من ذكريات أيام الطلب: الشيخ المجْذُوب..

عبد العزيز بن السايب/ سمعنا عنه وعن مواقِفِهِ الصلبة في قولة الحقِّ، التي أدَّت به في الثمانينات إلى الاعتقال والسجن قرابة 22 سنة، مع الأذى والتنكيل.. هو الشيخ محمد هاشم المجذوب الحسيني الدمشقي..ولد عام 1933 بدمشق..تربى فيها وتعلَّم..وأمَّ مسجد السنجقدار في السبعينات..مع التدريس والدعوة.. كُنَّا نَتَهَامَسُ عند ذكرِ اسمِهِ..خشيةً وحيطةً..مع الإعجاب به والطمع في رؤيته..بله …

مارس 25, 2025 - 13:58
 0
من ذكريات أيام الطلب: الشيخ المجْذُوب..

عبد العزيز بن السايب/

سمعنا عنه وعن مواقِفِهِ الصلبة في قولة الحقِّ، التي أدَّت به في الثمانينات إلى الاعتقال والسجن قرابة 22 سنة، مع الأذى والتنكيل..
هو الشيخ محمد هاشم المجذوب الحسيني الدمشقي..ولد عام 1933 بدمشق..تربى فيها وتعلَّم..وأمَّ مسجد السنجقدار في السبعينات..مع التدريس والدعوة..
كُنَّا نَتَهَامَسُ عند ذكرِ اسمِهِ..خشيةً وحيطةً..مع الإعجاب به والطمع في رؤيته..بله التمني فكان وقتها ضربا من المحال..
ويشاء الله تعالى أن يُطْلَقُ سراحُ الشيخ الجليل..بعدما طال مكوثه في محنة السجن ظلما وطغيانا ودبت فيه الأمراض..وكان الخبر السعيد في أواخر عام 2001م..
وبلغني لما كنت طالبا في الشام أن سيدي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي كان الوساطة في خروج الشيخ المجذوب من سجون النظام..وهي مَسَاعٍ حثيثة معروفة عن الشيخ رحمه الله تعالى أثمرت خروج العديد والعديد..
ولله الحمد كان الشيخ المجذوب بعد خروجه يشارك بالحضور في المناسبات الدينية..بمظهره العلمائي المتواضع..
فقد رأيتُهُ مرَّاتٍ وكرَّاتٍ عديدةً..في مجالس متنوعة..
منها عند سيدي الشيخ البوطي في درسي الاثنين والخميس..
وفي جلسة الوفاء التي يقيمها جامع التوبة بالعقيبة شارع بغداد كل شهر لترجمة أحد أعلام الشام..
وفي مناسبات في جامع زيد..
كُنتُ أراه من بعيد..فترى عليه علامات العُبَّاد المخبتين، والعلماء الربانيين..في غاية التواضع وتوطئة الكُنف..رغم تقدير الكبير والصغير له..وتبجيل العلماء والمشايخ لشخصه وعلمه وصلابة موقفه..
زُهدٌ وورعٌ ونُسكٌ وقِلَّةُ كلام..
لم أحضر له أيّ درس..رغم حرصي على تتبع أخباره..وأظنه لم ينل رخصة بذلك..أو ربما كانت له مجالس خاصة ضيقة جدا..
لكن تَشَنَّفَ سمعي بدعواته في مناسبة عديدة، حيث كان أهل تلك المناسبات يقدِّمونه للدعاء في ختام تلك المجالس..مع شدة تَمَنُّعِهِ واعتذارِهِ..
حظيتُ مرتين بمحادثته شخصيا..
