القضاء الجزائري يسفه التهديدات الفرنسية ويدين العميل بوعلام صنصال

أ. عبد الحميد عبدوس/ يبدو أن السلطات الفرنسية قد تأكدت أخيرا، أن هستيريا الابتزاز السياسي، والضغط الدبلوماسي، والصخب الإعلامي، من طرف مؤسسات دولة المحتل الفرنسي السابق، بخصوص محاكمة العميل الجاسوس بوعلام صنصال، لم يجد نفعا مع الجزائر. لقد تبين للجميع، بعد صدور حكم محكمة الاستئناف المؤيد للحكم الابتدائي، أن مصير المجرم بوعلام صنصال، أصبح ضمن …

يوليو 7, 2025 - 13:44
 0
القضاء  الجزائري يسفه التهديدات الفرنسية ويدين العميل بوعلام صنصال

أ. عبد الحميد عبدوس/

يبدو أن السلطات الفرنسية قد تأكدت أخيرا، أن هستيريا الابتزاز السياسي، والضغط الدبلوماسي، والصخب الإعلامي، من طرف مؤسسات دولة المحتل الفرنسي السابق، بخصوص محاكمة العميل الجاسوس بوعلام صنصال، لم يجد نفعا مع الجزائر. لقد تبين للجميع، بعد صدور حكم محكمة الاستئناف المؤيد للحكم الابتدائي، أن مصير المجرم بوعلام صنصال، أصبح ضمن اختصاصات القضاء الجزائري، ورهين عفو رئاسي جزائري، إن حدث، أو صدور حكم جديد في حقه من طرف المحكمة العليا الجزائرية التي يحق له تقديم طعن قضائي أمامها. نص العفو الرئاسي الصادر يوم الجمعة 4 جويليه الجاري، استبعد العفو عن العميل بوعلام صنصال بسبب إدانته بجنحة المساس بوحدة الوطن، وكان القرار الرئاسي مخالفا لتكهنات إعلامية بأن صدور الحكم على بوعلام صنصال والمؤرخ الدكتور محمد الأمن بلغيث قد تم من أجل تمكين الرئيس من استخدام حقه في العفو على المحكوم عليهم بأحكام سجن نهائية، وكانت شائعات فرنسية قد روجت لهذا الخيار. كان مجلس قضاء الجزائر، قد أصدر يوم الثلاثاء الماضي، الفاتح جويليه 2025، حكما حضوريا بإدانة الكاتب الفرانكو ـ جزائري بوعلام صنصال بخمس سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار جزائري، ومصادرة المحجوزات التي كانت معه من فيديوهات ومنشورات تهدّد الأمن والاستقرار الوطني، وهذا الحكم يؤكد فحوى الحكم السابق الذي أصدرته محكمة الدار البيضاء بالعاصمة، يوم 27 مارس الماضي، بعد المحاكمة الابتدائية. النيابة العامة كانت قد طالبت خلال المحاكمة التي جرت في 20 مارس الماضي بالسجن 10 سنوات وغرامة مليون دينار. وخلال تلك المحاكمة، تمسّك المتهم بوعلام صنصال بموقفه الرافض لتولي محامٍ للدفاع عنه، وأبلغ القاضي أنه يريد أن يتولى الدفاع عن نفسه.
الجدير بالذكر، أنه شتان بين رد الفعل الفرنسي عن الحكم القضائي الأول في مارس الماضي،على المتهم بوعلام صنصال، وبين الحكم الثاني الصادر عن محكمة الاستئناف، في بداية شهر جويليه الجاري.رغم أن الحكم الابتدائي الصادر في27 مارس الماضي، في حق صنصال، كان يبدو مخففا بالنظر إلى خطورة التهم المتابع بها المتهم بوعلام صنصال، وهي تهم تتعلق بـ «جنحة المساس بوحدة الوطن، إهانة هيئة نظامية، والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني»، إلا أن رد فعل المسؤولين الفرنسيين الحاليين والسابقين، وزعماء أحزاب اليمين واليمين المتطرف وطيف واسع من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء السياسيين، ورؤساء بلديات تابعة لتيار اليمين، على حكم القضاء الجزائري، كانت ساخطة ومستفزة ومهددة للجزائر، وتراوحت بين التلويح بالعقوبات وتوجيه الإنذارات وتحديد مهل للجزائر للاستجابة للمطلب الفرنسي «بالإفراج الفوري وغير المشروط عن بوعلام صنصال». قبل المحاكمة، أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» لعميلها الجاسوس بوعلام صنصال المسجون في الجزائر، وقال وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو: « إن بوعلام صنصال عزيز عليه شخصيا، وأن على فرنسا حمايته»، كما دعا، كزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق في الجزائر إلى: «إعادة ضبط العلاقات الفرنسية الجزائرية».
