بيداغوجيا تربية الأبناء وتوجيههم [الجزء الأول]
أ. خير الدين هني/ ليس يسيرا على الآباء والأمهات والمربين، التزام مناهج علمية وتربوية ونفسية، متساوقة مع أهداف البيداغوجيا البنائية الإدماجية، وهي البيداغوجيا ذات البعد العملي النفعي، التي يريد الخبراء التربويون والنفسانيون وأهل السياسة والحكم، أن ينعكس أثرها الإيجابي على الحياة الفردية والاجتماعية، بمخرجات النجاعة والفعالية والمردودية وجودة الأداء في العمل والسلوك، لأن هذه البيداغوجيا …
![بيداغوجيا تربية الأبناء وتوجيههم [الجزء الأول]](https://cdn.elbassair.dz/wp-content/uploads/2025/09/heni-310x165-1.jpg)
أ. خير الدين هني/
ليس يسيرا على الآباء والأمهات والمربين، التزام مناهج علمية وتربوية ونفسية، متساوقة مع أهداف البيداغوجيا البنائية الإدماجية، وهي البيداغوجيا ذات البعد العملي النفعي، التي يريد الخبراء التربويون والنفسانيون وأهل السياسة والحكم، أن ينعكس أثرها الإيجابي على الحياة الفردية والاجتماعية، بمخرجات النجاعة والفعالية والمردودية وجودة الأداء في العمل والسلوك، لأن هذه البيداغوجيا بأفكارها وفلسفتها وتقنياتها واختياراتها الفنية، ثورية بأتم ما تحمله هذه الكلمة من دلالة، وقد توصلت إليها من طريق التجارب آخر الأبحاث والتجارب في التعليمية العامة والخاصة.
ولتحقيق هذه الغاية بسهولة ويسر ، يتوجب على الوالدين أن يعلما أن اختيار أساليب تربية الأبناء وتوجيههم، مسؤولية حتمية تقع على عاتهم بالضرورة، انطلاقا من المرحلة الجنينية إلى سن النضج، وهو أمر يستدعيه الواجب الديني والأخلاقي والقانوني، وهي المسئولية الكبرى التي تُعدّ فرض عين، وليس على وجه الندب والاستحباب، وحتى الحيوانات بمختلف أجناسها وأنواعها تضحي بجهدها ونفسها من أجل توفير الغذاء والرعاية والأمن لصغارها، فإذا بلغوا سن الاتكال على النفس دفعوهم إلى البراري ليطلبوا طعامهم بجهودهم الذاتية، ويوفروا لأنفسهم الأمن من الحيوانات الكاسرة.
ولكي تحقق تربية الأبناء والمتعلمين غاية البناء، والتحويل والإدماج والفعالية وجودة الأداء، يستدعي الأمر من الوالدين والمربين الاطلاع على الخصائص العقلية والنفسية، لمراحل الطفولة والمراهقة والشباب، كيما تكون التربية مبنية على قواعد علمية وتربوية ونفسية صحيحة، وليس على الحدس والظن والارتجال والتخمين أو التقاليد الموروثة، التي قد تجانب الصواب في التوجيه والإرشاد، لأن الارتجال مظنة الإخفاق في الوصول إلى الأهداف المنتظرة، إذ يُعدّ الارتجال في التربية والتوجيه سلوكا سلبيا، وهو السلوك الشائع في مجتمعاتنا العربية الذي يعتمده الكثير من الناس، في تربية أبنائهم وتوجيههم نحو الوجهة التي يريدونها، فيعاملون أبناءهم معاملة سيئة، باستعمال الخشونة والغلظة والفظاظة والقسوة، فينشأ الأبناء غلاظ الطباع قساة القلوب، عديمي الرحمة والرأفة في المعاملة حتى مع الوالدين، حينما يصبحون كبارا ويوجهون إلى الحياة العملية، التي تُتَرجم فيها مكدسات التربية في مراحل الاكتساب الأولى، إلى سلوك واقعي يؤثر بخيره أو شره على الحياة الفردية والاجتماعية.
والمعاملة القاسية، ابتداء من غير لين ولا لطف ولا رأفة ولا توجيه حسن، تنمي في نفوس الأبناء غرائز الشر والعدوان والسخط والكراهية، وتجعلهم ينزعون إلى استعمال العنف في الكلام والسلوك والجنوح إلى المشاكسة والمناكفة، وتجعلهم يتمردون على كل قيمة لها اعتبار ديني أو أخلاقي أو أدبي أو قانوني، لاسيما إن كانوا يحملون في نفوسهم استعدادا فطريا للعنف والعدوان، فالمعاملة القاسية في التنشئة الأولى، تغذي ذلك الاستعداد وتنميه نحو الأسوأ.
