الحرب الإسرائيلية الإيرانية منعطف حاسم في منطقة الشرق الأوسط

أ. عبد الحميد عبدوس/ مازالت تداعيات العدوان الإسرائيلي على إيران تتلاحق وتتصاعد. لقد تحولت إيران صباح يوم الجمعة 13 جوان الجاري إلى ساحة حرب ساخنة، والأدهى من ذلك أنها كانت قد أصبحت قبل ذلك، ساحة لعب مفتوحة للمخابرات الإسرائيلية. بعد ساعات قليلة من الهجوم الإسرائيلي على إيران، تحولت مواقع نووية ومناطق عسكرية ومنشآت مدنية إيرانية …

يونيو 16, 2025 - 16:27
 0
الحرب الإسرائيلية الإيرانية منعطف حاسم  في منطقة الشرق الأوسط

أ. عبد الحميد عبدوس/

مازالت تداعيات العدوان الإسرائيلي على إيران تتلاحق وتتصاعد. لقد تحولت إيران صباح يوم الجمعة 13 جوان الجاري إلى ساحة حرب ساخنة، والأدهى من ذلك أنها كانت قد أصبحت قبل ذلك، ساحة لعب مفتوحة للمخابرات الإسرائيلية. بعد ساعات قليلة من الهجوم الإسرائيلي على إيران، تحولت مواقع نووية ومناطق عسكرية ومنشآت مدنية إيرانية عديدة إلى مساحات للنار والدخان والدمار. وأسفرت الضربة العسكرية الاستباقية الإسرائيلية عن مقتل مجموعة من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، بالإضافة إلى عدد من المدنيين الإيرانيين. وحسب وسائل إعلام إيرانية، فقد قتل في الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي علماء نوويون بارزون هم: عبد الحميد مينوشهر، وأحمد رضا ذو الفقاري، وأمير حسين فقهي، مطلبي زاده، محمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي. كما قتل قادة عسكريون كبار منهم: قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري، واللواء غلام علي رشيد، قائد غرفة العمليات المشتركة في هيئة الأركان. وأمير علي حاجي زادة. قائد سلاح الجو الإيراني في الحرس الثوري و إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والجنرال علي شامخاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني. هذه الضربة الموجعة والمباغتة جعلت البعض يتساءل عما إذا كانت إسرائيل ستكرر ما فعلته في لبنان في العام الماضي (2024) عبر عملية بيجر (pager) التي مكنت من اغتيال أغلب القادة العسكريين والسياسيين في تنظيم «حزب الله»؟، وكذلك هل ستتمكن إسرائيل من أن تكرر مع إيران في جوان 2025، ما فعلته مع العرب في جوان 1967؟.
كان من المحبط والصادم بالنسبة للمتابع الذي كان ينتظر ردا ساحقا من دولة إيران الكبيرة والقوية على هجوم إسرائيل المدمر، أن يقتصر ردها الأولي على إطلاق عشرات الطائرات المسيرة البطيئة السرعة والقليلة الدقة، والتي تم الإعلان عن إسقاطها جميعا قبل دخول أجواء الدولة العبرية.مما جعل قادة الكيان الإسرائيلي يهللون للنصر، ويدعون أن ضعف أو غياب الرد الإيراني راجع لكون إسرائيل قد نجحت في تدمير القدرات العسكرية الإيرانية بشكل كامل. لكن دولة الإجرام الصهيوني التي غرقت في نشوة النصر، في صباح يوم الجمعة، سقطت، في ليل الجمعة، في هاوية الفجيعة والألم والندم، بعد سقوط عشرات الصواريخ على مدن إسرائيلية، كانت إسرائيل تعتقد أن السلاح الأمريكي والقبة الحديدية الإسرائيلية ستجعلها في مأمن من استهدافها والوصول إليها.وبدأت صور الحرائق والدمار التي كانت وكالات الأنباء تنقلها من داخل إيران، وتبث ـ رغم الحصار الإعلامي ـ من داخل إسرائيل. خطورة الوضع الذي وصفته مصادر إسرائيلية بأنه دمار غير مسبوق في تل أبيب، جعل السلطات الإسرائيلية تطالب مواطنيها بعدم تصوير أو بث مشاهد عن الخسائر الفادحة التي ضربت قلب إسرائيل. رغم أن وسائل إعلام أمريكية أعلنت عن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في التصدي لصواريخ الرد الإيراني، وحتى الرئيس الفرنسي، المنافق المأزوم، إيمانويل ماكرون، أعلن إنه في حالة تعرض إسرائيل إلى هجوم إيراني فإن فرنسا ستشارك في الدفاع عنها. وهذا يعني أنه يدافع عن العدوان والمعتدين، وليس عن القانون وحفظ السلم.