بعد الحكم على العميل الجاسوس، بوعلام صنصال، اعتمدت الجمعية الوطنية الفرنسية، لائحة برلمانية تطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، مع دعوة الهيئات الأوروبية إلى عدم التفاوض مع الجزائر على تعديل اتفاق الشراكة إلا باستعادة الكاتب لحريته، وجعل الإفراج عنه شرطاً مسبقاً لأي تفاهمات جديدة.المحامي اليهودي الفرنسي، فرانسوا زيمراي، الذي نصب نفسه محاميا للمتهم بوعلام صنصال، أعلن أنه: «سيحيل القضية إلى هيئة الأمم المتحدة». وقالت لجنة مساندة صنصال: «من الواضح أن إستراتيجية الحوار الهادئ والأساليب الناعمة لم تسفر حتى الآن عن أية نتائج ملموسة». أما رئيس الوزراء السابق، غابرييل أتال، رئيس حزب «النهضة» الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فقد ندد بالحكم الصادر ضد صنصال واعتبره «مهزلة قضائية»، ووصف، جاك لانغ، مدير معهد العالم العربي بباريس، ووزير الثقافة الأسبق، الحكم القضائي على صنصال بأنه. «أمر لا يُصدّق، وظلم فادح ضد كاتب كبير يعاني من وضع صحي هشّ للغاية»، وكتبت زعيمة «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، مارين لوبان: «سيظل الحكم على، بوعلام صنصال، وصمة لا تمحى على النظام الجزائري»، كما كتب، لوران فوكييه، زعيم نواب حزب اليمين «الجمهوريون»، الذي يرأسه برونو روتايو: «إدانة (صنصال) غير عادلة من نظام يكره الحرية»، أما دافيد ليسنار، عمدة مدينة «كان»الفرنسية، فقد أطلق حملة لدعم لبوعلام صنصال، ودعا البلديات الفرنسية للمشاركة فيها، مؤكدا أن الحملة «ستكون بالتعاون مع لجنة دعم الكاتب بوعلام صنصال بهدف مواصلة الضغط والمطالبة بالإفراج عن الكاتب المسجون في الجزائر».
لكن كل هذه الاستفزازات الفرنسية المرفوقة بأعاصير التجريح وعواصف الحقد وسيول العنصرية، لم تفلح في زعزعة مسؤولي بلد المليون شهيد قيد أنملة عن موقفهم الرافض للتدخل الفرنسي في القضاء الجزائري في قضية بوعلام صنصال الذي تم إيقافه ومحاكمته طبقا لأحكام القانون الجزائري.
بعد صدور حكم محكمة الاستئناف في الفاتح جويليه الجاري، المؤيد للحكم الابتدائي، يبدو أن السلطات الفرنسية لجأت بعد فشل نهجها السابق في التعامل مع الجزائر، إلى لغة المهادنة والتهدئة، ودعت وزارة الخارجية الفرنسية، إلى “إبداء الرأفة وإيجاد حل سريع وإنساني وكريم لوضع مواطننا (بوعلام صنصال)، مع مراعاة صحته واعتباراته الإنسانية». وعلق رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، أمله على عفو الرئيس عبد المجيد تبون، عن المحبوس بوعلام صنصال، قائلا: «يمكننا أن نتصور صدور عفو عنه لا سيما بالنظر إلى صحة مواطننا» وقال وزير الداخلية، برونو روتايو، يوم الثلاثاء الماضي (الفاتح جويليه 2025،) أنه: “لا يريد إضاعة أي فرصة، من الآن وحتى نهاية الأسبوع، لإطلاق سراحه”. لعل أحسن تعبير عن موقف فرنسا بعد استنفاذ ذخيرة التهديد والوعيد، هو ما قاله أحد وجوه اليمين المتطرف الفرنسي القبيح، قال بخصوص قضية صنصال: «الأسلحة الوحيدة التي نملكها اليوم في فرنسا تجاه الجزائر هي الاستعطاف والرجاء والركوع». المجرم بوعلام صنصال، المعروف بمواقفه المتنطعة والمتهورة والمدنسة،حيث سبق له أن شبه مجاهدي ثورة التحرير الأبطال، الذين يعترف العالم لهم بأنهم كانوا فرسان الحرية والكرامة الإنسانية، بالإرهابيين المجرمين،كما ربط الثورة الجزائرية المجيدة بالإيديولوجية النازية القاتلة، تبنى بعد صدور الحكم الثاني عليه ، موقفا حذرا وخاضعا لحكم القضاء الجزائري، وامتنع إلى حد اليوم (الجمعة 4 جويليه الجاري) عن تقديم طعن في الحكم أمام المحكمة العليا المخولة بنقض الحكم، رجاء ـ على ما يبدو ـ في الحصول على العفو الرئاسي،الذي يتعذر إصداره في حالة عدم صدور حكم قضائي نهائي. المهم في الأمر أنه سواء صدر العفو الرئاسي عن المجرم بوعلام صنصال، أو لم يصد، فإن سيادة القرار الجزائري لم تصبح محل شك في هذه القضية التي أسالت الكثير من الحبر، ودفعت العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى حافة القطيعة.