العلامة ساعد حب الدين الباتني
لا تزال بلادنا بخير، بلها سلف نبيل، سلف حمل راية التعليم وتحرير الفكر والعقل والأرض، ولا تزال الأوراس شامخة بتاريخها الزاخر بالعلماء، وحُق لها أن تزهو في البلدان شامخة بعلمائها العظماء، الذين زينوا تاريخها كحبات اللؤلؤ، ومن هؤلاء العلماء المناضلين الكبار، العلامة ساعد بن محمد الطيب حب الدين الأوراسي، فشكرا للصديق حمزة دعه على توجيه …

لا تزال بلادنا بخير، بلها سلف نبيل، سلف حمل راية التعليم وتحرير الفكر والعقل والأرض، ولا تزال الأوراس شامخة بتاريخها الزاخر بالعلماء، وحُق لها أن تزهو في البلدان شامخة بعلمائها العظماء، الذين زينوا تاريخها كحبات اللؤلؤ، ومن هؤلاء العلماء المناضلين الكبار، العلامة ساعد بن محمد الطيب حب الدين الأوراسي، فشكرا للصديق حمزة دعه على توجيه النظر لاكتشاف هاته الشخصية العالمة.
الميلاد والنشأة:
هو العالم الجليل الشيخ ساعد ابن محمد الطيب حب الدين، وابن نونة بنت محمد بن عربية، هو ثالث ثلاثة إخوة ذكور، فله أخوان شقيقان: بلقاسم والطاهر، وهما حافظان لكتاب الله تعالى، توفيا رحمهما الله في الحرب العالمية الثانية بعد أن أخذهما الاستعمار للتجنيد الاجباري، وأخت واحدة، أقول: ولد شيخنا العلامة بمنطقة وادي عبدي سنة 1898 وهو من عائلة فلاحية متوسطة لكنها ذات ثقافة دينية حيث كان أبوه معلما للقرآن الكريم والشريعة في قرية حيدوس ومدرونة وناسخ لكتب الشريعة والمصاحف.
مسيرة العلم ونضال المعرفة:
بدأ شيخنا مسيرة تعلم القرآن الكريم وحفظه، فى الزاوية الرحمانية الدر دورية في قرية حيدوس (مسجد لقصر) و مدرونة، عند أبيه والشيوخ الذين يدرسون آنذاك فيها، حيث درس مختلف العلوم بعد أن أتم حفظ كتاب الله تعالى، كالنحو وعلم الكلام والفرائض والمنطق وغيره، ثم جند إجباريا في الحرب العالمية الأولى لفترة قصيرة لكن أطلق سراحه، وعاد مرة أخرى بشوق لمدراسة العلم والتعلم والدرس الزوايا الرحمانية ومنها: (خنقة سيدي ناجي وطولقة وزاوية تبرماسين) لفترة قصيرة، لكنه عاد مجبرا إلى أبويه المتأثرين بوفاة ابنيهما الذين دفنا خارج وطنهما وباعتباره الابن الوحيد من الذكور الباقي على قيد الحياة، بمعية أخته الوحيدة حفصية، واستقر للتعليم ونفع الناس، فانتظم معلما في الزوايا الدردورية المذكورة بمعية أبيه.
سافر شيخنا العلامة إلى فرنسا في سنة 1927م، وانتقل منها لتونس التى بقى فيها سنة يتزود منها بالعلوم الحديثة ثم عاد إلى عمله فى زاوية مدرونة، فى أفريل سنة 1930م عاد إلى فرنسا ومكث هناك 7 أشهر ثم انتقل منهت إلى مدينة فاس بالمغرب معلما هناك وفى سنة 1931م عاد مرة أخرى لمسقط رأسه إلى وادى عبدى معلما بمسجد لقصر، ثم انتقل إلى قسنطينة للاستزادة من العلم عند العلامة الشيخ الإمام عبد الحميد ابن باديس في قسنطينة و قد علم في كل من قرية و حيدوس ومدرونة وتازولت وأولاد سي امعنصر ومشت لقرين – دوار أولاد عمر بن فاضل حوز عين لقصر حيث تخرج على يده حفاظ وعلماء كثيرون في الزوايا والمدارس المذكورة التحق اغلبهم بالثورة التحريرية واستشهد الكثير منهم رحمهم الله ,ومن بين من تتلمذ عليه الشيخ المجاهد محمد الهاشمي دردور المعروف بنضاله وتضحياته .
النضال العلمي ومسيرة الكفاح ضد المستعمر:
بدأ نشاطه السياسي من سنة 1936م مع الأستاذ عبد الحميد ابن باديس، حيث كان يعمل مع زميله الشيخ عمر دردور رحمه الله المشرف على شعب جمعية العلماء المسلمين ككاتب للشعبة بالأوراس والنادي الحيدوسي وكان ينشط لصالح الجمعية فى الزوايا والمساجد كما كان يسافر خارج الوطن كتونس وفرنسا لغرض جمع الأموال والتوعية لصالح الجمعية(خلال سنتى 1939م-1940م.
تم نفيه إلى تازولت بعد بيعه لجميع أملاكه حيث أصبح إماما ومعلما هناك فى تازولت صباحا وفى المساء يعلم في مدينة باتنة مع زميله العلامة الشيخ عمر دردور وكان على اتصال دائم بالمشايخ الأفاضل: المسعود بلعقون و شيخى وحفيظى عبد المجيد بخنشلة ومسعودان وسعد السعود وعبد الصمد وعباس و السعيد الدراجى و بلقاسم بن محمد هلالى إلى أخره من العلماء آنذاك في كل من اريس ووادى عبدى ودوار أولاد فاضل وأولاد عمر بن فاضل واشمرا وغيرها .
