البيوتات العالمة بالجزائر – أسرة المرازقة –

د. عبدالقادر بوعقادة / المرازقة أكثر بيت شغل بلاد المغرب علما وتأثيرا. برز أواخر القرن 6هـ واستمر إلى نهاية العصر الوسيط، وجاب أفراده ببلاد المغرب والأندلس والمشرق، فتركوا بها بصمات علمية زاخرة، وكان حضور أشخاصه واضحا في المعقول والمنقول والأصول والفروع، ولم يكتف زعماؤه بمنحى التقليد، بل لامس بعضهم الاجتهاد في المذهب وخارج المذهب. وقد …

فبراير 24, 2025 - 16:36
 0
البيوتات العالمة بالجزائر   – أسرة المرازقة –

د. عبدالقادر بوعقادة /

المرازقة أكثر بيت شغل بلاد المغرب علما وتأثيرا. برز أواخر القرن 6هـ واستمر إلى نهاية العصر الوسيط، وجاب أفراده ببلاد المغرب والأندلس والمشرق، فتركوا بها بصمات علمية زاخرة، وكان حضور أشخاصه واضحا في المعقول والمنقول والأصول والفروع، ولم يكتف زعماؤه بمنحى التقليد، بل لامس بعضهم الاجتهاد في المذهب وخارج المذهب. وقد قدم لنا كتاب المناقب المرزوقية ثروة هائلة في التعريف بهذه العائلة، فيذكر بأنّ الأب الأول «مرزوق» ورد على تلمسان مع أخويه «خلوف» و«معافى» من القيروان من منطقة «ويسلات» أيام يوسف بن تاشفين سنة 468ه/1076مـ، وكانوا يعرفون بأبناء الحاج أو أولاد الحاج من قبيلة عجيسة من زناتة، واشتغلوا بالفلاحة بالبادية، وقد ابتنى مرزوق دارًا بتلمسان بالموضع المسمى مرسى الطلب.
أما عن قيمة الأسرة فقد بيّن ابن مريم مكانتها وهو يتحدث عن محمد بن أحمد بن محمد (710هـ-781هـ)، فذكر بأنّ بيته بيت علم و دراية، ودين وولاية وصلاح كأبيه وجده وجدّ أبيه، وكولديه محمد وأحمد وحفيده الإمام النظار الحفيد بن مرزوق وولده حفيده المعروف بالكفيف، وحفيد حفيده المعروف بالخطيب وهو آخر فقهائهم، وأنّ أفرادها أهل صلاح وتصوف.
هاجر مرزوق العجيسي إلى تلمسان في القرن 5 هـ/ 11م، وكان ابنه أبو بكر خليلاً للشيخ أبي مدين شعيب (520-595هـ)، وكان ممن برز في بدايات هذه الأسرة محمد بن أبي بكر بن مرزوق المولود سنة 629هـ/1332م، المعروف بالصلاح وعنايته بالحديث والفقه ومسلكه التصوفي، ذكره ابن مرزوق في المناقب قائلا: «وكان لي سلف صالح متجرد لطريق الآخرة، و مرتفع بهمته الكبيرة عن زينة الدنيا الفانية». كما أشار إلى جدته وهي أم محمد بن محمد بأنّها تسمى زينب بنت الشيخ الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الدلابلي، أحد الصلحاء الذين اشتغلوا بالفقه والحديث.. مثلما تذكر المصادر أحمد الأول أبو العباس (ت. 741هـ/1341م) وهو والد الخطيب الرئيس الجد. المشهور بالورع والزهد الذي أخذ عن ابني الإمام، وقد ذُكرت وفاته بمكة حاجًا سنة 741هـ. وقد تزوج أبو العباس خديجة بنت أبي الحسن التنسي المنسوب إلى عائلة تلمسانية كبيرة أخرى، وهي أم صاحب المسند، مما يعني أن التواصل بين الأسر العالمة لم يكن على مستوى العلوم فحسب، بل كان على مستوى المصاهرات أيضا، وأنّ الخطيب الرئيس والجد ابن مرزوق (ت. 781هـ) ينحدران من أسرتين عالمتين «المرازقة والتنسيين».
