المشهد الاسرائيلي الإيراني: تقييم «أولي»

أ. وليد عبد الحي/ شكَّلَ الهجوم الإسرائيلي يوم أمس على إيران ونجاحه في «اقتناص» عدد من أبرز القيادات العسكرية والعلمية الإيرانية نوعا من الصدمة حتى لقيادة إيران العليا، لأنّه كشف عن خرق أمني «بشري أو تقني أو كليهما معا» أصاب الجسد السياسي الإيراني بالارتجاج، وترافق مع ذلك تقارير أغلبها إسرائيلية عربية عن تضرر لا يستهان …

يونيو 16, 2025 - 16:27
 0
المشهد الاسرائيلي الإيراني: تقييم «أولي»

أ. وليد عبد الحي/

شكَّلَ الهجوم الإسرائيلي يوم أمس على إيران ونجاحه في «اقتناص» عدد من أبرز القيادات العسكرية والعلمية الإيرانية نوعا من الصدمة حتى لقيادة إيران العليا، لأنّه كشف عن خرق أمني «بشري أو تقني أو كليهما معا» أصاب الجسد السياسي الإيراني بالارتجاج، وترافق مع ذلك تقارير أغلبها إسرائيلية عربية عن تضرر لا يستهان به في المنشآت الإيرانية بخاصة ذات الصلة بالبرنامج النووي، كما أنّ التهويل من هذه المصادر عن «شلل» المنظومة الدفاعية الإيرانية كثف المسحة السوداوية في المشهد الإيراني.
مع حلول مساء اليوم نفسه، بدأ الإيرانيون في توظيف «الظلام لإنارة المشهد»، وتلاحقت موجات الصواريخ الإيرانية الثقيلة حتى صباح هذا اليوم ودون توقف لتضرب وسط اسرائيل «الأعلى كثافة سكانية»، وتبين أنّ عدد الصواريخ» الإيرانية التي بلغت أهدافها أعلى كثيرا من ما ظنّ الجمهور الإسرائيلي بأنّ منظومة الدفاع لجيشهم ستقيهم أضرار هذه الصواريخ، ويكفي الإشارة لتقرير صحيفة «هآرتس» هذا الصباح عن دمار وصفه مراسلها بأنّه «لم يسبق له أن رأى هذا الحجم»، وهو ما يدلّل على ضرورة الحذر الشديد في التعامل مع البيانات الإسرائيلية أو ما تروجه فضائيات التطبيع الغرائزية.
والملاحظ هنا أنّ إيران جعلت من «تل ابيب- يافا وضواحيها» الهدف الأول لصواريخها مع محاولات ضرب أهداف أخرى، وهو أمر يستهدف التأثير على القاعدة الشعبية الإسرائيلية، إذ يعيش في هذه المنطقة حوالي 4.4 مليون نسمة أي ما يقارب 46% من سكان إسرائيل، وهو ما يجعل الكثافة السكانية كبيرة تغوي على استهدافها بخاصة في ظلّ المساحة الصغيرة لوسط إسرائيل والحساسية المفرطة لإسرائيل تجاه الخسائر البشرية، وهو ما يسهل الاستهداف الإيراني.
بالمقابل تركز إسرائيل على الأهداف الاستراتيجية، لأنّ العنصر البشري ليس هو العصب الحساس لإيران (أكثر من 90 مليون نسمة- أي حوالي أكثر من عشر أضعاف «يهود» إسرائيل)، وتحاول القوات الإسرائيلية تعطيل أكبر قدر ممكن من مرافق البرنامج النووي (مناجم اليورانيم، المفاعلات النووية، مراكز التخصيب، مراكز إنتاج الصواريخ) إلى جانب المنشآت العسكرية، لكن المشكلة هنا أنّ الاستهداف أكثر تعقيدًا من الاستهداف الإيراني لأنّ الأهداف الإيرانية متعددة ومتناثرة على مساحة تتجاوز 1.6 مليون كيلومتر مربع (حوالي 73 ضعفا لإسرائيل)، وهي متباعدة عن بعضها بمئات الكيلومترات.
ما يلفت النّظر أنّ إسرائيل تجنبت حتى الآن المرافق النفطية، وهو مجال حساس جدًا للاقتصاد العالمي بخاصة لكل من أوروبا والصين، فقد ارتفعت أسعار النّفط (رغم عدم مهاجمة مرافقه) 10% حتى الآن، وهو ما يعني حوالي خسائر اوروبية تتراوح بين 30-40 مليار دولار (حسب مستويات الارتفاع).
من الواضح أنّ النشوة الإسرائيلية المبكرة «هدأت بعض الشيء» بعد ليلة أمس، ويبدو أن نهاية المواجهة ليست وشيكة، ولا شك أنّ الجيش الإسرائيلي المستنفر منذ السابع من يونيو 2023 (أكثر من عام ونصف) يشعر بثقل مهماته، فسحب لواء من غزة إلى الضفة الغربية واستمرار مناوشات أنصار الله، واستمرار التحوّل في الموقف الدولي تجاه إسرائيل، إلى جانب الأعباء الاقتصادية لكلّ هذا تجعل نيتنياهو في وضع لا يقل عن وضع النّظام السياسي الإيراني الذي ناشد نتنياهو شعب إيران التمرد عليه وبكيفية تعكس قدرًا من «النزق».
أمّا الدور الأمريكي، فإذا تجاوزنا غوغائية وثرثرات ترامب التي لا تتوقف، فإنّ الشراكة الأمريكية في المواجهات الحالية أصبحت شبه معلنة، ولا استبعد أن تتضح لنا أكثر وظيفة القيادة المركزية للقوات الأمريكية التي انتقلت لها إسرائيل عام 2021 (بعد تبعيتها لفترة طويلة للقيادة الأمريكية الوسطى الأوروبية) بخاصة «لتسهيل التعاون الأمني -الأمريكي الإسرائيلي العربي لتقاسم أعباء المواجهة مع إيران.
ومن الواضح في الدور الأمريكي أنّ نتنياهو قد يدفع الأمور نحو الأسوأ على أمل جر الولايات المتحدة معه ليتكرر المشهد العراقي، فتتحمل أمريكا العبء الأكبر في المواجهة مع إيران، وعلى أمل التخلص من النّظام الإيراني نفسه، وهو أمر قد يغير المشهد الاقليمي برمته، لكن ذلك ليس بالأمر اليسير.
إنّها مواجهة كبيرة، ونتائجها متلاحقة، وأسرارها لا حصر لها، وبجعها الأسود يرقد على بيضه. ربما.