هيمنة منطق القوة في العالم.. أي مستقبل للضعفاء!
عاد منطق القوة لِيحكم العالم من جديد اليوم وبطريقة أكثر شراسة عما كان عليه قبل 20 سنة من الآن. لا تتردد دول في الإعلان عن نيتها في ضم دول أخرى لها، أو الهيمنة على مضايق، أو السّيطرة على أقاليم شاسعة بعيدة عنها، لم تتوقف التصريحات الأمريكية عن الحديث عن إمكانية ضم كندا وغرينلاند وإعادة تسمية […] The post هيمنة منطق القوة في العالم.. أي مستقبل للضعفاء! appeared first on الشروق أونلاين.


عاد منطق القوة لِيحكم العالم من جديد اليوم وبطريقة أكثر شراسة عما كان عليه قبل 20 سنة من الآن. لا تتردد دول في الإعلان عن نيتها في ضم دول أخرى لها، أو الهيمنة على مضايق، أو السّيطرة على أقاليم شاسعة بعيدة عنها، لم تتوقف التصريحات الأمريكية عن الحديث عن إمكانية ضم كندا وغرينلاند وإعادة تسمية خليج المكسيك والسيطرة على قناة بنما! والكيان الصهيوني لم يعد يتردد في الادعاء بأن لا وجود لفلسطين من الأساس ويسمح لنفسه بنشر خرائط توسعية في أقاليم دول أخرى مثل الأردن ولبنان وسوريا زاعما أنها تاريخيا تعود له! ناهيك عن إقراره ضم الضفة الغربية منذ أيام! وكيانات أخرى دون الدولة في سوريا وشمال العراق و جنوب تركيا باتت تستند لمنطق القوة لِتُعلن سيطرتها على هذا الإقليم أو ذاك أو تهديد هذه الدولة أو تلك… ولولا الخوف من امتلاك البعض القدرة على الدفاع عن أنفسهم وعلى أراضيهم لتم إحداث تغييرات لا تُعَد ولا تُحصى في خرائط جميع دول العالم… يكفي للدلالة على ذلك أن الخوف من قوة الصين هو وحده الذي مازال يمنع الأمريكيين من الاعتراف الرسمي بتايوان دولة مستقلة تماما عن الصين، كما أن الخوف من قوة روسيا هو وحده الذي مازال يمنع من غزوها من قبل الغربيين بعد أن استبقت لعبتهم وقامت بتغيير خريطة حدودها الغربية مع أوكرانيا قبل أن يقوموا هم بذلك، وبالقوة فعلت وفق منطقهم…
وما يؤكد أن هذا الاتجاه بات هو الغالب في العلاقات الدولية اليوم، أن الدول الأقوى أصبحت تهاجم الأضعف أو محدودة القوة بلا رقيب ولا حسيب ولا أدنى اعتبار للقانون الدولي.
كل الدول التي تم غزوها لحد اليوم هي الأضعف.. الدول الضحية منذ عقدين من الزمن هي الدول الهَشَّة أو غير القادرة على الدفاع عن نفسها، من العراق، إلى أفغانستان إلى سوريا إلى اليمن إلى السودان إلى الصومال إلى أرمينيا وأذربيجان إلى أوكرانيا، جميعها دول محدودة القوة أو تعيش اضطرابات داخلية وليس في مقدورها صد العدوان.. وآخرها، غزة في فلسطين حيث يبرز بوضوح مفهوم هيمنة منطق القوة بكل ما تحمل العبارة من دلالات: للعام التالي على التوالي وأمام مرأي العالم أجمع، يتم تدمير كل مقومات الحياة في قطاع محدود المساحة مكتظ بالسكان، تدميرا مُمنهَجا وكُلِّيا إلى حد الإبادة الجماعية بجميع الوسائل دون أي ردع ولا محاسبة، فقط لأن الأقوياء يعرفون أن ليس للمقاومة في هذا القطاع قدرات ردع كبيرة، ولا إمكانيات للرد على الهجوم بمثله. مما يعني أن هيمنة منطق القوة اليوم لم يعد يسمح للضعفاء حتى بالحق المكفول في الدفاع عن النفس أو المطالبة بالحقوق ضمن ما كان يُعرَف في أدبيات القانون الدولي في النصف الأخير من القرن العشرين بـ “حق الشعوب في الدفاع عن نفسها من أجل الحرية والاستقلال”.
لقد اتفق الأقوياء الغربيون ظلما على اعتبار “طوفان الأقصى” عملا إرهابيا تجب إدانته، وتنادوا متضامنين ليصفوا ما يقوم به الكيان الصهيوني من تدمير مُمَنهَج وإبادة جماعية “دفاعا” عن النفس يجب عليهم دعمه بكافة الوسائل ضمن منطق صاحب القوة هو الأحق في كل الحالات، وهكذا فعلوا وما زالوا يفعلون!!!
وعشنا ونعيش التجربة ذاتها مع اليمن التي لم يقبل كبار الأقوياء الغربيين أن يكون لهذه الدولة قرار سيادي تدعم من خلاله المستضعفين في غزة، فتحالف ثلاثة منهم، الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبريطانيا لضرب جميع ما رصدته أقمارهم الصناعية من عناصر قوة دفاعية لديها لمنعها من امكانية الدفاع عن النفس والعيش بكرامة بعيدا عن رفع راية الاستسلام أمام الأقوياء…
بكلمة واحدة: في عالم اليوم لم تعد القوة خيارا من بين خيارات الدول، بل أصبحت هي الخيار الوحيد الذي بدونه لن يمنَع الأقوياء الضعفاء من حق الدفاع عن النفس فحسب بل يمنعونهم حتى من الحق في الحياة…
( سبق نشره – بتصرف)
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post هيمنة منطق القوة في العالم.. أي مستقبل للضعفاء! appeared first on الشروق أونلاين.