البيان الحكيم في سيرة محمد في القرآن الكريم

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ السيرة الحقة لخاتم النبيين تؤخذ من بيان القرآن، ومن الأحاديث النبوية الشريفة، ومما أجمع عليه علماء التاريخ والمجتهدون من المفسرين والمحدثين والفقهاء.كيف لا؟ وقد أمَرَ اللهُ النبي بأن يتبع ما أوحي إليه من ربه. فقال له الله سبحانه وتعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ …

سبتمبر 17, 2025 - 15:06
 0
البيان الحكيم في سيرة محمد في القرآن الكريم

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

السيرة الحقة لخاتم النبيين تؤخذ من بيان القرآن، ومن الأحاديث النبوية الشريفة، ومما أجمع عليه علماء التاريخ والمجتهدون من المفسرين والمحدثين والفقهاء.كيف لا؟ وقد أمَرَ اللهُ النبي بأن يتبع ما أوحي إليه من ربه. فقال له الله سبحانه وتعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل:89) إن أبين بيان حكيم وأصدق نبأ عظيم كلام الله العزيز الحكيم، مما أوحاه الله سبحانه إلى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، إنه القرآن الكريم، تنزيل رب العالمين، فيه نبأ ما قبلنا من تاريخ الأمم الغابرة، وفيه خبر ما بعدنا إلى قيام الساعة والدار الآخرة، وفيه حكم ما بيننا في الحقوق والواجبات، والمعايش والمعاملات، والعقود والعلاقات، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هَدَى إلى صراط مستقيم. في هذا الكتاب الحكيم الجامع لأصول العبادات والمعاملات والقيم الأخلاق بالتفصيل والدليل، وقد ورد ذكر محمد النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، هذا النبي الذي جاء بالأصول الكبرى للدين: الإيمان، والإسلام، والإحسان، والخبر اليقين، على هُدَى كل الأنبياء السابقين، فبلغ ما أُنْزِلَ إليه من ربه، وقال لبني آدم الذين شهدوا زمن نزول الوحي، والذين جاءوا من بعدهم إلى يوم القيامة، قال لهم مما أُوحِيَ إليه من كلام رب العالمين: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (سورة إبراهيم: 52)
هذا القرآن بلاغٌ (كلام تام البيان وجامع البرهان، وكاف شاف واف جامع الهداية والتبيين للمتقين) وهو رسالة لجميع الخلق من الإِنس والجن، أنزله الله سبحانه لتبليغهم بما فيه من علوم الحِكم والعبر ومن الآيات والعظات، ولكي يتحققوا بما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة، على أن الله سبحانه وتعالى واحد أحدٌ، فردٌ صمد، وأنه له الخلق والأمر، وليتعظ بهذا القرآن أصحاب العقول السليمة. ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الرعد:19) إنما يتعظ بآيات الله ويعتبر بها ذوو العقول السليمة.
فمن أين يبدأ التعريف بخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام؟. يبدأ التعريف بأنه: {النبي، الرسول} فالسيرة النبوية مخصوصة بتاريخ الرسالة الإلهية الخاتمة. والنبي عليه الصلاة والسلام، عندما أراد أن يُثَبِّت أصحابه ويُيَقِّنَهم في ميدان المعركة، في ساعة الزلزال النفسي، وقت شدة الارتباك، عندما أراد أن يُعَرِّفَ نفسه، ليبعث في نفوسهم اليقين بمقتضيات الإيمان، بأن يعود المندهش إلى رشده. قال: [أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ] (البخاري:2874). فبدأ بما يجب أن يعلمه الناس وأن يؤمنوا به، أنه: [النبي لا كذب] فكيف ورد تعريف النبي محمد عليه الصلاة والسلام في القرآن.؟؟. وهذا هو موضوع البحث والمقال، في هذه السطور.
