ايدابير أحمد:المخزن وراء محاولة استهداف العلاقات بين الجزائر ومالي
نبه الخبير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية ايدابير أحمد من وجود “قوى خفية” تسعى إلى التصعيد وقطع العلاقات بين الجزائر ودول الساحل على رأسها مالي، وقال بلغة صريحة وواضحة إنه “لا يخفى على أحد أن الجزائر مستهدفة من قبل بعض قوى الشر في المنطقة وهو ما يسعى إليه نظام المخزن بصفة خاصة نيابة عن قوى دولية […] The post ايدابير أحمد:المخزن وراء محاولة استهداف العلاقات بين الجزائر ومالي appeared first on الجزائر الجديدة.

نبه الخبير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية ايدابير أحمد من وجود “قوى خفية” تسعى إلى التصعيد وقطع العلاقات بين الجزائر ودول الساحل على رأسها مالي، وقال بلغة صريحة وواضحة إنه “لا يخفى على أحد أن الجزائر مستهدفة من قبل بعض قوى الشر في المنطقة وهو ما يسعى إليه نظام المخزن بصفة خاصة نيابة عن قوى دولية كالامارات والكيان الصهيوني”.
من يقف وراء هندسة الأزمات في منطقة الساحل؟
قبل الإجابة عن هذه السؤال، يجب استعراض مجموعة من الأحداث المهمة التي وقعت منذ الانقلاب العسكري الأخير في مالي، أولها انسحاب القوات الفرنسية من مالي على خلفية توتر علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم في باماكو حيث غادرت اخر كتيبه من قوه بارخان الفرنسية الاراضي المالية في أوت 2022.
ثانيا: تبني مجلس الامن الدولي قرار رقم 2690 والذي أنهي بموجبه مهام بعثه حفظ السلام الأممية في مالي والمعروفة اختصارا باسم “مينوسما” والتي بدأت بالانسحاب منذ جوان 2023 إلى نهاية ديسمبر 2023، وكان هذا بطلب من المجلس العسكري في مالي الذي اتهم فرنسا مباشرة بدعمها الجماعات الإرهابية وفشلها في القضاء عليها كما أعلن منذ 2020 فشل البعثة الأممية منددا باستغلال قضية حقوق الانسان.
ثالثا: بعد خروج القوات الفرنسية والأممية من مالي والذي سبقه في عام 2021 نية السلطات الانتقالية في البحث عن شركاء جدد لتعزيز الامن في البلاد ومنذ سبتمبر 2021 بدأت تظهر تقارير أمنية تفيد بأن الحكومة المالية كانت في مفاوضات مع مرتزقه “فاغنر” الروسية وتوظيفها في تعزيز قدراتها الامنية، حيث تم تأكيد وصول حوالي 500 من عناصر “فاغنر” الى باماكو وهو الخبر الذي نفته رسميا السلطات الانتقالية، وزعمت أن الوجود الروسي في مالي يقتصر على مدربين عسكريين في إطار تعاون ثنائي مع روسيا.
وبعدما تم للسلطات الانتقالية ما كانت تخطط له من ابعاد للقوات الفرنسية والاممية، وجلب لمرتزقه “فاغنر”، بذريعة مكافحة الارهاب، وجهت مالي انظارها مباشره الى اقليم ازواد، وذلك بعد تلقيها ضربات من جماعة نصرة الاسلام التابعة لجماعه لأنصار الاسلام والمسلمين بقياده الارهابي طلحة أبوهند الذي كان ينشط في المنطقة الواقعة ما بين جنوب مالي و منطقه ازواد، الأمر الذي فسرته السلطات الانتقالية بأنه تحالف بين الحركات الازوادية والجماعات الإرهابية، لتجد ذريعة للتنصل من بعض بنود اتفاق الجزائر حيث قامت القوات العسكرية في مالي رفقه مرتزقه “فاغنر” بنقض بنود من اتفاق الجزائر التي تمنع القوات العسكرية المالية من الدخول للمناطق الازوادية، فقامت بالهجوم على منطقة “بير اين” أين كانت ترابط كتائب تابعة لتنسيقية الحركات الازوادية بقياده القيادي آنذاك حسين غولام في منطقه بئر بالقرب من مدينه تمبكتو، واتخذت السلطات المالية وجود جماعه نصرة الاسلام بقياده طلحة أبوهند في نفس المنطقة سببا للهجوم عليها، الأمر الذي تم تفسيره من جانب الحركات الازوادية بانه تعد صارخ على اتفاق السلام، وهو ما دفعها إلى الهجوم على القوات المالية مرفوقة بمرتزقة “فاغنر” العسكرية.
