لماذا يكرهون المقاومة؟

د.خديجة عنيشل/ تكالبتِ الدنيا كلُّها على رجال المقاومة في حربٍ ضروسٍ لا نظيرَ لها مارَسَ فيها جيشُ الاحتلال كلَّ صنوفِ القتلِ والإجرامِ والإحراقِ والتعذيبِ والتنكيلِ والهدمِ والقصف في بقعةٍ صغيرةِ المساحة قليلةِ الأفراد. حربُ إبادةٍ حقيقيةٍ ضدَّ شعبٍ أعزل يُدافعُ عن وجوده في أرضه التي اغتصبَها المُحتل. ودفاعُهُ عن أرضهِ مطلبٌ يكفلهُ له القانونُ الدوليُّ …

مارس 25, 2025 - 13:58
 0
لماذا يكرهون المقاومة؟

د.خديجة عنيشل/

تكالبتِ الدنيا كلُّها على رجال المقاومة في حربٍ ضروسٍ لا نظيرَ لها مارَسَ فيها جيشُ الاحتلال كلَّ صنوفِ القتلِ والإجرامِ والإحراقِ والتعذيبِ والتنكيلِ والهدمِ والقصف في بقعةٍ صغيرةِ المساحة قليلةِ الأفراد. حربُ إبادةٍ حقيقيةٍ ضدَّ شعبٍ أعزل يُدافعُ عن وجوده في أرضه التي اغتصبَها المُحتل. ودفاعُهُ عن أرضهِ مطلبٌ يكفلهُ له القانونُ الدوليُّ الذي يؤكِّدُ «أن المقاومة بكل أشكالها حقٌّ مشروعٌ للشعبِ الواقعِ تحت الاحتلال، وأن سلاحَها يحظى بشرعيةٍ قانونيةٍ ولا يمكن نزعُه» ولكنّ العالَمُ كلُّهُ يقفُ صامتاً جباناً أمام نازيّةِ الصهاينة وطُغيان النتن ياهو الذي يرفسُ المواثيق الدولية والعهودَ القانونية ويضربُ بالقانون الدولي عرضَ الحائط دون أن يرفَّ له جفن ودون أن يلقى اعتراضاً من الدول التي تدّعي الديمقراطيةَ والعدالة وحقوق الإنسان، بل ها هو ينقلبُ على اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار الذي دخلَ حيّزَ التنفيذ يوم 19 جانفي المنصرم ويُشعِلُ غزّةَ من جديد ناراً وقصفاً على المدنيين الأبرياء بعد أن أغلقَ كلَّ المعابر منعاً لدخولِ المساعداتِ الإنسانية في حربِ تجويعٍ شرسة لم تشهد البشريةُ لها مِثلا !! .
حربُ الإبادة الصهيونية التي تقودُها حكومةُ التن ياهو غير مسبوقة وتحملُ حقداً دفيناً لا يمكنُ للكلماتِ أن تصفه كلُّ هذا من أجلِ تركيعِ المُجاهدين وتدجينِ فكرةِ الجهاد وتحقيقِ بُغيةِ العدوِّ الصهيوني في نزعِ سلاحِ المقاومة؛ هذا السلاح الذي قهرَ المُحتل وأذلَّ جيشَه برغم البونِ الشاسع بين القدرات العسكرية للطرفين، إنهم يكرهونَ المقاومةَ لأنها تملكُ سلاحَها ولأنها تحولّت نوعياً من سلاحِ الحجر إلى الصواريخ بعيدة المدى وبذلك لم يعد للمحتلِّ عليها مَدخَلا بل صار للمقاومة مخارجَ كثيرةً من الاحتلال وهذا هو سرُّ قوتِها بل هذا هو ضامنُ انتصاراتِها. ولو تأمّلنا تاريخَ الصراعِ العربيِّ الصهيوني لوجدنا أن الصهاينةَ الذين كان يرعاهُم الانتدابُ البريطانيُّ كانوا دائماً يصرّونَ على أن لا يتسلّحَ العرب؛ فهذا الانتدابُ الخبيث عملَ على تسليحِ العصاباتِ اليهوديةِ المتطرّفة في مقابل حرصهِ الشديد على أن لا يملكَ الفلسطينيون -والعرب-السلاح ولعلَّ الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)
