الجزائر أمريكا.. الشراكة خيار إستراتيجي أم قرار مفروض ؟
لم يستسغ العديد من المراقبين للشأن الجزائري توقيع بروتوكولات الشراكة العسكرية بين الجزائر و الولايات المتحدة الأمريكية في شهر جانفي المنصرم بين رئيس قيادة الأركان الجزائري و نضيره الأمريكي ولكن هذا التوقيع لم يلقى نوع من الترحيب ليس في الأوساط الجزائرية و إنما في الدوائر الغربية و خاصة فرنسا و روسيا و الدول التي تراهن …

لم يستسغ العديد من المراقبين للشأن الجزائري توقيع بروتوكولات الشراكة العسكرية بين الجزائر و الولايات المتحدة الأمريكية في شهر جانفي المنصرم بين رئيس قيادة الأركان الجزائري و نضيره الأمريكي ولكن هذا التوقيع لم يلقى نوع من الترحيب ليس في الأوساط الجزائرية و إنما في الدوائر الغربية و خاصة فرنسا و روسيا و الدول التي تراهن على موقف ترامب المتحيز للمغرب في قضية الصحراء الغربية بل هناك من يرى بان مجيء ترامب لكرسي الحكم سيكون بمثابة نقمة على الجزائر و هذا تكهن فاقد لمعايير العقلانية و الواقعية السياسية .
التعاون الجزائري الأمريكي له جذور تاريخية و أبعاد إستراتيجية يجب على دوائر صنع القرار في الجزائر أن تركز عليه وتعمل على إعادة تفعيله على أرض الواقع و في الوقت الراهن حيث أن واشنطن قامت بفتح قنوات اتصال مع الجزائر في عدة قضايا و الهدف الرئيس كان كبح جماح فرنسا التي كانت تمارس سياسات استعمارية تفرز العداء و عدم الاستقرار في المنطقة الإفريقية وهذا حتما سيضر بمصالح واشنطن في المنطقة لذلك فإن التفاهم الجزائري الأمريكي هو خيار إستراتيجي للطرفين وليس أمر واقع فرضته التحولات السياسية في المنطقة و العالم و سنحاول دعم وجهة نظرنا في العناصر التالية التي تؤكد رؤيتنا للتقارب الاستراتيجي بين الجزائر و واشنطن الناتج عن عدة أسباب و عوامل وهي :
أولا : العامل التاريخي :
في خضم الحرب العالمية الثانية أدركت واشنطن بان حكومة فرنسا ضعيفة ولا تستطيع أن تكون قاطرة الدول الأوروبية في مواجهة ألمانيا وهنا كان تدخل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وعمل على تحييد شارل ديغول من حضور مؤتمر يالطا في 11 فبراير 1945 وحضره كل من روزفلت و ستالين و تشرتشل الهدف من إقصاء ديغول هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسعى إلى دعم الحركات التحررية وتصفية القوى الاستعمارية التقليدية كما فعلت مع إسبانيا و البرتغال في أمريكا اللاتينية ومن هنا كانت تدخلات الرئيس روزفلت مباشرة في الشؤون الفرنسية حيث التقى مع السلطان محمد بن يوسف في قصر أفنا و شجعه على طلب الاستقلال و ساهمت الولايات المتحدة بطرق غير مباشرة في دعم حركة الضباط الأحرار ضد بريطانيا و الملك فاروق الذي كان يمثلها .
