المجالس المحلية في تونس: تنمية مُكبّلة ومجالس بلا أنياب
محمد الحاج يوسف * رغم ما تُمثّله المجالس المحلية من أداة ديمقراطية ناشئة تهدف إلى ترسيخ اللامركزية وتحقيق التنمية القاعدية، إلا أن الواقع التونسي يكشف عن مجالس محلية تعاني من شلل هيكلي ووظيفي، لتبقى التنمية في أغلبها حبراً على ورق، حبيسة الرفوف، بعيدة عن تطلعات المواطنات والمواطنين تبعية للمركز ودور استشاري بلا سلطة من أبرز …

محمد الحاج يوسف *
رغم ما تُمثّله المجالس المحلية من أداة ديمقراطية ناشئة تهدف إلى ترسيخ اللامركزية وتحقيق التنمية القاعدية، إلا أن الواقع التونسي يكشف عن مجالس محلية تعاني من شلل هيكلي ووظيفي، لتبقى التنمية في أغلبها حبراً على ورق، حبيسة الرفوف، بعيدة عن تطلعات المواطنات والمواطنين
تبعية للمركز ودور استشاري بلا سلطة
من أبرز الإشكاليات التي تعترض المجالس المحلية، غياب الدور التقريري الحقيقي. فهذه الهياكل المنتخبة، والتي كان يُفترض أن تكون صوت الجهات والمحرّك الأساسي لعجلة التنمية، لم تُمنح سوى صلاحيات استشارية في كثير من الملفات، ما أبقى القرار بيد السلطة المركزية في العاصمة. وتكريس هذا النمط المركزي يتناقض جوهريًا مع مبدأ النظام القاعدي الذي جاء من أجله مسار 25 جويلية
ضعف في الإمكانيات وغياب ميزانية مستقلة
رغم الآمال التي علّقها المواطنون على المجالس المحلية، فإن هذه الأخيرة وُضعت في مواجهة تحديات ضخمة دون توفير الحد الأدنى من الإمكانيات. فعديد المجالس تفتقر إلى أبسط وسائل العمل: مقرات مهترئة، معدات غير متوفرة، وانعدام ميزانية مستقلة خاصة بها، وهو ما يُفرغ مهامها من مضمونها، ويجعلها تابعة إداريًا وماليًا لسلطات أخرى لا تشاركها الأولويات المحلية
أزمة تكوين وقيادات محلية مرتجلة
من الإشكاليات البنيوية الأخرى ضعف تكوين أعضاء المجالس المحلية. فغياب التأهيل الضروري في مجالات التصرف المالي، والتخطيط، والتواصل المؤسساتي جعل من العمل المحلي ميدانًا للتجربة العشوائية أكثر منه مجالًا لسياسات مدروسة. وزاد الأمر تعقيدًا افتقاد بعض المجالس لقيادات محلية قوية تمتلك رؤية تنموية وقدرة على إدارة الاختلاف
صراعات داخلية تُعيق الأداء
وتزيد الصراعات الفئويّة والتجاذبات الشخصية داخل المجالس من عمق الأزمة، حيث تنقلب الكثير من المجالس إلى ساحات نزاع بدل أن تكون فضاءً لصنع القرار التشاركي. هذه الخلافات تُشتّت الجهود وتُفشل المشاريع وتُربك العلاقة مع المواطن، فينعكس ذلك سلبًا على الثقة الشعبية في جدوى هذه الهياكل
تنمية على الورق.. واقع غائب
أمام هذه العراقيل، تبقى التنمية المنشودة مجرّد مشاريع مُعلّقة على الورق، تُعدّ في شكل مخططات جميلة ووعود رنّانة، لكنّها تصطدم بجدار الواقع المرير: مجالس بلا وسائل، بلا صلاحيات، وبلا أفق واضح وتصبح المجالس المحلية بذلك أقرب إلى ديكور مؤسساتي يُستحضر فقط في المناسبات واللقاءات الرسمية
من أجل تصحيح المسار
إن إعادة الاعتبار للمجالس المحلية تقتضي إصلاحًا جذريًا يشمل تمكين هذه الهياكل من صلاحيات تقريرية فعليّة، وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة، وتأهيل الأعضاء من خلال برامج تكوين دوريّة، ومراجعة الإطار القانوني لضمان استقلالية القرار المحلي. كما يستوجب الوضع القطع مع مبدأ المحاصصة الضيقة وتكريس مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسيير الشأن المحلي
فمن دون مجالس قوية وفاعلة، ستبقى اللامركزية شعارًا جميلًا بلا مضمون، وتبقى التنمية حلمًا مؤجلًا في انتظار من يُطلق سراحها من قبضة البيروقراطية المركزية والعجز الهيكلي للمجالس.
* نائب مجلس محلي منتخب في تونس