أكبرُ شاهدٍ على استراتيجيةِ البريطان في نزعِ سلاحِ الفلسطينيين بشكلٍ منهجيٍّ ومدروس. وحين فُرِضَ السلامُ على الفلسطينيين كان بشرطٍ واضحٍ أن لا يكون للسلطة الفلسطينية سلاحٌ، وإن كان لابد فهو سلاحٌ موجَّهٌ إلى صدرِ المقاومة ورجالِها كي تموت فكرةُ الجهاد وتنتهي قضيةُ فلسطين وهذا ما تعملُ عليه سلطةُ عباس بكل صَفاقةٍ ودون حياء. إنهم يكرهون المقاومةَ لأنَّ رجالَها لا يُشبهونهم إنهم رجالٌ صنعهم الإسلام وربّاهم النبيُّ محمد وتأدّبوا بآدابِ عقيدةِ التوحيدِ النقيّة وتشرّبوا عقيدةَ الجهاد من كلامِ الله، رجالٌ باعوا دنياهم واشتروا الآخرة وصَدَقوا ما عاهدوا الله عليهم فأثابَهم ثباتاً في القلوب وتمكيناً في الحق وعِزّةً أمام العدو. رجالٌ وصفهم ربّنا عز وجل فقال عنهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }
رجالٌ يشهدُ العدوُّ نفسُهُ أنهم من طينةٍ مختلفة فكانوا أشدّاءَ عليه في القتال أشدّاءَ عليهِ في المفاوضات ثابتين على مبادئهم رافضين تسليمَ أسلحتهم لأنها تمثّلُ لهم شرَفَهم الذي لا يُساومون عليه ولا يُداهنون فيه. وإذا كنا نشعرُ بالقهرِ والأسى أن عِشنا هذا الخذلان المقيت تجاه إخواننا في غزة فإننا نشعرُ بالفخرِ العظيم أن عِشنا هذه الفترةَ من تاريخِ المقاومة فرأينا نماذجَ من صحابة رسول الله وعاصَرْنا رجالاً يُشبهون مُجاهدِي جيشِ المسلمين الأُوَل الذين أَعْلَوا رايةَ الإسلام وفَتحوا العالَمَ بأخلاقِهم قبل أن يفتحوهُ بسيوفِهم، إنهم يذكّرونَنا برجالِ عمرو بن العاص الذي أرسلَ إليه المقوقسُ رُسُلَهُ كي يأتوهُ بمعلوماتٍ عن جيشِ المسلمين ويستطلعوا أخبارَهُ فلما وصلوا إلى حِياضِ المسلمين استبقَاهم عمرو بن العاص عندهُ يومين وليلتين رأوا في هذه المدّةِ حياةَ الجُندِ وسلوكاتِهم، وحين رجعوا سألهُم المقوقسُ عن جيشِ المسلمين فقالوا له: «رأينا قومًا الموتُ أحبُّ إلى أحدِهِم من الحياة، والتواضعُ أحبُّ إلى أحدِهِم من الرِّفعة، ليس لأحدِهم في الدنيا رغبةٌ ولا نَهْمَة، إنما جُلُوسُهم على التراب، وأكلُهم على رُكَبِهِم، وأميرُهُم كواحدٍ منهم، ما يُعرف رفيعُهُم من وضِيعِهِم، ولا السيدُ منهم من العبد، وإذا حضرتِ الصلاةُ لم يتخلَّف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافَهم بالماء، ويخشعُون في صلاتِهم، فقال عند ذلك المقوقسُ: والذي يُحلَفُ به لو أنَّ هؤلاء استقبلُوا الجبالَ لأزالُوها، وما يقوى على قتالِ هؤلاء أحد»
إنهم يكرهونَ المقاومةَ لأنها أنتجت للمسلمين أنموذَجاً حضارياً سامقاً يُهدّدُ حضارتَهم الدمويةَ الشيطانة التي عاثت في الأرضِ فساداً وإفسادا. إنهم يكرهون المقاومة لأنها أظهرت للعالَمِ كلِّهِ الإسلامَ الحقيقيَّ النقيَّ الذي حاربوهُ طويلا وشوّهوهُ كثيراً وخاضوا كلَّ حُروبِهم من أجلِ القضاءِ عليه ولكنّهم عبثاً يُحاولون: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}