صلاح العملية التعليمية بناء على منهجية النظرية الباديسية
أ. محمد مكركب نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ من خلال ما قدمناه من خصائص المنهجية التربوية النبوية في المقال السابق على أنها: قرآنية، فطرية، مستقبلية، عالمية، تعبدية. نواصل تحليل النظرية. وعلمنا أمرين : الأمر الأول: أن العمل بنظريات السابقين في التاريخ، لا يعني الرجوع إلى الوراء، كما يدعي بعض المنحرفين الذين يسعون للطعن في …

أ. محمد مكركب
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
من خلال ما قدمناه من خصائص المنهجية التربوية النبوية في المقال السابق على أنها: قرآنية، فطرية، مستقبلية، عالمية، تعبدية. نواصل تحليل النظرية. وعلمنا أمرين : الأمر الأول: أن العمل بنظريات السابقين في التاريخ، لا يعني الرجوع إلى الوراء، كما يدعي بعض المنحرفين الذين يسعون للطعن في الإسلام من خلال الاستهانة بالتراث، وإنما استثمار التراث نعني به استثمار المبادئ التي وضعت للمستقبل المطلق. والأمر الثاني: أن التجارب المستمدة من السنن الكونية ومن الوحي، ومنه سنن الأنبياء عليهم السلام ليست محدودة الزمان ولا محدودة المكان. ونقول بإذن الله تعالى: فما هي شروط صحة وصلاح العملية التربوية التعليمية بناء على النظرية الباديسية؟
أولا: إعداد المعلمين والأساتذة وتدريبهم على التدريس بالنظريات التربوية، التي تجمع بين مقاصد القرآن والحديث والسنة، وبين مقاصد العلوم الطبعية والرياضيات وغيرها، كنظرية ابن خلدون {نظرية التكرارات الثلاثة} ونظرية {مبدأ التدرج التعليمي، في التلقين والشرح} قال ابن خلدون: {اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدريج شيئا فشيئا وقليلا فقليلا} والبدء بتربية الملكات لدى المتعلم، وهو ما يعرف في لغة التربية النبوية بالتزكية. قال الله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة) وأن يتدرب المعلمون على قاعدة: {الإفراغ ثم الملء} وهي من قاعدة: {التخلية ثم التحلية} أن يُخَلِّصَ المعلمُ ذهنَ المتعلمين من كل العقد النفسية، ومنها عقدة الخوف من النقطة، وعقدة الشعور بالضعف.
ثانيا: إفساح المجال لانتقال التلاميذ والطلبة عبر المراحل، بقدر قدراتهم، ومواهبهم، ولا يشترط النجاح في عدة تخصصات (عدة مواد) فالامتحانات التقليدية تفوت فرصا كثيرة على الأمة بحرمانها من طاقات مبدعة في العلوم الإنسانية والأدبية، والعلوم التقنية. فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يراعي مبدأ التخصص العلمي الاكتسابي، والمواهب والمهارات التي وهبها الله بعض الأشخاص، فكان حسان بن ثابت في الشعر، وكان يقول له: [اهجهم وروح القدس معك] فكان بشعره ينافح ويدافع عن الإسلام والمسلمين. ومن ذلك. قالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لحسان: [إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله]، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [هجاهم حسان فشفى واشتفى] قال حسان يرد على من سولت له نفسه أن يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ.. هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا … رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ..فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ.} (صحيح مسلم:2490) ما علاقة هذا بقولنا: إذا نبغ الطالب في علم من العلوم، نفسح له المجال ليواصل التعلم والتحصيل في الجامعة، ولا يطلب منه النجاح في كل المواد، وهذا من مقتضيات التعليم بمراعاة الموهبة والقدرة والميول. فحسان بن ثابت لم يكلف بدروس الرياضيات أو الكيمياء أو غيرهما لينجح في الشهادة المشروطة لدخول الجامعة، بل نبغ في الشعر فكان قوة علمية في تخصصه. وتخصص الصحابي أُبي بن كعب رضي الله عنه في القراءة. ونظرية الموهبة والتخصص، أصلهما المربي الفقيه الغزالي أيضا في نظرياته التي لم يدرسها كثير من المعلمين والأساتذة الذين يرضون بالتدريس الموازي لتدريسهم لضعف طرائقهم. قال أبو حامد الغزالي: {وظيفة المعلم أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه. فإذا ألقى إلى المتعلم مالا يبلغه عقله وأكرهه على ذلك نَفَّرَهُ وأخبط عليه عقله} (كتاب التربية من أفواه رجالها:34).
ثالثا: توحيد مناهج التعليم لكل أبناء وبنات الوطن في المضامين والطريقة والتقويم. لأن عملية التربية والتعليم، في المجتمع الإسلامي للمسلمين، هي تدريب المتعلم على الجانب العملي من الدين. والأمة كلها مأمورة باتباع المنهاج الذي شرعه الله سبحانه. قال الله تعالى. ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الجاثية:18) وأي تربية وأي تعليم لايؤهل المتعلم إلى أن يكون عابد ربه بما شرع له فليست هي تربية، وليس هو تعاليم، فالذي يربى بالوحي، عندما يخترع ويصنع ويبدع سيخترع ويصنع ويبدع ما ينفع الأمة ويقودها إلى اتباع رضوان الله سبحانه..
رابعا: التلازم بين العلم الكوني والعلم الشرعي. ومنه فالنظرية الباديسية بناء على المنهجية النبوية فإن المتعلم يتعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والحقوق والاجتماع، وسائر العلوم بمقتضيات أخلاق القرآن.
خامسا: توجيه وإرشاد الطالب إلى العمل مباشرة من مؤسسة التعليم. ما هي: صفات العلماء الحقيقيين بناء على النظرية الباديسية؟
أولا: فقه الكتاب: أن المعلم الصالح في المجتمع المسلم يشترط فيه أنه تدبر القرآن وعلم أحكام القرآن، وفقه العبادات، ليستطيع توجيه المتعلمين إلى سبيل الرشاد.
ثانيا: الحياد والنزاهة في التربية والتعليم، وفي الدعوة والإرشاد، العالم المسلم لا يعمل من أجل صنع القطبية وإنما ليكون خادما بإخلاص للأمة الإسلامية.
ثالثا: التضحية.
رابعا: الصبر.
خامسا: الروح الجماعية.
سادسا: الدعوة إلى الوحدة والأخوة والإتلاف.