اللافت للانتباه، أنه بعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على إيران، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدوان ب «الهجوم الممتاز»، وتفاخر بأن إسرائيل «استخدمت فيه معدات عسكرية أمريكية عظيمة». وبلغ به مستوى الغطرسة والتهور إلى حد دعوة إيران إلى المشاركة في جولة المفاوضات التي كانت مقررة قبل الهجوم العسكري الإسرائيلي، وبدا وكأنه يتصرف مع إيران كما يتصرف بلطجي يوجه صفعة موجعة إلى طفل صغير، ثم يحذره من أن الضربة المقبلة ستكون أكثر إيلاما وضررا. فقد هدد إيران بضربات أكثر تدميرا بالسلاح الأمريكي الفتاك قائلا: «أعطينا إيران الفرصة تلو الفرصة لكي تعقد صفقة ولكنهم لم يستطيعوا استغلال الفرصة».مضيفا: «لقد شهدنا بالفعل موتًا ودمارًا هائلين، لكن لا يزال هناك وقت لإنهاء هذه المذبحة، مع هجمات مُخطط لها مسبقًا ستكون أكثر وحشية»
يمكن القول إن دونالد ترامب الكذاب، نجح في تضليل القيادة الإيرانية من خلال تصريحاته المخادعة. فقبل يوم واحد من العدوان الصهيوني الغادر، كان الإعلام الأمريكي والإسرائيلي يسربان طلب دونالد ترامب المزعوم، من المجرم نتنياهو عدم مهاجمة إيران قبل جولة مفاوضات مقبلة مع إيران في مسقط عاصمة عمان، بأنه يتوقع التوصل إلى اتفاق وشيك. المشكل ليس في ممارسة دونالد ترامب للكذب، لكن المشكل أن تثق القيادة الإيرانية، بكل ما فيها من نخب ذات اطلاع واسع، وقادة محنكين، بكلام مقامر أمريكي تعود أن يكذب بلا خجل ولا حرج، ويغير مواقفه وأقواله كما يغير قبعاته، ولون شعره المستعار… سياسي سبق له أن وعد بتوقيف الحروب عبر العالم قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه ـ بعد انتخابه ـ أضاف حربا جديدة في إيران، إلى الحروب السابقة في أوكرانيا وغزة ، وأشعل الحرب حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال إرسال الحرس الجمهوري وقوات المارينز لمواجهة المتظاهرين في ولاية كالفورنيا، وهي الولاية التي وصفها بأنها تقع تحت سيطرة العصابات الأجنبية المجرمة وتنخرها الفوضى، لكنها، في الواقع، هي الولاية الأغنى والأكثر تطورا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مركز للتكنولوجيا المتقدمة. كما صرح بعد ثبوت تورطه في العدوان الصهيوني على إيران، بأنه لا يخشى من اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط. بعد شهر من عودته بأكثر من 4 تريليون دولار من أموال العرب والمسلمين، أصبح يريد أن يحول المنطقة إلى ساحة للحرب والدمار.
في عهد الرئيس دونالد ترامب استبدلت الولايات المتحدة الأمريكية «مؤسسة غزة الإنسانية» بوكالة «الأنوروا» الأممية التي ظلت لمدة عقود تشرف على توزيع الغذاء وضمان الدواء وتعليم وإغاثة الفلسطينيين، ولكن بمجرد أن أعلنت إسرائيل المجرمة عدم سماحها لوكالة الأونوروا بالنشاط في الأراضي المحتلة، سارعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على الوكالة الأممية وعرقلت عملها الخيري الإنساني. وبلغ الاستهتار الأمريكي بالقيم الإنسانية والدوس على القانون الدولي، إلى حد إطلاق تسمية «مؤسسة غزة الإنسانية» التي تعتبر مجرد مصيدة قاتلة للمجوعين الفلسطينيين، حيث قتل عدد من الفلسطينيين المتوجهين لجلب الغذاء من هذه المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية، أكثر من عدد ضحايا الحرب بين دولتين نوويتين هما الهند وباكستان في شهر أفريل الماضي (2025). بحجة القضاء على حركة حماس وحرمانها من الدعم، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي (10 جوان الجاري) عن فرض عقوبات على جمعيات وأشخاص متهمين بمساعدة حركة حماس، من بينها جمعية «البركة» الجزائرية للعمل الخيري والإنساني، المعروفة بحملاتها الناجحة والمتواصلة لمساعدة أهل قطاع غزة بكل أشكال الدعم الغذائي والطبي والإغاثي. ولكن ما يذوب له القلب من كمد، أنه مقابل واقع التضامن والتناصر بين أطراف الحلف الصليبي الصهيوني، يصر المسلمون والعرب على التقوقع في شرنقة الفرقة والتخاذل والتدابر، فقد سارعت حكومة مصر التي كانت قلب الأمة العربية وذراعها القوية في الدفاع عن قضاياها القومية ونصرة القضية الفلسطينية، إلى منع قوافل التضامن مع سكان غزة وكسر الحصار عنها من عبور أراضيها لتأدية مهمتهم الإنسانية والخيرية والقومية والإسلامية.
الحرب الإيرانية الإسرائيلية، رغم شراستها وخطورتها، مازالت في بدايتها، وإذا كان الجميع يعرف كيف بدأت، فإن الله وحدها يعرف كيف ستكون نهايتها، غير أنه من المرجح أن نتائج هذه الحرب لن تؤثر فقط على مستقبل إيران وإسرائيل، ولكنها ستؤثر على منطقة الشرق الأوسط بكاملها ويكون دور حاسم في رسم معالم مستقبلها.