هل أصبح الرئيس دونالد ترامب مقاول اليمين الصهيوني المتطرف؟ !
أ. عبد الحميد عبدوس/ قبل حوالي أربع سنوات وصفت، ماري ترامب، عمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه: «أخطر رجل في العالم». إذ قالت عالمة النفس الأمريكية ماري ترامب في مذكراتها تحت عنوان «كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟»، بأن عمها: «مصاب بالنرجسية المرضية». كذلك يعتقد الصحفي البريطاني الشهير، ديفيد هرست، أن دونالد ترامب، «يشكل …

أ. عبد الحميد عبدوس/
قبل حوالي أربع سنوات وصفت، ماري ترامب، عمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه: «أخطر رجل في العالم». إذ قالت عالمة النفس الأمريكية ماري ترامب في مذكراتها تحت عنوان «كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟»، بأن عمها: «مصاب بالنرجسية المرضية». كذلك يعتقد الصحفي البريطاني الشهير، ديفيد هرست، أن دونالد ترامب، «يشكل خطرا حقيقيا على العالم وحتى على الولايات المتحدة الأمريكية». لم يقنع الرئيس الأمريكي بملايير الدولارات التي يكتنزها، لكنه عبر عن طمعه في تجريد أهل غزة من أرضهم وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط «قائلا إنه: «ملتزم بشراء غزة وامتلاكها …وإن غزة موقع عقاري مميز لا يمكن أن نتركه».
مقترحه بتهجير الفلسطينيين من غزة، أثار موجات متعاقبة من الرفض والسخرية في الأوساط الشعبية والرسمية في العالم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية أعرب ثلثا النواب الديمقراطيين (145 نائبا ديمقراطيا في مجلس النواب الأمريكي) عن صدمتهم من دعوة الرئيس الأمريكي، فوجهوا له رسالة طالبوه فيها بالتراجع عن تصريحاته الخطيرة.. كما كشف استطلاع للرأي أن 64% من الأمريكيين عارضوا خطة رئيسهم دونالد ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه. من أغلب قارات العالم إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا، ومن أغلب المنظمات والهيئات الدولية على غرار جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والفاتيكان، توالت بيانات الرفض على مقترح دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وحتى رئيس الحكومة البريطانية الأسبق اليميني بوريس جونسون لم يفوت الفرصة للسخرية والاستهزاء بمقترح صديقه وحليفه السابق دونالد ترامب قائلا: «إن «مار إيه لاغو»، (وهو منتجع يملكه دونالد ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا)، هو مكان رائع لإعادة توطين سكان قطاع غزة». لكن رغم هذا الرفض العالمي لمقترح إخلاء قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين وتحويلها إلى منتجع سياحي أمريكي، ظل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، متمسكا بمشروعه الاستثماري الاستعماري، بحجة أن قطاع غزة قد دمر بالكامل، وأصبح غير صالح للحياة في وضعه الحالي. المفارقة أن دونالد ترامب الذي أبدى قلقه وانزعاجه من حجم الدمار الذي لحق بغزة، واصفا إياها بأنها: «أصبحت جحيمًا ولا يمكن أن تستوعب أي إنسان»، كان في نفس الجلسة يكيل المديح لضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي المجرم بنيامين نتياهو المتهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعتبر نتنياهو هو المسؤول الأول عن إلحاق كل ذلك القدر المرعب من الدمار والمآسي الإنسانية بقطاع غزة، وأكد ترامب للصحافيين أن نتنياهو يريد السلام!.
صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي قدم خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لغزة لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه ليتجرأ على طرحها. لذلك يتساءل المرء عما إذا كان الرئيس دونالد ترامب يعتقد انه يمكن تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ونقلهم كما تنقل البضائع الصماء أو البهائم العجماء إلى خارج وطنهم؟ كيف يمكن لهذا الطاغية المتغطرس أن يصدق أن ملايين الفلسطينيين الذين قاوموا على مدى عشرات العقود من السنين بكل وسائل المقاومة المادية والمعنوية الممكنة، وبكل أنواع الأسلحة المتوفرة لديهم بصواريخهم المحلية الصنع، ومن قبل ببنادق بدائية وعصي خشبية وحجارة، وحتى بأياديهم المجردة، عدوان الاحتلال الإسرائيلي المدجج بأقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية وكبرى الدول الغربية، يمكنهم اليوم أن ينصاعوا طواعية أو قسريا للتخلي عن وطنهم والانتقال إلى أراض أخرى سواء أكانت في مصر أو الأردن أو ألبانيا وأوكرانيا أو المغرب للعيش فيها؟ كيف يمكن لدونالد ترامب المقاول المقامر أن يصدق أن سكان غزة الذين صمدوا خلال15 شهرا من الجحيم فوق أرضهم، يمكنهم الموافقة بكل بساطة على رغبته الأنانية التي عبر عنها جهارا في تصريحاته الأكثر جنونا في تاريخ التصريحات الرئاسية في تاريخ العالم، بالسيطرة على أرضهم لتمكينه من كسب المزيد من الدولارات في صفقة عقارية مجنونة؟.