مرَّةً بعد إحدى جلسات الوفاء في جامع التوبة..حين سألتُهُ مستوضحا ومتثبتا عن رأي شيخِهِ «الشافعي الصغير» صالح العقادِ رحمه الله تعالى في مسألة الأوراق النقدية المعاصرة وثَمَنِيتها ورِبَويتها..فللشيخ العقَّاد رأيٌ مشهور في المسألة، أردتُ التحقُّقَ منه بواسطة تلميذه النَّجِيب..حيث بيَّن لي الشيخ المجذوب أن كلام الشيخ العقاد لا بد أن يفهم في سياقه وزمانه، وليس على إطلاقه كما يُتناقلُ..
والمرة الثانية بعد صلاة الجمعة في أحد مساجد «عين الفيجة»..فقد رأيته حاضرا للجمعة في ذلك المسجد الصغير..فكاد قلبي يطير فرحا من هذه المصادفة الجميلة الثمينة..
وبالفعل بعد الصلاة تقدَّمْتُ إليه مُسَلِّمًا بكل حرارة وصدق وسعادة..وتَجَرَّأْتُ فطلبتُ منه درسا في الفقه الشافعي..على ما أذكر في كتاب «الإقناع» للخطيب الشربيني..فالشيخ المجذوب فقيه شافعي لا يُشق له غبار..لا سيما وقد تلقى الفقه على يد «الشافعي الصغير» الشيخ صالح العقاد..وعلى يدي سيدي الشيخ محمود الحبَّال..رحمهم الله تعالى جميعا..
فوَعَدَ خيرا بكل أريحية وطِيبة..حين تتيسر الظروف..وهو ردٌّ جميل من شيخ جميل..وأنا على يقين من صعوبة ذلك عليه، بسبب ظرفه الأمني هذا من جهة..ومن جهة أخرى عَلَيَّ..طالب جزائري غريب في درس خاص مع شيخ حديث عهد بسجون النظام..
بيد أنه طمعٌ مشروعٌ..ومحبةٌ في الله تعالى مفعمةٌ..فلا تثريب عليَّ..
ولقيتُ بعد ذلك أخي الحبيب د. محمد جنيد ابن سيدي الشيخ محمد نوري الديرشوي..وأخبرته بالبُشرى السعيدة..فأكد لي أن هناك إمكانية لذلك إن شاء الله تعالى..فقد اتصل بالشيخ المجذوب أيضا في نفس الموضوع بواسطة قريبة من الشيخ ووعد بتحقيق تلك الأمنية..
للأسف كانت مجرد أمنية..لم يُصَدِّقْها الواقعُ..على كل حال نيةُ المؤمن أبلغ من عمله..
وللشيخ أياد بيضاء منيرة على رفقائه في السجن فقد حفظ على يديه القرآن العشرات..وعَلَّمَ الفقه والحديث والنحو..
وله بعض الكتاب المطبوعة، منها: تحقيق «كتاب مناسك الحج»، للإمام النووي، وتحقيق «كتاب الصوم»، لشيخه الشيخ صالح العقاد، وكتاب: «القول الفصل لحسم مسائل الخلاف»، الذي قدَّم له سيدي الشيخ البوطي..مع أن سيدي الشيح البوطي شحيح في التقديمات..
ولما بلغت الشيخَ المجذوبَ وفاةُ سيدي الشيخ البوطي عند استشهاده 21/03/2013..قال نجله الأستاذ أبو هاشم المجذوب:..بكى بكاءً لم أره يبكيه من قبل، حتى ابتلت لحيته بالدموع..
وبعد رجوعي إلى الجزائر عام 2005..ولم يتيسر لقاء آخر مع الشيخ المجذوب حتى جاءنا خبر رحيله وقد تجاوز 83 عاما من عمره المبارك..في مثل هذا اليوم من رمضان..قبل فجر الأربعاء 17 من رمضان المبارك عام 1437 هـ، الموافق لـ 22 /06/ 2016 م .
فرحمة الله تعالى عليه ورضوانه وغفرانه، وتقبَّله وأعمالَه ومصابرته..
وجزى الله جل جلاله كل خير الشامَ وأهلَه عنِّي وعن كل من أَمَّهُ وانتفع به..