ويعتبر ابن الخطيب الجد والرئيس من أنجب هذه الأسرة، اشتهر بالفقه والحديث والرواية والرحلة، وصاحب طريقة واضحة في الحديث، فقد تموقع ضمن السند الحديثي العالي بالمشرق بعد رحلته الى المشرق سنة 770هـ/1370م من بجاية ودخل الإسكندرية ثم ارتحل إلى القاهرة، وهناك ترشح لرتبة التدريس والقضاء المالكي إلى أنّ توفي سنة 781هـ/1380م.
وبقدر ما اعتبر ابن مرزوق الخطيب الجدّ (ت. 781هـ) كأهمّ حلقة في سلسلة الأسرة المرزوقية العالمة، فإنّ ثاني شخصية في هذه السلسلة الذهبية لها باع كبير في تطوير الحركة العلمية في عموم بلاد المغرب والمشرق هو محمد بن أحمد بن مرزوق الشهير بالحفيد (ت842 هـ/ 1439م) الذي حلاّه الونشريسي بشيخ شيوخنا والإمام الراوية، وقاضي الجماعة في تلمسان، ووصفه التنبكتي بــ»الإمام العلامة الحافظ والمصنف الزاهد والمفسر المحدث والمسند الأصولي الفروعي، حامل لواء السنة وإمام المعقول والمنقول، والحقيقة والشريعة»، وانّه تتلمذ على علماء منهم إبراهيم المصمودي وناصر الدين الإسحاقي وسعيد العقباني و عبد الله الشريف التلمساني وابن عرفه وابن قنفذ وابن خلدون، بالإضافة إلى مشيخة مكة و المدينة. ويُذكر له إنتاج علمي متنوع، تمثل في تلك المصنفات المفيدة نظمًا و نثرًا، رصدتها المصادر التي تحدّثت أيضا عن أمه المعتبرة من الصالحات، لها مجموعة من الأدعية، مثلما كانت لها دراية بعلم تعبير الرؤيا . وهو ما يعطي دلالة على أنّ البيت المرزوقي بمثل ما كان للرجال دور في نبوغه، فإنّ المرأة المرزوقية لم تقل عطاءً وعلمًا عن ذكرانها.
وثالث شخصية علمية في سلسلة الأسرة المرزوقية ذات الأهمية بعد الجد والحفيد، محمد السابع المعروف بالكفيف (824-901هـ/1421-1495م)، والذي حلاّه تلميذه الونشريسي بالفقيه الحافظ الخطيب، درس على والده البخاري و مسلم والموطأ و العمدة ومختصر المنتهى لابن الحاجب والألفية، مثلما درس ذلك على أبي الفضل ابن إبراهيم بن أبي زيد بن الإمام، و أخذ أيضا عن عبد الرحمن الثعالبي و محمد بن أبي القاسم المشذالي، بل ذكرت المصادر أن من أبرز شيوخه المحدث الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن حجر الشافعي العسقلاني، الذي أجازه جميع كتابه، وممن أخذ عنه ابنه أحمد الثالث المعروف بحفيد الحفيد، والذي أخذ بدوره عن السنوسي و ابن زكري، زعيما مدرسة تلمسان. وكان الكفيف إمامًا خطيبًا ومدرسًا، له دور اجتماعي لافت. كما كان لابن مرزوق الحفيد ابن بنته حفصة، وحفيد هو محمد الثامن الخطيب الذي كان حيا سنة 918 هـ/1512م، ولم ينقطع نسل هذه الأسرة العالمة، بل بقيت بركتها العلمية وافرة إلى زمن بعيد، حيث ذكر ابن مريم العالم الفقيه التلمساني سعيد بن أحمد بن أبي يحيى الذي ينتسب إلى هذه الأسرة، وهو حفيد حفيد محمد بن مرزوق المهتمّ بعلوم القرآن والفقه والأصول، وتوفي سنة 1011هـ/1603م. وهكذا مثل المرازقة أسرة علمية فريدة، أثّرت بشكل واضح على سير الحركة العلمية والفقهية بتلمسان، ومجموع حواضر المغرب وعموما بلاد الاسلام ، وقدّمت نماذج ذات أهمية وجب الرجوع إلى ذكر مآثرها وكل مآثر علمائنا بما يخدم التاريخ والهوية.