وفي المقابل من ذلك، قد ينشأ الأبناء ضعاف العقول، خاملي الذكر مهزوزي الشخصية، عديمي الإرادة والحزم والعزم، إن عوملوا بالقسوة والغلظة في صباهم، لأن القسوة تميت في نفوسهم حركة النمو الطبيعي للاستعداد النفسي المتوازن، وهو الاستعداد الذي يوقظ فيهم روح التوثب والطموح، فتنمو لديهم غرائز الشعور بالقوة، وهي الغرائز التي تمنحهم الراحة والطمأنينة والثقة بالنفس، وعنصر الثقة بالنفس هو أهم عامل نفسيي، يمنح الإنسان القوة والطاقة الإيجابية التي تُعد سر النبوغ والتفوق والتألق والنجاح في الحياة.
وخلاف الطاقة الإيجابية، هي الطاقة السلبية، التي تميت في نفس الطفل، حركة النمو الطبيعي عبر مساراتها الطبيعية، فينشأ الطفل ذو الطبيعة السلبية في معاناة نفسية، تجعله يفقد غريزة الإحساس بالإنية والكينونة والثقة بالنفس، وإذا لم تعالج هذه الحالة المرضية في حينها، بتعديل طرق التربية والتوجيه والإرشاد والمعاملة بعد التشخيص الدقيق لأسبابها، ستضعف في نفس الطفل تدريجيا، حركة النمو وغرائز القوة ومشاعر الإحساس بالمسئولية، وهذه المرحلة الحرجة من الشعور هي أخطر ما يصل إليها الطفل من الشعور بالاضطهاد والخذلان والإحباط.
والإحباط، شعور سلبي لا يستطيع الإنسان المحبط مقاومته أو صده، لثقل تأثيره على النفس المحبطة، ويشعر به الفرد حينما يعجز على تحقيق رغباته وأهدافه وطموحه، فتنجم عنه مشاعر سلبية، كخيبة الأمل واليأس والقنوط، وقد يتسبب في الإحباط عوامل نفسية داخلية، كالشعور بالضعف والانكسار والعجز عند مواجهة مشكلة ما، وقد ينتج عن عوامل خارجية كالقهر والإذلال والمعاملة القاسية، وعندما يشعر الطفل أو الفرد الناضج بالمعاملة القاسية، من الوالدين أو الأصدقاء أو الجيران أو المجتمع وتستمر لزمن طويل، سيقاومها الفرد ولاسيما الناضج في البداية ويتغافل عنها ويتجاهلها.
ولكنها حينما تستمر في خدش مشاعره وشعوره بالحزن والألم النفسي، فستضعف مقاومته وتخور قواه فيستسلم للأمر الواقع، وحينها يلتجئ إلى التعويض عن النفس، بالنزوع الذي يتناسب مع نفسيته، إما بالعزلة والهروب من الواقع الأليم للتخلص من آلامه، أو برد الاعتبار لذاته من طريق التمرد على المجتمع، بالعنف اللفظي والعدوان اليدوي وارتكاب الجرائم، وفي كلتا الحالتين فإن المجتمع هو الخاسر الأكبر، لأنه هو من تسبب في قهر هذا المحبط بالمعاملة القاسية، وفي خسارة فرد من أفراد جنسه ممن يمكن أن يكونوا متفوقين في الحياة، لو عومل بالقَبول والاحترام والحسنى، ولكن بمعاملته القاسية تسبب في التأثير السلبي على الحالة النفسية للفرد المحبط، ودفعه نحو اليأس والقنوط والعربدة والاستسلام.
يحدث هذا السلوك السلبي -بخاصة -لدى الأطفال الذين يحملون في جيناتهم استعدادات الضعف والخمول والاستكانة، وفي المقابل النقيض نجد المعاملة المبالغة في اللطف واللين والدلال الزائد عن الحد، على نحو ما نشاهده منتشرا عند أبناء الجيل اليوم، يميّع شخصية الأبناء ويبلّد عقولهم، ويقتل قوة الإرادة وروح العزيمة والمبادرة في نفوسهم.
فينشؤن ضعاف العقول، مضطربي الشخصية عديمي الهمّة والعزيمة، ولذلك كان الاعتدال في المعاملة بين اللين والعنف، هو الأسلوب المناسب في التربية والتوجيه، لأنه ينشئ التوازن بين العواطف والإحساسات والمشاعر، والأفكار في نفوس الأطفال والأبناء، والتوزان بين القوى والأضداد والأفكار والأمثال هو الذي تقوم عليه سنن الحياة الإنسانية وقوانينها.
ونحن كمجتمع إسلامي، نأخذ قوانين حياتنا في أساليب التربية والتوجيه والأخلاق، من التعاليم الإسلامية بهديها ورشدها، وهي التعاليم التي تدعو إلى الاعتدال في تربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصحيحة، نستعمل اللين غير المبتذل ابتداء، فإذا لم يَنفع نستخدم شيئا من الغلظة المتوازنة حينا آخر، كيما نساوق بين نوازع النفس الإنسانية، التي رُكّبت غريزيا كي تستجيب للغلظة تارة، حين ينزع بها الهوى إلى فعل الشر ولم تستجب للين والحسنى، وإلى اللطف و اللين تارة أخرى حينما تهدأ غرائز الشر، وتكمن في النفس الهوجاء (الطائشة والمندفعة)، إلى حين.
يتبع