في قاسيون.. ولقاءُ آلِ البُوطِي..
أ.عبد العزيز بن السايب/ بعد تناول «سندويشة» الفلافل توجهتُ وصديقي مراد بوطاوي إلى موقف حافلات «ركن الدين» لإدراك صلاة الظهر في مسجد «الرفاعي» الذي يصلي فيه سيدي الشيخ البوطي.. ومن التدابير الاحترازية أني صوَّرت رسالة سيدي الشيخ الغزالي قبل تسليمها للشيخ البوطي.. واحتفظتُ بالصورة.. خشيةَ أن تضيع الرسالة قبل وصولها ليد سيدي الشيخ.. خصوصا أن …

أ.عبد العزيز بن السايب/
بعد تناول «سندويشة» الفلافل توجهتُ وصديقي مراد بوطاوي إلى موقف حافلات «ركن الدين» لإدراك صلاة الظهر في مسجد «الرفاعي» الذي يصلي فيه سيدي الشيخ البوطي..
ومن التدابير الاحترازية أني صوَّرت رسالة سيدي الشيخ الغزالي قبل تسليمها للشيخ البوطي.. واحتفظتُ بالصورة.. خشيةَ أن تضيع الرسالة قبل وصولها ليد سيدي الشيخ.. خصوصا أن اسم الشيخ الغزالي كان محظورا في بلاد الشام..فاسمه في أوائل قائمةِ المغضوب عليهم..
ركبنا الباص..وتوقفنا عند دوار ركن الدين..عند جامع «الرُّكْنِية» فترجلنا على ربوة جبل قاسيون..وانطلقنا في نَبَاوَتِهِ صُعُدًا..ثم وَجَلَنَا فوهَةَ شارعٍ تتراص البيوت عن يمينه وشماله..
وصلنا إلى مسجد «الرفاعي» وهو مسجد تصادفه عن يمينك وسط شارع شعبي..لا تكاد تنتبه له حتى تقف أمام بابه، لضيق الحارات هناك وتلاصق البنايات..ولأن بصركَ مُطَأْطَأ مع رأسكَ لازدياد حِدَّةِ الارتفاع كلما أوغلتَ في الشارع..
هذا المسجد الذي صار اسمه «مسجد الملَّا رمضان البوطي» بعد رحيل الشيخ الجليل..
وأنقلُ هنا حرفيا مقالا وصفتُ فيه هذه الزيارة حين أوَّل لقاء بآل البوطي في مسجد حيِّ سُكناهم..
وهو أوَّلُ مقالٍ افتتحتُ به هذه السلسلة في هذه الصفحة عبر هذا الفضاء الأزرق.. نُشِرَ بتاريخ: 30/12/2017..تحت عنوان: «بِرُّ الوَالِدَينِ..»..وها أنا ذا أُعيد نشره دون تغيير، كَتَبْتُ وقتَها:
وصلتُ إلى دمشق الشام في صدر شهر سبتمبر من سنة 1988م.. مُحَمَّلًا برسالةِ توصيةٍ عزيزة من شيخي الكبير محمد الغزالي إلى شيخي الفاضل محمد سعيد رمضان البوطي ـ رحمهما الله تعالى ـ لتسهيل تسجيلي في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
ولم أتمكن من زيارته إلا في اليوم الثاني من وصولي، ذهبتُ إلى كلية الشريعة فلم أجده هناك، فدَلُّوني على المسجد الذي يُصَلِّي فيه الشيخُ عادةً .
وصلتُ المسجد قبل الظهر، فمكثتُ أنتظر دخولَ الشيخ لتكتحل عيناي بمرآه مباشرة لأول مرة، ولأسلمه الرسالة.
وأثناء الانتظار بين أذان الظهر والإقامة دخل شيخٌ عجوزٌ وَقُورٌ، طَاعِنٌ في السنِّ، مُنْحَنِي الظهر، ففتح له الناسُ طريقا حتى وصل إلى الصف الأول.
أُقيمت الصلاة ولم يدخل الشيخ البوطي بَعْدُ، فقلت في نفسي (تلك إذاً كَرَّةٌ خاسرة)، سأُعَاود الكرة غدا إن شاء الله تعالى.
ولما فرغنا من الصلاة التفتُّ إلى مؤخرة الصفوف فطار قلبي فرحا حين لَمَحْتُ الشيخَ وهو يُتِمُّ صلاتَه..مَسْبُوقًا.
فتربصتُ حتى فرغ من صلاته، وإذ به يَقومُ مُسرعا..فسَابَقْتُهُ قبل أن يخرج من المسجد.. فأخبرته خبري.. وإذا به يُرَحِّبُ بي على عَجَلٍ.. ويَستلمُ الرسالةُ.. ويَعتذر بأنه قَلِقٌ لأنه لم يَرَ والدَه وقد خرج من المسجد..ولا بُدَّ أن يَلحق به..
وضَرَبَ لي مَوعدا في كلية الشريعة..وخرج مستعجلا وأنا ما زلتُ في دهشتي.. ولم أُفْقِ إلا وقد عاد الشيخُ إلى المسجد ليأخذ محفظته.. فقد نَسِيَها في المسجد لَمَّا خرج عَجِلا..
ظَنَنْتُ أنَّ الشيخَ لم يجتمع بوالده منذ مدة طويلة.. فلَمَّا استخبرتُ عن الأمر عَلِمْتُ أنه كان معه في صلاة الصبح، لكن لأنه لم يُجالسه منذ الصبح، ولَمَّا لم يَلحقه في الظهر؛ ارتبكَ كُلَّ ذلك الارتباك.. فزادتْ صَدْمَتِي ..أَكُلُّ هذا حُبًّا لوالده.. وبِرًّا به..
فأردتُ أن أَتَعَرَّفَ على ذلك الوالد.. الملا رمضان البوطي.. فإذا به ذلك الشيخ الذي فُتِحَتْ له الصُّفوفُ وأنا في المسجد.. فأكرمني الله جل جلاله بالشيخ ووالده رحمهما الله تعالى في يومٍ واحد ومكانٍ واحدٍ..
وتَعَرَّفْتُ عن كَثَبٍ على قصة البِرِّ العجيبِ الذي بين هذا الولد المحبِّ البارِّ وذلك الوالد الصالح الزاهد..
ولَمَستُ فَدَاحَةَ الخيبةِ وعُمْقَ الخسارةِ التي نحن فيها ..
وزاد يقيني أنَّ كثيرا مما وُفق له الشيخ البوطي هو من فَيض ذلك البر بوالده..