يوم الفتح المبين وتطهير البلد الأمين من الشرك والمشركين
أ. محمد مكركب نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ كان يوم فتح مكة المكرمة، البلد الأمين، اليوم العشرين من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة. يوم دخول جيش المسلمين الفاتحين تحت قيادة خاتم النبيين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وهو يوم المرحمة، ويوم النصر، ويوم العفو، ويوم الطلقاء، ويوم دخول الناس في دين …

أ. محمد مكركب
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
كان يوم فتح مكة المكرمة، البلد الأمين، اليوم العشرين من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة. يوم دخول جيش المسلمين الفاتحين تحت قيادة خاتم النبيين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وهو يوم المرحمة، ويوم النصر، ويوم العفو، ويوم الطلقاء، ويوم دخول الناس في دين الله أفواجا. والطلقاء: هم الذين عفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة وأطلقهم فلم يسترقهم، ولم يعاقبهم، ولم يقتص منهم. والفتح في اللغة يطلق على معنى القضاء، والحكم والفصل، والتمكين، قال الله تعالى: (إنَّا فتَحْنا لَك فَتْحا مُبينا) وفي لسان العرب: {قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مُبِينًا أَي حَكَمْنَا لَكَ بإِظهار دِينِ الإِسلام وَبِالنَّصْرِ عَلَى عدوِّكَ، قَالَ الأَزهري: قَالَ قَتَادَةُ أَي قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً فِيمَا اخْتَارَ اللَّه لَكَ مِنْ مُهادَنةِ أَهل مَكَّةَ وَمُوَادِعَتِهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وأَكثر مَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه فَتْحُ الحُدَيْبية} (لسان العرب:2/538) ومنذ اليوم العشرين من رمضان سنة ثمان للهجرة صارت أم القرى تحت إشراف الدولة الإسلامية، بإمامة إمام المرسلين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. وتعتبر مكة، والمدينة، والقدس، ثلاث عواصم دينية للأمة الإسلامية. ففتح مكة وهو الفتح الإسلامي الأساس الذي بنيت عليه كل الفتوحات من بعده. بدأ بيوم الحديبية، يوم الصلح، ويوم بيعة الرضوان. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾ قد فتحنا لك يا محمد مكة فتحاً بيناً ظاهراً، قضينا بشأنها قضاء لصالحك، وحكمنا لك بالفتح المبين على أعدائك، والمراد بالفتح المبين فتح مكة، وعده الله به قبل أن يكون في واقع الناس، وذكره بلفظ الماضي لتحققه، وكانت بشارة عظيمة من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين قال المفسر الزمخشري: (هو فتح مكة، وقد نزلت سورة الفتح يوم مرجع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم، عن مكة عام الحديبية، وهو وعدٌ له بالفتح، وجيء به بلفظ الماضي على عادة ربّ العزَّة سبحانه في أخباره، لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن الفتح) وتميزت غزوة الفتح بأمور، تتطلب منا الدراسة والبحث والاعتبار. منها: 1 ـ حفظ أسرار الوطن والدولة، وتحمل المسؤولية، ومنها الحرص على مراقبة الجواسيس والعيون الأجنبية، وكل ما يدور في الساحة الوطنية وما حول الوطن، ونشر الوعي المجتمعي، ليكون كل مواطن يقظا مدركا لعظمة أمانة حفظ الوطن، والدفاع عنه، ومنه وجوب يقظة ولاة الأمور، مما قد يحدث من خيانات ومكائد ودسائس، ولكن بالحكمة والذكاء وليس بالتسلط والاستبداد. ومن ذلك قصة خطأ حاطب بن أبي بلتعة. في قصة غزوة الفتح، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد. فقال: [ائتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها] فانطلقنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين، من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا حاطب ما هذا؟] قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [صدق] فقال عمر: دعني، يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: [إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم] فأنزل الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء﴾ 2 ـ ومن العبر لحكام المسلمين، مما نعتبره ونتعظ به من قصة حاطب: أنه ليس كل من يخطئ سياسيا أو أمنيا، أو يعارضنا الرأي مهما كان، ليس بالضرورة أنه عدو، ويجب إقصاؤه، أو التخلص منه، إلا من أعلن العنف صراحة، كالحرابيين مثلا. 3 ـ ومن قصة حاطب يأخذ العبرة والموعظة كل من يريد التودد للكافرين والمشركين عن غفلة وسذاجة أو عن جهل، فليعلم أنهم لا يفيدونه ولا يعينونه ولا يوفون له بعهد. وقد بين الله في القرآن أن قوما أرادوا أن يوالوا الكافرين، وأردوا أن يتوددوا لليهود والنصارى، فأخبر الله عز وجل، أنهم لا ينالون إلا الندم والحسرة. فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾ (المائدة:52) الذين في قلوبهم من الشك والنفاق وعدم اليقين بحكم الله تعالى، تراهم يسارعون في موالاة اليهود والنصارى يخافون أن ينتصر الكفار على المسلمين فيكونون من أصدقائهم على حد زعمهم أو على حد جهلهم، قال ابن عباس: أتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير. وخسر هنالك اليهود ومن والاهم. وأمر الله سبحانه المسلمين حكاما ومحكومين، أمرهم بالاعتبار فما اعتبروا. قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ 4 ـ ومن العبر الجليلة في تجهيز غزوة الفتح المبين. أن النبي عليه الصلاة والسلام، عندما بلغه خبر نقض العهد من قبل قريش، لم يجدد لهم المعاهدة، ولا الهدنة، وجهز للغزوة بالسر والكتمان وكان النصر المبين، وبعض الحكام لا يزالون يثقون في خيانة اليهود ونقضهم للعهود. ورد في التاريخ أن قبيلة بني بكر التي هي في عقد قريش، اعتدت على خزاعة التي هي في عقد النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلت منها نحو عشرين رجلا، وأمدت قريش بني بكر بالمال والسلاح، فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، غضب غضبا شديدا، وتجهز لقتال قريش. وكان ماكان من النصر والتمكين للمسلمين. ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