من أقلامنا المنسية في جريدة « البصائر» الإصلاحية العريقة العتيقة..!!: الامام الشيخ الربيعي مزياني في ذكرى رحيله رحمه الله
أ. محمد مصطفى حابس – جنيف/سويسرا/ من أعلام الجزائر رحمه الله، ومن رواد النهضة الإصلاحية، و أحد قدماء رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و أحد أقلام ومحرري جريدة البصائر في أول عهدها… إنه الشيخ الربيعي مزياني، أو» سيدي الربيعي»، كما يسميه أخرون، فهو أصيل ولاية أم البواقي، ولد بقرية فكرينة وتعلم بالزيتونة في تونس، ثم …

أ. محمد مصطفى حابس – جنيف/سويسرا/
من أعلام الجزائر رحمه الله، ومن رواد النهضة الإصلاحية، و أحد قدماء رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و أحد أقلام ومحرري جريدة البصائر في أول عهدها… إنه الشيخ الربيعي مزياني، أو» سيدي الربيعي»، كما يسميه أخرون، فهو أصيل ولاية أم البواقي، ولد بقرية فكرينة وتعلم بالزيتونة في تونس، ثم صار من مجاهدي الثورة في خمسينات القرن الماضي، وفور الاستقلال عاد لميدان التربية والوعظ و الارشاد، درس في عين البيضاء وكان إماما بالمسجد العتيق بمسكيانة ولاية أم البواقي، حتى وفاه الأجل في مسقط رأسه بفكرينة ولاية أم البواقي في تسعينات القرن الماضي.
نبذة تاريخية عن جهاد الشيخ الربيعي مزياني؟
هوأحد أبناء الجزائر الأفذاذ البررة الذين تأصلت فيهم روح الإسلام والعروبة والوطنية التي زرعها فيهم الزعيم الروحي لحرب التحرير- العلامة عبد الحميد بن باديس (4 ديسمبر 1889 – 16 أبريل 1940) وصحبه، الشيخ العربي التبسي (1895-1957) والشيخ البشير الابراهيمي(14 يونيو1889 – 20 مايو1965)، رحمهم الله ورضي عنهم جميعا.
ولد الشيخ الربيعي مزياني، بقرية فكرينة دائرة عين البيضاء ولاية أم البواقي بالشرق الجزائري، سنة 1908، ونشأ وترعرع في الوسط الريفي من عائلة متواضعة الحال تمتهن الفلاحة كجل أقرانه في المناطق الريفية أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر.
بدأ تعليمه في الكتاتيب والزوايا وحفظ القرآن الكريم في بداية العشرينات من عمره، ثم رحل في شبابه الى تونس ليواصل تعليمه بجامعة الزيتونة ومكث يدرس فيها مدة خمس سنوات، أي من سنة 1934 الى سنة 1939، رفقة مجموعة من أقرانه وعلى رأسهم رموز الرعيل الأول من مشايخ جمعية العلماء، أمثال كل من: الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ العربي التبسي والشيخ الغزالي (إمام مسجد بعين البيضاء)، الشيخ عبد القادر خياري، والشيخ زغداني بلقاسم والشيخ شباني محمود، وغيرهم من شيوخ الشرق والوسط الجزائري، رحمهم الله جميعا.
نشاطه الدعوي والإعلامي
وبعد عودته الى الأرض الوطن من الشقيقة تونس، باشر عمله في الوعظ والإرشاد في الأوساط الشعبية والتوجيه الديني ومحاربة الأمية التي ضربت اطنابها في كامل جهات الوطن منذ عقود، ليتفرغ لهذا العمل الرسالي النبيل، وكان في ذلك الوقت بتواصل مستمر مع قادة ورموز جمعية العلماء المسلمين، منهم الشيخان الجليلان العربي التبسي والبشير الابراهيمي، رحمهما الله، الذين فتحوا له أيضا باب الجهاد بالقلم ليساهم معهم بمقالاته في جريدة البصائر العريقة التي كانت تصدرها الجمعية أيامها، وهي لسان حال جمعية العلماء المسلمين منذ بداية عهدها. لكن الضغط الممنهج والمسلط على الشيخ الربيعي وعلى أقرانه من طرف الاستعمار الفرنسي ورفضه العمل بالمساجد التي كانت تشرف عليها السلطات الفرنسية أرغمه على العودة الى البادية في مسقط رأسه وبالتالي العودة للعمل في الفلاحة مع عائلته، في انتظار أيام أخرى حبلى بالمستجدات تحضيرا لثورة نوفمبر المباركة، لينضم للجهاد المسلح مقبلا غير مدبر ودون أي تردد، لما عاناه من حقرة وتهميش من طرف المستعمر البغيض وأزلامه.