هذا الأمر جعل السلطات الانتقالية تصنف الحركات الازوادية بانها جماعة ارهابية وتقديمها للرأي العام العالمي والمحلي بهذا الوصف، وفي هذا الظرف من اختلال توازن القوى بين الطرفين، استغلت القوات العسكرية المالية تفوقها العسكري باستخدام الطائرات المسيرة مرفوقة بمرتزقة “فاغنر” الأمر، ظنا منها أنها قادرة على القضاء على الحركات الازوادية نهائيا وهو الأمر الذي جعلها تفكر بأنها لم تعد بحاجة الى قيود اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، وفي هذا السياق أعلنت مالي في نهاية جوان سنة 2024 عبر بيان بثه التلفزيون الحكومي عن إنهاء الاتفاق السلام الذي ترعاه الجزائر مبررة ذلك بتغيير موقف الجماعات الموقعة عليه فضلا عن اتهامها للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، بسبب استدعاء الجزائر لشخصيات ازوادية ومالية على غرار الشيخ محمود ديكو، بينما يشن الجيش المالي حربا على منطقه ازواد المتمردة والحركات الارهابية فيه، وهو ما اعتبرته السلطات الانتقالية المالية تصرفات غير ودية، وبناء على ذلك قامت بجملة من الهجمات العسكرية على مُدن أزوادية وتمكنت أيضا من استرجاع مدينة كيدال معقل حركات الازوادية، الذي اعتبرته انتصارا تاريخيا كانت تنتظره من زمان، لكن الامر لم يدم طويلا ففي صيف 2024 تعرض فيلق “فاغنر” الى هزيمة نكراء على يد الحركات الازوادية بمنطقه “اشبرش” بضواحي منطقة “تين زواتين” من جهة المنطقة الازوادية، والتي كلفتها خسائر مادية وبشرية بعد ثلاث ايام من القتال الى جانب الجيش المالي.
هذا الفشل الذريع لم تستسغه السلطات الانتقالية في مالي التي انسحبت من اتفاق السلام، ويعتبر أول ضريبة تدفعها السلطات الانتقالية جراء قرارها بإنهاء مسار السلام، وخوفا من فقدان ثقة الشعب المالي في سياسات السلطات الانتقالية عادت من جديد لاتهام الجزائر بالوقوف وراء العملية واتهامها مجددا بدعم الجماعات الارهابية وإيوائهم، لتبرير فشلها للرأي العام الداخلي والرأي العام العالمي، ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن القوات المالية من انجاز أي تقدم يذكر، فعادت مجددا لاستفزاز الجزائر وتحميلها مسؤولية فشلها، عندما قامت في ليلة الفاتح من أفريل 2025 بإرسال طائره بدون طيار تركية الصنع، واختراقها للحدود الجزائرية في منطقة تين زواتين حيث قامت القوات الجزائرية للدفاع عن الإقليم، بإسقاطها فور دخولها الحدود الجزائرية اين عادت السلطات الانتقالية من جديد إلى اتهام الجزائر بتقويض مساعيها للقضاء على الجماعات الارهابية وهذا بعد تصريحها قبل ما يقارب خمسة أيام بأن الطائرة قد سقطت نتيجة لخلل تقني.
