دليل؛ لانحراف نيّته وفساد سريرته، ولطالما سمعنا من يضل الناس بسبب جهله المركب، وهو يظن أنه يحسن صنعا. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[الأنعام:144]
3 – القسم الثالث: أخبار مخلوطٌ كذبها بصدقها، وتحليلات جامعة بين الغث والسمين؛ فهذه ينبغي علينا أن نحسن التمييز بين الأمرين فيهما، ونجري عليهما الأحكام والتوجيهات المذكورة عن كل صنف منهما
وقد يصعب على عوام الناس وعلى بعض خواصهم هذا التمييز؛ فلا مناص – حينئذ – من ثلاثة أمور؛
_ الأول: كثرة الدعاء وصدق اللجوء إلى الله ليتكرم بفضله بالهداية للصواب والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، فإنه « يهدي من يشاء ويضل من يشاء»، ومعلوم أنه لا يزهد في الدعاء إلا الجهال والأغبياء ومن لا يقدرون ربهم حق قدره. وإنه (لا يهلك مع الدعاء أحد)
_ والثاني: التعمق في العلوم الهادية، والمعارف النافعة، التي تخرج الإنسان من دائرة الجهل المردي، والتي تدخل الإنسان – بعد توفيق الله – في دائرة المستبصرين المهتدين؛ فالعلم نور، والجهل ظلام.
{…قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ{*} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ…}[المائدة: 15 – 16]
_ والثالث: استشارة الخبراء والعقلاء والعلماء؛ والبعد عن لغو اللاغين وتحليلات الفارغين، وليتحاور مع الواعين والمثقفين والمهتمين، لينتفع منهم ويستفيد، ولينصح الصغار والعوام لينتفعوا به ويفيد؛ فإنه (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) كما أنه ليس هناك «أحسن قولا ممن دعا إلى الله» فدعا إلى الحق والصواب، «وعمل صالحا» فصاحب القولُ العملَ «وقال إنني من المسلمين» فاعتزّ بدينه وأعلن ولاءه لله ولرسوله وللمؤمنين، غير خائف ولا متحرّج ولا مستخفٍ.
أقول هذا الكلام الذي أوحت به ظروفنا التي نمر به في عالمنا الإسلامي الواسع عامةً، وفي فلسطين وسوريا خاصةً، وفي بلادنا الجزائر خاصة، وأوحى به – أيضا – ما نراه من انتشار خطير للأخبار الكاذبة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل، مما يستدعي حذرا وتثبّتا وتحريا، كما أوحى به – كذلك – ما نسمعه من تحليلات كثيرة تقلب الحقائق وتجعل الحق باطلا والباطل حقا، وتخوِّن الأمين، وتؤمِّن الخائن، مما يستدعي – أيضا – تريثا وتبيّنا وتثبّتا ورجوعا إلى ثقات أمتنا وقادة الفكر بيننا وأصحاب الخبرة والدراية منّا؛ لعلنا بذلك نسلم من الأخطاء القاتلة في مسارنا، ونُعصم من المواقف المخزية لنا ولأمتنا، وتحسن بذلك عواقبنا.
نرجو ذلك؛ والأمل في الله كبير، وهو اللطيف الخبير.