نساء أزهرت بهن الدنيا زهيرة عابدين «أسطورة قلّما تتكرر» (1917م-2002م)

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ كثيرا ما يكون المنصب والوظيفة منتهى آمال معظم النساء، رغبة في إثبات الوجود وتحقيق الذات. ثم يذهب ما يحصّلن من مال في الزينة والرفاهية، وما لا يعود على الحياة بخير يذكر. سيدة المقام اليوم امرأة من الزمن الجميل الذي قلت فيه العالمات، ولكن من برزن فيه كن مميزات. لم يكن (يا …

فبراير 24, 2025 - 16:29
 0
نساء أزهرت بهن الدنيا زهيرة عابدين «أسطورة قلّما تتكرر» (1917م-2002م)

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/

كثيرا ما يكون المنصب والوظيفة منتهى آمال معظم النساء، رغبة في إثبات الوجود وتحقيق الذات. ثم يذهب ما يحصّلن من مال في الزينة والرفاهية، وما لا يعود على الحياة بخير يذكر. سيدة المقام اليوم امرأة من الزمن الجميل الذي قلت فيه العالمات، ولكن من برزن فيه كن مميزات.
لم يكن (يا صديقتي الطبيبة) تخصص الطب هدفا لجمع الأموال في حياتها، بل كان وسيلة لتحقيق المفهوم الواسع للخلافة في الأرض، زهيرة عابدين انطلقت في مسارها العلمي بكل ثقة وحب لتخصصها، فاستطاعت أن تحدث تغييرا في الحياة المحيطة بها، فكانت أول طبيبة يسمح بتعيينها في هيئة التدريس بالجامعات المصرية، أما على المستوى الاجتماعي فقد قدمت لمجتمعها إنجازات عظيمة.
لقد ساعدت في انقاذ حياة كثير من الأطفال بتخصصها في طب الأطفال والروماتيزم إذ اكتشفت الميكروب المسبب لروماتيزم القلب عند الأطفال، وبفضل نشاطها العلمي في مجال تخصصها انخفض معدل الوفيات بهذا المرض في مصر من 47% إلى أقل من 3%. كما قدمت حوالي 120بحثا علميا، نشرت في مجلات عالمية.
عرفت الدكتورة زهيرة عابدين بنشاطها الاجتماعي الدائم، فكانت حبيبة الأطفال الفقراء واليتامى، والأرامل، تركت مجموعة كبيرة من الإنجازات الخيرية منها: إحداث تخصص الطب الاجتماعي، لأنها كانت ترى الطب رسالة قبل أي شيء آخر، وكانت حريصة على تحسين التعليم الإسلامي، كما أنشأت كثيرا من مراكز السكن للطلبة والطالبات …
قال عنها طه جابر العلواني بأنها كانت شاهدة على القرن الذي عاشت فيه، ذلك القرن الذي عرف الانفتاح على الثقافة الغربية، وكشف لنا كثيرا من التحديات التي كانت تنخر في فراغنا الحضاري لقد كانت تمثل أمة بل مشروعا كاملا ..
عاشت زهيرة عابدين في زمن انقسمت فيه النخبة، إلى فئة تعشق الفكر الغربي وتدعو إليه لأنها ترى فيه المثل الأعلى، فأصبحت المرأة الغربية هي القدوة للنساء العربيات. وكانت أهداف الفكر الغربي القضاء على الدور الرسالي للمرأة والأسرة، وقد نجح هذا التيار في جرف الكثير من المسلمين إلى صفه .
أتت زهيرة في هذا الزمن لتؤكد أن المرأة المسلمة يمكنها أن تحقق الأهداف الكثيرة دون خلل بين الدين والتحضر.
لقد فرضت وجودها في تخصص الطب، ونالت أعلى الدرجات، وتفوقت على المرأة الغربية والنساء المقلدات لها، بأن كانت إلى جانب تخصصها العلمي محافظة على ممارسة الدين بمعناه الحركي النقي، فاعلة في المجتمع بما يخدم الإنسان، مؤدية لوظيفتها الاستخلافية على أحسن وجه.
«كانت هرما من العزيمة مؤمنة بكل ما تعمل أو تقول، تفكر بكل عقول من معها…تنطق بكل آمالهم، وتكشف مكنوناتهم بنظرة نافذة. تتكلم بالود وتعبر عن اللوم ..»
قيل عنها يوم تكريمها من قبل العلماء الذين منحوها جائزة «إليزابيث نو رجال»، وهي أشهر جائزة تمنح للذين يقدمون خدمات تطوعية للإنسانية في مجتمعاتهم إنها «أسطورة قلما تتكرر». وقال زغلول النجار بأنه رأى فيها النموذج الأمثل للإنسان المسلم الذي حقق نجاحا كبيرا في دراسته وحياته .
لقد كانت زوجة فاضلة وأما ناجحة وعالمة أزهرت بها الدنيا.
رحمها الله وأسكنها فسيح الجنان وجعلها قدوة منيرة لدروب بناتنا.