لماذا ساءت العلاقات الجزائرية المالية إلى هذا الحد؟
يبقى المشكل الاساسي بين بماكو والجزائر هو رؤية كل طرف للقضية الازوادية، فمالي منذ خروج القوات الفرنسية والاممية منها، واعتمادها على مرتزقة “فاغنر” وارتمائها في أحضان روسيا الى جانب بوركينافاسو و النيجر، مع تزويدها بمجموعة طائرات درون مسيرة ضعيفة، انتابها شعور العظمة الذي جعلها تقعُ في هذه الاخطاء الجيواستراتيجية، حتى خيل إليها أنها تستطيع القضاء على الحركات الازوادية واقتلاعها من جذورها واتهامها بالإرهاب، في ظل اختلال ميزان القوى بينها وبين الحركات الازوادية فأصبحت ترى انها لم تعد بحاجة إلى أي اتفاقيات سلام معها في ظل هذا الظرف الحاسم حسب تقديرها لكسر شوكة الحركات الازوادية وارغامها على الخضوع، وهو ما جعلها تقفز مباشرة على اتفاق الجزائر، متهمة الوساطة الجزائرية باتهامات واهية في خطوة منها لعزل الجزائر عن قضية الازواد، متناسية جميع الاعتبارات الجغرافية والإثنية التي تتقاسمها معها الجزائر حدود اكثر من 1400 كيلومتر وامتداد اثني لشتى المكونات الازوادية في جنوب الجزائر وفوق ذلك تتنصل مالي من كل ما يجمعها مع الجزائر من اتفاقيات امنية عسكرية، بينما تقوم في نفس الوقت بعقد اتفاقيات عسكرية مع المغرب، والتي ما فتئت تحاول عزل الجزائر عن عمقها الافريقي بكل ما لديها من قوة، فبماذا سوف تفسر الجزائر هذه التصرفات… والأدهى والأمر أن الجزائر كانت دائما متطرفة جدا في الدفاع عن الوحدة الترابية لمالي، لولاها لا تم تقسيم مالي منذ 2012، فلا ادري كيف يتناسون كل هذا ويحاولون وزن الامور بميزان معطل.
ماهي خلفيات هذا التصعيد؟
في اعتقادي هناك سببين السبب الرئيسي هو محاولة السلطات الانتقالية في مالي الضغط على الجزائر لعزلها تماما عن القضية الازوادية، متناسيه تماما الدور المحوري للجزائر في هذه القضية منذ بدايتها والتطرف الجزائري كما جاء على لسان الرئيس عبد المجيد تبون في حماية وحدة التراب المالي، كذلك ضاربة بعرض الحائط كل الاعتبارات الجغرافية والامتدادات الاثنية التي تربط بين الجزائر وشمال المالي.
أما السبب الآخر من التصعيد وهو ما لا يقل أهمية عن السبب الأول هو محاولات المغرب عزل الجزائر عن عمقها الافريقي ودفع السلطات الانتقالية في مالي للقيام بذلك، وأهم ما يثبت ذلك هو التعاون العسكري المغربي المالي الاخير والتقارب الاستراتيجي الأمني واقامة اتفاقيات في هذا الإطار، كل ذلك من اجل خلق الفوضى والتوترات التي من شانها استنزاف الجهود العسكرية الجزائرية على طول الحدود الجنوبية الصحراوية الطويلة المتاخمة لدول الساحل الافريقي.