الموقف الأمريكي من القضية الجزائري كان راديكالي ضد السياسة الفرنسية و متحيز للثورة الجزائرية في سياق الحرب الباردة حيث كانت إفريقيا تصنف كمجال حيوي للمصالح الفرنسية لكن واشنطن كانت تراقب السياسة الفرنسية في القارة عن كثب و كانت لها مواقف داعمة للثورة الجزائرية ،ولو سياسيا حيث رفض السفير الأمريكي في باريس حضور مراسم الاحتفال بمشروع قسنطينة سنة 1958و كانت توجد علاقات بين المجاهد عبد الحفيظ بو الصوف و بعض الشخصيات الأمريكية في القواعد الأمريكية في أوروبا بل كان هناك نوع من تبادل المعلومات وهناك مراسلات توثق المراسلات بين العقيد مبروك و الرئيس جون كينيدي و دون أن ننسى عدم تدخل واشنطن في التصحيح الثوري سنة 1965 بقيادة هواري بومدين و الموقف المهم هو ترحيب فرنسا بقرار الجزائر بتأميم المحروقات و قبول الجزائر في الوساطة بين واشنطن وطهران .
ثانيا : العامل الإستراتيجي :
رؤية واشنطن للسياسة الجزائرية هي رؤية إستراتيجية تستند على تحليلات واستنتاجات بخصوص تحركات الجزائر في الساحة الدولية وخاصة المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهذه التحركات كلها تساعد نوعا ما في استقرار الإستراتيجية الأمريكية ما بعد الحرب الباردة وخاصة مع رغبة واشنطن في التغلغل في إفريقيا وخاصة النيجر بهدف مراقبة المد الروسي والصيني مع العلم أن الفوضى في منطقة الساحل لا تخدم الإستراتيجية الأمريكية
القوى التي لا تؤمن بالتقارب الأمريكي الجزائري الأمريكي هي قوى تريد أن ترسخ الفوضى في المنطقة الإفريقية و خاصة فرنسا التي تريد أن تحتكر المشهد السياسي في الساحة فهي تشهد حاليا نوع من الترحال الاستراتيجي حيث عملت على نقل رؤيتها تجاه إفريقيا الشرقية بعد فشلها في غرب إفريقيا و اليمين المتطرف في فرنسا يسعى إلى تشويه الجزائر في الأوساط اليمينية الأمريكية و خاصة مع حضور إيريك زمور حفل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في واشنطن فهذا الحضور هو رسالة سياسية مفادها أن الحكومة الفرنسية و الرئاسة ستكون يمينية وهذا ربما سيشجع ماكرون على إسقاط الجمهورية تحت غطاء عدم سقوط فرنسا في أيادي اليمين المتطرف .
روسيا تريد أن تستثمر في الفوضى ونشر المليشيات المرتزقة بهدف السيطرة على الموارد وخلق فوضى تعيق الاستثمارات الصينية في إفريقيا وأصبحت تراهن على الحكومات العسكرية الفاقدة للشرعية المجتمعية فهي أصبحت تتقاسم مع فرنسا النكوص الإستراتيجي وخاصة مع سقوط نظام الأسد وضعف محور المقاومة في إيران ولبنان وفشلها في تحقيق الغزو الكلي لأوكرانيا .
من الضروري دعم التقارب الأمريكي الجزائري ثقافيا و سياسيا و التكيف مع السياسة الأمريكية أصبح مطلب استراتيجي و مصلحة وطنية خاصة في الأوساط السياسية الجزائرية وذلك من اجل صد الهجمات التي يقودها اليمين المتطرف في فرنسا و بعض القوى التي تريد خلق الفوضى في المنطقة و التوجه الجديد للدبلوماسية الجزائرية سيقوم بخلط أوراق بعض الفاعلين الداعمين لخلق الفوضى وتشويه المواقف الجزائرية خصوصا فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية و حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره و الهدف الرئيسي من الشراكة بين البلدين هي تبادل الرؤى و دعم الشراكة في مختلف المجالات و هذا كله سيؤدي بالجزائر و واشنطن إلى بناء حوار استراتيجي تكون بنوده هي مكافحة الإرهاب و الطاقة و تحقيق السلام ودعم التنمية و التبادل التجاري و الاقتصادي بمعنى أن هذا الحوار سيكون وفق متطلبات المرحلة و سيتجاوز البنود التقليدية .
كريم العراجي أستاذ محاضر جامعة وهران 2