نضاله إبان الثورة المجيدة
بعد اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة عام 1954، إنخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني وكلف بتولي القضاء الشرعي و«إصْلاحُ ذاتِ البَينِ» بجهة إقامته في شرق البلاد، حيث اتسمت أحكامه – حسب بعض معاصريه – بالعدل والانصاف، كما كلف بتحرير التقارير والمعاملات بين الجزائريين في مختلف صراعاتهم المحلية والعائلية، الى أن ألقي عليه القبض من طرف الاستعمار الفرنسي البغيض سنة 1957، ليفرج عنه عام 1959.
بعد هذا الإفراج المشروط المكمم للأفواه، لم يكن الشيخ ليركن الى الراحة والاستسلام، بل عمل مثل أقرانه في جهات أخرى وعلى جبهات أخرى، كسلفه شيخنا العلامة محمود بوزوزو(1918-2007)، ما أن أطلق سراحه من السجن في العاتمة وهوممنوع من العمل الصحافي بعد مصادرة مجلة المنار، فتح باب تأسيس المدارس الحرة والعمل بها بعيدا عن محل سكناه، ذلك ما تيسر أيضا للشيخ مزياني ليواصل جهاده التربوي والسياسي الى غاية استقلال الجزائر الأعرج، سنة 1962.
نشاطه وجهاده التربوي بعد الاستقلال
عين الشيخ الربيعي مزياني أول مدير بمدرسة التربية والتعليم بمدينة عين البيضاء( ولاية أم البواقي)، التي كانت تابعة لجمعية العلماء المسلمين (من عام 1962 إلى عام 1964) وواصل مهمة التدريس، ثم مديرا لملحقة مدرسة أساسية (12 نوفمبر 1962 الى 17سبتمبر1967)، كما تبينه الوثيقة المرفقة لمديرية التربية الوطنية بولاية قسنطينة، الموقعة من طرف مصلحة الموظفين والتفتيش بولاية قسنطينة بتاريخ 23 جانفي 1989م.
بعد الخروج من سلك التعليم، انخرط في ميدان عمله الأصلي الأول أي الوعظ والارشاد، ليعين إماما وخطيبا في المسجد العتيق والوحيد أيامها في مسكيانة ولاية أم البواقي، حاليا مسجد بلال بن رباح في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتحديدا من سنة 1969 الى عام1990، فاشتغل بالخطابة والتدريس والفتوى فانتفع بعلمه خلق كثير بولاية أم البواقي، مدة عقود من حياته.
وكاتب هذه السطور، لا يزعم أنه احتك بالإمام الشيخ الربيعي مزياني أوتتلمذ مباشرة عليه، إلا أنه تعرف عليه عابرا في ثمانينات القرن الماضي لما كان يعود من العاصمة لزيارة أهله وأقاربه، فيحضر بعض خطبه ودروسه بعربية فصيحة عذبة وقوية وكان حكيما في فتاويه كجاره وأستاذه شيخنا الإمام الأخضر بوكفة بعين البيضاء (المعروف عنه مقولة: «لا يفتى والشيخ لخضر بوكفة في البيضاء»)، رحمهما الله، حيث كنت كثيرا ما أراه يجلس بجوار المسجد، على الشارع الرئيسي (تبسة – قسنطينة)، ومن المحتكين به، جدي صباحي الذي كان كلما عاد من العاصمة أحضر معه «صخورا» من حلويات «النوقة» و« الشامية» ليوزعها على خالاتي مع نصيب للإمام الربيعي مزياني، لست ادري هل هوتبرك به أم علاقة ما بينهما، كما أذكر أيضا عمي الوردي حابس، مجاهد ومعطوب الثورة، رحمه الله، الذي كثيرا ما رأيته معه في نقاش لا ينتهي، كالمريد مع شيخه، وأحيانا حتى داخل سيارة عمي، وأخرى وهم جالسون على صخرة في شكل كرسي بجوار المسجد، ورغم قلة الزاد العلمي لعمي الوردي، إلا أنه يعرف القليل من اللغة العربية ويحفظ بعض الأجزاء فقط من القرآن الكريم، رغم ذلك فقد تعلم منه أمورا قانونية وشرعية جمة خولته لفض النزاعات بين الناس، الامر الذي يسر لعمي الوردي بن عياد حابس أن يكون عضوا في لجنة «إصْلاحُ ذاتِ البَينِ» وفض النزاعات بولاية أم البواقي في المحاكمات العرفية بين الناس والعشائر وأمور أخرى، في ذلك الزمن الجميل!!.
وبمناسبة ذكرى رحيله، ندعوالله له مخلصين أن يجدد عليه الرحمات ويبعثه في جنان الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».