لقد تمادى دونالد ترامب في عهدته الرئاسية الأولى (2016ـ 2020) في إهانة العرب والمسلمين ،حيث اعترف في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، رغم معارضة 14 عضوًا في مجلس الأمن الدولي، كما أعلن في مارس2019، تأييده لبسط إسرائيل سيطرتها على الجولان السوري الذي احتلت أجزاء كبيرة منه عام 1967، والذي لم يعترف المجتمع الدولي بضم إسرائيل له عام 1981، وحاول إجبار القيادة الفلسطينية على التوقيع على وثيقة ا لاستسلام الكامل للمحتل الصهيوني،عبر اتنفيذ مشروع «صفقة القرن». كل هذه المظالم والاستفزازات والانتهاكات القانونية من طرف الرئيس دونالد ترامب، لم تثن بعض الزعماء العرب والمسلمين من التفاخر بصداقتهم له والهرولة للرضوخ لأوامره بالتطبيع مع إسرائيل، دون التزام من إسرائيل بمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة وإرجاع الحقوق المشروعة لأصحابها الفلسطينيين. لكن يبدو، اليوم، أن تعامل القادة العرب مع قضية تهجير الفلسطينيين أصبح مختلفا عما درجوا عليه في السابق.. إذ، ليس هناك شك، في أنه من الصعب على أي حاكم عربي أن يتحمل أمام شعبه مسؤولية المشاركة في حدوث نكبة ثانية للفلسطينيين بالموافقة على تهجيرهم من أرضهم. لقد نقلت وسائل إعلام عربية ودولية، رفض عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، مقترح ترامب بتهجير سكان غزة إلى الأردن، وكرر هذا الرفض في وجه ترامب داخل البيت الأبيض،كما عبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن رفض مقترح التهجير، ورفض حتى زيارة الولايات المتحدة الأمريكية في حالة إذا ما اقتصر موضوع اللقاء مع دونالد ترامب على مناقشة مشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن. ولأن كلام الرئيس الأمريكي يناقض آخره أوله، فقد حاول البعض تفسير أفكار ترامب الغريبة والمتطرفة بأنها مجرد مظهر من مظاهر أسلوبه الاستعراضي النابع من شخصيته كممثل سابق في تلفزيون الواقع، وشبهت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أسلوبه في التعامل مع الآخرين، بأسلوب الملاكم الأمريكي الشهير، مايك تايسون، الذي يرى أن «كل شخص لديه خطة قبل أن يتلقى لكمة في الأسنان»، فهو يضرب أولا ثم يتفاوض، ولكنه في مجال التفاوض لم يحترم سوى قانون واحد هو قانون «الضغط الأقصى». إن دونالد ترامب نفسه هو الذي قال في كتابه «فن إبرام الصفقات» الصادر سنة 1987: «أسلوبي في إبرام الصفقات بسيط ومباشر للغاية، أضع أهدافًا عالية للغاية، ثم أواصل الضغط والضغط والضغط حتى أحصل على ما أريد، وعليك التحلي بأقصى درجات الصبر…».
إن مواجهة مشاريع ترامب الذي دفعه الغرور للاعتقاد بأنه أصح يملك مفاتيح أبواب الجحيم يفتحها عندما يشاء ويغلقها حين يشاء، سواء أكانت مجرد أسلوب تفاوضي استعراضي، وفرقعة إعلامية لإثارة الانتباه، أم خطة شريرة ومبيتة لتنفيذ أجندات اليمين الصهيوني المتطرف، ومطامع غلاة المستوطنين اليهود لتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، لابد أن تقوم على التصدي الجاد والجماعي والمتضامن للدول العربية لمقترح ترامب، خصوصا خلال القمة العربية الطارئة التي ستحتضنها جمهورية مصر العربية في27 فيفري الجاري،بتأييد المقترح العربي البديل لمقترح ترامب، المشروع العربي الذي يتضمن إعادة اعمار غزة في وجود أهلها، ورفض التهجير تحت أي ظرف أو مبرر، خصوصا أن المقترح العربي يتطابق مع رأي الأمم المتحدة التي أكد مقررها المكلف بالحق في السكن، يوم 8 فيفري الجاري: «أن إعادة إعمار قطاع غزة ممكنة دون الحاجة إلى تهجير سكانها» .