محمد الرسول عليه الصلاة والسلام: فالأمة واجب عليها معرفة: 1 ـ أن تعرف الرسول الذي أرسله الله إليها وما هي وظيفته؟، 2 ـ والرسالة التي جاء بها وهي القرآن وتبدأ التدبر بالآيات المحكمات.، 3 ـ وأن يعلم ويعلم المسلمون الشريعة التي حكم بها وأمر بها والتي هي القانون العام لكل البشر.، 4 ـ والقيم والأخلاق التي تحلى بها ودعا إليها. هذه هي موضوعات السيرة النبوية. فالرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأنزل إليه القرآن العظيم ليبلغه الناس. جاء ذكره في القرآن، والقرآن هو الآية التي أرسل بها، فالقرآن هو آية محمد عليه الصلاة والسلام. (أي أن القرآن هو: البينة، والمعجزة، والبرهان، والدليل.) على صدق نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، على أنه رسول من المرسلين الذين أرسلهم الله مبشرين ومنذرين. ﴿يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.﴾ (يسن:1 ـ 4) قال الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144). والمعنى: ليس محمد إِلا رسول الله قد مضت قبله الرسل، فهل إذا مات أو قتل تنقلبون على أعقابكم وترتدون كما كنتم غير مسلمين؟ والرسل منهم من مات ومنهم من قتل. أفإِن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إِيمانكم؟ والحقيقة أن من يثبت على الإيمان لا ينفع إلا نفسه، ومن ينقلب فلا يضر إلا نفسه.
ويفيد هذا الخبر الوارد في هذه الآية، عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، أمورا: أولا:
نؤمن بمحمد بن عبد الله على أنه رسول أرسله الله برسالة ليبلغها الناس، إذن فمن مقتضيات دراسة السيرة أن نفهم الرسالة التي أمر بتبليغها، هذا هو المقصد. وإذن يجب أن يُطاع في كل ما أمر به. لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن يعص الرسول فقد عصى الله عز وجل. ثانيا: أن نؤمن بالرسالة التي جاء بها وهي القرآن الكريم، أن نؤمن بالقرآن كله، دون أن نزيد فيه كلمة، ولا أن ننقص منه كلمة. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ (القيامة:17،18) ثالثا: أن نعمل بما بينه للناس، وبما قضى به، وبما أحل وحرم، واتباعه في كل ذلك هو ما يعرف اصطلاحا بـــ: (السنة) فالعمل بالسنة من العمل بالقرآن. قال الله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب:36) رابعا: أن الإمام المتبع في إقامة الدين هو الرسول عليه الصلاة والسلام وحده فقط وهو المبلغ عن الله سبحانه، ولا يكون إمامٌ غيرُهُ يُتبع تدينا، وإنما غيره من العلماء، كالصحابة، وفقهاء التابعين، وكأبي حنيفة، والإمام مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير من العلماء، يُتَّبَعُون كأئمة تفقيه وتعليم، وليس كأئمة تدين وتشريع، فمن هنا تفهم السيرة بفهم مقاصدها. ومراجع التدين: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، عند العلماء المجتهدين في الفروع الفقهية، والمستحبات، وفي موضوع تعدد الاجتهادات. واجتهاد العلماء في الفروع رحمة لما في ذلك من السَّعَةِ في تغير الأحوال والظروف والاضطرار. خامسا: وفي الآية (3/144) الدليل على أن الشريعة والسنة التي سنها الرسول محمد باقية ودائمة إلى يوم القيامة. سادسا: وأن ما ترك عليه الأمةَ من الأحكام والفرائض والواجبات والسنن، أي كل الأحكام الشرعية التي كان النبي والصحابة يعملون بها تبقى كما هي إلى يوم القيامة. وفي الحديث. عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، أنه سمع العرباض بن سارية، يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: [قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لايزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد] (ابن ماجه:43) كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ: الجمل المطيع الذي ينقاد بغير عناد، في طريق إحقاق الحق وإسعاد العباد.