كما حضر الشيخ العلامة سعد حب الدين باعتباره من بين العناصر الأساسية بمنطقة الاوراس في اجتماع لقرين التاريخي في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 1954 م في زاوية دار المجاهد المرحوم بن مسعودة عبد الله والتي يدرس فيها آنذاك والذي ترأسه البطل مصطفى بن بولعيد وحضرته العناصر الأساسية بمنطقة الاوراس وهم:-(مصطفى بن بولعيد رئيسا-شيهانى بشير-عباس لغرور-عاجل عجول-الطاهر نويشى-عبد الله بن مسعودة- سعد حب الدين .شبشوب الصادق -قرين بلقاسم –مصطفى بوستة-المسعود بلعقون-مرداسي بلقلسم-بن شائبة فرحات –موسى حاجي –محمد خنطر-وغيرهم …) حيث تم في ذلك الاجتماع تعيين رؤساء الجيش والجيش والإعلان عن تاريخ تفجير الثورة واستنساخ بيان أول نوفمبر، وبالتوازي مع المجتمعين في الدار المذكورة هناك أكثر من مائتي مناضل من دوار أولاد عمر بن فاضل وأولاد فاضل والشمرة والأوراس المصاحبين لرؤساء قسماتهم في هذا الاجتماع مجتمعون خارج الزاوية المذكورة يجمعون الحبوب والاشتراكات تهيئة للثورة. وهذا مدون في أرشيف المجاهد سعد حب الدين، والمكتوب بخط يده بعد الاستقلال مباشرة فى 25-08-1962م، والذي يوضح فيه أهمية هذا الاجتماع وحضوره فيه كعنصر أساسي وتفاصيله ومن بينها تعيين الجيش ورؤساء الجيش وكذا الليلة التي تشعل فيها النيران.
وبعد انطلاق الثورة التحريرية ونظرا لدوره الكبير لإقناع المناضلين على العمل المسلح والمساعدة على إنجاح الثورة وشى به ورفعه البوليس السري إلى باتنة في ديسمبر 1954م وتلقى شتى أنواع التعذيب وأطلق سراحه من طرف قاضى محكمة باتنة بعد شهر نتيجة للتدخل السريع من طرف مجاهدي المنطقة وعلى رأسهم المجاهدان بلقاسم مرداسى وعبد الله بن مسعودة رحمهما الله.
وعاد إلى خدمته كالعادة وبعد مدة قصيرة اعتقل سعد حب الدين مرة أخرى ووضع مكبلا فوق سيارة (جيب) وعرض في أولاد سي امعنصر والشمرة كما اعتقل أيضا من مشت لقرين المجاهد بولسنان عبد الله رحمه الله ونقلا الى المنفى الجورف ثم الى سان لوى حوز وهران حيث، حيث مكث سعد حب الدين هناك 18شهر، وأطلق سراحه ووجد عائلته تم ترحيلها من طرف المجاهدين إلى وادي عبدي بالأوراس وعين من طرف النظام إماما ومناضلا ورئيس اللجنة بقرية ثلاث ثم وشي به وفر إلى الجيش جنديا ويعمل في القضاء.
ألقي عليه القبض مرة أخرى ورفع إلى سجن أريس وبقي هناك 14 شهرا تحت التعذيب، ثم نقل إلى الجرف ومكث فيه 04 أشهر وكان يعلم المساجين ويعطي لهم الشجاعة ويقول لهم أن الجزائر ستستقل لا محالة طال الزمن أم قصر واستقلت الجزائر وهو معطوب بسبب الصمم الذي لحق به في سجون العدو وفقير لا دارا ولا أرضا ولا حيوانا وعاجز عن العمل.
ثم عين إماما بقرية ثنية العابد مع كبر سنه والصمم الذي أصابه من جراء التعذيب في سجون ومعتقلات المستعمر الفرنسي فاشتغل بالفتوى وإصلاح ذات البين والتدريس للكبار ثم عين إماما بقرية حيدوس أعالي الأوراس.
وفاته رحمه الله تعالى:
وتوفى رحمه الله في مستشفى باتنة في 16-12-1970م ودفن بجوار مسجد لقصر الزاوية الرحمانية الدردورية التي بدأ التعلم والتعليم فيها وصلى عليه زميله المجاهد العلامة الشيخ عمر دردور رحمه الله وألقى خطبة التأبين بحضور أهالى القرية وكثير من تلامذته ورفقاء النضال.
ترك شيخنا العلامة ساعد أكثر من100 مخطوط من مؤلفات ومنسوخات وفتاوى ورسائل في مختلف العلوم وخطب قيمة كتبت بخط يده أغلبها كتب قبل 1954م نتعرف من خلالها على غزارة علمه وإلمامه بجميع المذاهب الفقهية و نضاله وتضحياته في جميع مراحل حياته من أجل الحرية والاستقلال، كما تحتوى مكتبته على المصحف الشريف الذي تم به استحلاف المجتمعين في اجتماع لقرين التاريخي في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 54 م من طرف الشهيد مصطفى بن بولعيد رحمه الله وهو مصحف منسوخ من طرف أبيه الشيخ محمد الطيب رحمه الله قبل أكثر من ثمانين عاما.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.