حكم ادخار المؤونة لرمضان والغلط في التبديع
الشيخ محمد مكركب أبران mohamed09aberan@gmail.com/ الفتوى رقم:755/ الســــــــــــؤال قالت السائلة: مما اعتدناه في كل عائلتنا منذ عرفت أجدادي، أننا عندما يأتي رمضان نستعد له بإعداد المؤونة، من دقيق، وزيت، وسكر، وحبوب، والأواني الخاصة بالطهي لرمضان خاصة. قالت: وزارنا في مسجد قريتنا شيخ واعظ، فقال: من يُعِدُّ لرمضان الأكل والأواني يفعل بدعة، فلما سألنا عن البدعة، …

الشيخ محمد مكركب أبران
mohamed09aberan@gmail.com/
الفتوى رقم:755/
الســــــــــــؤال
قالت السائلة: مما اعتدناه في كل عائلتنا منذ عرفت أجدادي، أننا عندما يأتي رمضان نستعد له بإعداد المؤونة، من دقيق، وزيت، وسكر، وحبوب، والأواني الخاصة بالطهي لرمضان خاصة. قالت: وزارنا في مسجد قريتنا شيخ واعظ، فقال: من يُعِدُّ لرمضان الأكل والأواني يفعل بدعة، فلما سألنا عن البدعة، قيل لنا معناه مخالفة الدين؟ فبينوا لنا حقيقة أمرنا، بارك الله فيكم.
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: لفهم الموعظة وبيان الحكمة: بداية أقول للسائلة الكريمة، فالشيخ الواعظ حسب سؤالك، قد لا يقصد تحريم شراء الطعام، وإعداد الأواني لشهر الصيام، ولا يقصد البدعة التي هي من الضلالة، والله أعلم، (ثم إنني أجيبك، فقط، حسب الظاهر من سؤالك). قلت قد يقصد أن رمضان لا نستقبله بإعداد الأكل والشراب وأواني الطبخ، وإنما نستقبله بالاستعداد النفسي والقلبي والروحي، نستقبله بالتصالح والتسامح، وبحب التجارة مع الله بالصيام والقيام. نستعد لرمضان بحفظ القرآن، ونية الحرص على القيام والذكر، وبأعمال البر والإحسان، بالصدقات والعناية بالفقراء والمساكين. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: لا ينبغي استعمال المصطلحات في غير محلها: فيقال للأخ الواعظ: لا ينبغي استعمال مصطلح البدعة في وسائل المعيشة، ولا ينبغي التساهل في وصف الناس بالابتداع. فعلى حد سؤال السائلة، فإن إعداد المؤونة لرمضان وشراء الأواني الخاصة برمضان ليست من البدع والمنكرات، ولا توصف بالبدعة، وقلت ربما وقع خطأ في فهم الموعظة التي سمعتها السائلة، ونحسن الظن بأئمتنا. ويمكن أن يكون النهي عن العادات التي تتعب الناس وتشغلهم عن العبادات، هذا حسن، ومع ذلك فأقول للأخ، لا يجوز التساهل في رمي المسلمين بالبدع. فالبدعة لغة: هي ابتداء طريقة لم يسبق إليها سابق. ففي قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد. والبدعة اصطلاحا:{طريقة محدثة في الدين، يَدَّعِي صاحبُها التعبد بها لله سبحانه.} ومنه: فالمأكولات، والملبوسات، والمركوبات، ووسائل التواصل والاتصال، وطرائق ووسائل التعليم والتعلم، وإحياء الذكريات التاريخية كالغزوات، والمناسبات التاريخية المتعلقة بالأوطان والأشخاص كلها لا تدخل في البدع، إلا في المعنى اللغوي. فأقول للسائلة، كوني مطمئنة فلا حرج في شراء ما قلته من المؤونة. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: فقد بين الله تعالى بأن الهدف من الصيام هو تقوى الله عز وجل: فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة: 183) من أسرار نظم القرآن وبلاغة القرآن، أن قول الله تعالى:
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ مما فيه من البيان أن شهر الصيام يدرب الناس على الطاعة والانضباط خصوصا خوف الله سبحانه في مخالفة الوقت، وقت الإمساك والإفطار. والشريعة كلها مبناها ومقاصدها تهتم بهذه الأمور أكثر من غيرها في كل أحكامها. وبما أن مدلول التقوى هو العمل بأحكام الشريعة، أو إقامة الدين كما شرعه رب العالمين. كان التدرب على الانضباط في شهر رمضان ينتج ثمرات الالتزام بأحكام الدين. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
فالله تعالى نادى الله عباده المؤمنين الصادقين، ناداهم بلفظ الإِيمان ليحرك فيهم مشاعر الطاعة، ويُذْكي فيهم حرارة الإِيمان. فقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ فرض عليكم صيام شهر رمضان، كما فرض على الأمم من قبلكم، لتكونوا من المتقين الذي يعملون بالحلال، ويجتنبون الحرام. فإن الاستعداد لاستقبال رمضان، هو بالتفكير والتدبير كيف نكون من المتقين. لعل هذا هو الذي كان يقصده الواعظ. ففي الحديث. [كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ] (البخاري:6) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.