الاستقامة والثبات على الدين

د. بن زموري محمد */ الاستقامة والثبات على الدين من أعظم القيم الإسلامية التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهي دليل صدق الإيمان وقوة العزيمة، وهي التي تميز المؤمن عن غيره في أوقات الشدائد والابتلاءات. فالاستقامة تعني الالتزام بطاعة الله والثبات عليها دون تراجع أو تردد، مهما كانت الظروف. وقد أمر الله نبيه …

أبريل 7, 2025 - 16:08
 0
الاستقامة والثبات على الدين

د. بن زموري محمد */

الاستقامة والثبات على الدين من أعظم القيم الإسلامية التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهي دليل صدق الإيمان وقوة العزيمة، وهي التي تميز المؤمن عن غيره في أوقات الشدائد والابتلاءات. فالاستقامة تعني الالتزام بطاعة الله والثبات عليها دون تراجع أو تردد، مهما كانت الظروف.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، فقال: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾ [هود: 112]، وهذا دليل على أهمية هذا الخُلق العظيم في حياة المسلم. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإسلام، أجاب بقوله: «قل آمنت بالله ثم استقم» (رواه مسلم)، مما يدل على أن الاستقامة هي التجسيد العملي للإيمان.
أهمية الاستقامة والثبات على الدين
الاستقامة ليست مجرد كلمة تُقال، بل هي التزام دائم بكل ما أمر الله به، وابتعاد عن كل ما نهى عنه. ومن أهمية الاستقامة والثبات على الدين ما يلي:
1. النجاة في الدنيا والآخرة: فمن استقام على طاعة الله، عاش في سكينة وطمأنينة، وكان من الفائزين في الآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: 13].
2. تحقيق رضا الله ومحبته: فالاستقامة من أسباب محبة الله لعباده، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
3. الحماية من الفتن: فمن ثبت على الدين، لم تهزه الشهوات والشبهات، بل يكون ثابتًا على الحق مهما كثرت التحديات.
4. الرفعة في الدنيا والآخرة: فالمستقيمون لهم مكانة عظيمة عند الله، وهم القدوة الحسنة للناس.
نماذج من استقامة النبي والصحابة
1. استقامة النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا حيًا للاستقامة والثبات، فقد ثبت على دعوته رغم الأذى الشديد الذي تعرض له. فقد عرض عليه المشركون المال والملك ليترك دعوته، فقال كلمته الشهيرة: «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه».
2. أبو بكر الصديق رضي الله عنه
عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، اضطربت الأمة، حتى قال بعض الصحابة: «إن رسول الله لم يمت»، فقام أبو بكر رضي الله عنه وقال كلمته الشهيرة: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، فثبت الناس بفضل حكمته وثباته.
3. بلال بن رباح رضي الله عنه
تحمل بلال رضي الله عنه صنوف العذاب في سبيل دينه، فكان يُطرح في الرمضاء وتوضع الصخور الثقيلة على صدره، لكنه ظل يردد: «أحدٌ أحد»، ولم يتزحزح عن إيمانه قيد أنملة.
4. خبيب بن عدي رضي الله عنه
عندما أسره المشركون وعرضوا عليه النجاة مقابل أن يُسلِم رسول الله لهم، قال: «والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي، وأن محمدًا يُشاك بشوكة تؤذيه»، فثبت على دينه حتى قُتل شهيدًا.
عوامل تحقيق الاستقامة والثبات على الدين
لكي يكون المسلم مستقيمًا وثابتًا على دينه، لا بد من تحقيق بعض العوامل الأساسية، ومنها:
1. الإخلاص لله تعالى
الإخلاص هو الأساس الذي تبنى عليه الاستقامة، فمن كان مخلصًا لله في عمله، ثبت على دينه ولم تؤثر فيه المغريات أو التهديدات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (متفق عليه).
2. التمسك بالقرآن والسنة
القرآن الكريم هو النور الذي يهدي إلى طريق الاستقامة، والسنة النبوية هي المنهج الذي سار عليه الصحابة والسلف الصالح، فمن تمسك بهما، كان على الصراط المستقيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي» (رواه الحاكم).
3. كثرة الدعاء
الدعاء من أعظم أسباب الثبات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي).
4. مصاحبة الصالحين
الصحبة الصالحة تعين على الطاعة، وتثبت الإنسان عند الفتن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه أبو داود).
5. مجاهدة النفس
الاستقامة تحتاج إلى جهاد مستمر للنفس، فالنفس تميل إلى الكسل والشهوات، فلا بد من مقاومتها. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].
معوقات الاستقامة والثبات
هناك العديد من الأمور التي قد تعيق استقامة الإنسان، ومنها:
1. الشهوات: فحب الدنيا والانغماس في الملذات قد يبعد الإنسان عن طريق الاستقامة.
2. الشبهات: كالأفكار المنحرفة التي تحاول زعزعة عقيدة المسلم.
3. الرفقة السيئة: فإن الصديق السيئ قد يجر صاحبه إلى المعاصي.
4. الغفلة عن ذكر الله: فمن نسي ذكر الله، ضعف قلبه وسهل عليه الانحراف.

ثمار الاستقامة والثبات على الدين
الاستقامة ليست مجرد واجب، بل لها ثمار عظيمة تعود على صاحبها، ومنها:
1. الحياة الطيبة: قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].
2. رضا الله وجنته: فقد وعد الله المستقيمين بالفوز العظيم، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [فصلت: 30].
3. النصر في الدنيا: فالثابتون على الحق هم الذين ينصرهم الله، كما حدث مع الصحابة في غزوة بدر وغيرها.
وأخيرا
الاستقامة والثبات على الدين هما سر النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، وهما طريق السعادة الحقيقية. فعلينا أن نتمسك بديننا، ونثبت على طاعة الله، ونتجنب الفتن والشهوات، حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا.
نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.