ماهي التداعيات المحتملة وهل ستتدحرج الأمور إلى أزمة أعمق وأعقد؟
أظن أن هذا الوضع سيؤثر حتمًا على العلاقات الثنائية بين الجزائر ودول الساحل وقد يعكس تدهورا غير مسبوق على مستوى الثقة والتعاون بين الجزائر وتجمع دول الساحل، الأمر الذي من شأنه أن يمس المشاريع الجزائرية عبر العمق الافريقي، باعتبار ان منطقة الساحل تمثل الجسر الرابط بين الجزائر وعمقها الافريقي، أما بخصوص مشروع أنبوب الغاز، على الرغم من أنه لا يمرُ عبر الأراضي المالية ما يجعلهُ بمنأى عن التأثير الجغرافي المُباشر الا ان الانعكاسات الجيوسياسية لهذه الازمة تبقى قائمة، فالجزائر تراهن على خلق استقرار اقليمي نسبي في منطقه الساحل الإفريقي من أجل تنفيذ مشاريعها الطاقوية الكبرى لاسيما في ظل تزايد التهديدات الأمنية في المنطقة، وفي هذا السياق يمكن اعتبار أن تصاعد التوتر بين الجزائر ومالي قد يضعف التنسيق الاقليمي الضروري لإنجاح مثل هذه المشاريع العابرة للحدود خصوصا اذا ما انعكس سلبا على علاقاتها مع النيجر الشريك الرئيسي في مسار الأنبوب، كما أن هذه الازمة قد تعزز من تماسك التحالف الاقليمي الجديد الذي يضم مالي، النيجر وبوركينافاسو، والذي يظهر ميولا متزايدا نحو تقليص الاعتماد على الفضاء المغاربي بما في ذلك الجزائر.
وعليه فان استمرارية الأزمة دون احتواء دبلوماسي فعال قد تعرقل المشروع بشكل مباشر، لكنها بالتأكيد تضيف عنصرا من عدم اليقين الجيوسياسي الذي قد يؤثر على تمويله، تأمينه، وآجال تنفيذه، وهذا من شانه ان يؤدي الى تبني هذا المشروع من قبل قوى اقليمية أخرى لكن في النهاية يبقى الأمر مرتبطا بدور نيجيريا كدولة محورية في منطقه الساحل الافريقي جنوب الصحراء، وقرارها يبقى مهما في تحديد مسار مشروع أنبوب الغاز.
أي سيناريوهات محتملة تنتظر المنطقة؟
هناك سيناريوهين إثنين في اعتقادي الأول قد تجد الأزمة مخرجًا في الاسابيع القليلة القادمة، ذلك أن البيان الصادر بسبب تحالف دول الساحل تم اصداره بصفة فردية من قبل رئيس المجلس العسكري في مالي آسيمي غويتا دون التشاور مع رؤساء النيجر وبوركينافاسو، ولذلك قد تكون عابرة وغير قادرة على هدم العلاقات الثنائية خاصة بين النيجر والجزائر لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار اللقاء الأخير بين الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الشؤون الخارجية النيجيري باكاري ياوسا نغاري، اللقاء الذي أسس لمرحله جديدة للتعاون الثنائي بين البلدين. ومن ناحية اخرى طلب الرئيس الانتقالي النيجيري عبد الرحمن تشياني من اسيمي غويتا بعدم التصعيد مع الجزائر، وهو السيناريو الذي يضفي المزيد من التفاؤل في نظري.
وهناك سيناريو كارثي ومتشائم ويكمن في إمكانية استغلال بعض القوى الإقليمية أو الدولية للأزمة واخراجها عن نطاقها من أجل استنزاف الجزائر على جميع الاصعدة السياسية، الاقتصادية والأمنية، وخلق حزام ناري ازماتي حول حدودها الجنوبية الشاسعة، فاليوم أصبح لا يخفى على أحد أن الجزائر مستهدفة من قبل بعض قوى الشر في المنطقة، وهو ما تسعى اليه دولة المغرب بصفة خاصه نيابة عن قوى دولية كالإمارات والكيان الصهيوني.
حاوره: فؤاد ق
The post ايدابير أحمد:المخزن وراء محاولة استهداف العلاقات بين الجزائر ومالي appeared first on الجزائر الجديدة.