الدور الأمريكي في التنسيق الأمني الفلسطيني مع إسرائيل
وليد عبد الحي/ في دراستهما عن التحولات الكبرى “الثورات” في القرن العشرين، يحدد (Leonid Grinin and Anton Grinin) في كتابهما (Revolutionary Waves and Lines of the 20th Century) الصادر عام 2022 ما مجموعه 125 تحولا ثوريا ، من بينها 18 ثورة تحرير من الاستعمار (الصفحات من 315-387 )، من بينها الثورة الفلسطينية ، ويشير سياق …

وليد عبد الحي/
في دراستهما عن التحولات الكبرى “الثورات” في القرن العشرين، يحدد (Leonid Grinin and Anton Grinin) في كتابهما (Revolutionary Waves and Lines of the 20th Century) الصادر عام 2022 ما مجموعه 125 تحولا ثوريا ، من بينها 18 ثورة تحرير من الاستعمار (الصفحات من 315-387 )، من بينها الثورة الفلسطينية ، ويشير سياق الكتاب الى خصائص ينفرد فيها كل تحول، لكن التنسيق الامني بين اسرائيل وسلطة التنسيق الامني الفلسطينية والتي رعتها الولايات المتحدة يشكل ظاهرة لم تعرفها اي ثورة من ثورات العالم .
ويبدأ الدور الامريكي في ترتيب هذا التنسيق من اللحظة التي تم فيها التخطيط لتسميم ياسر عرفات بعد وضع خطة التخلص منه التي تسرد وقائع المناقشات حولها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في كتابها (No Higher Honor) الصادر عام 2012، وتشرح المناقشات بينها وبين شارون والرئيس بوش مع حضور متقطع لرئيس السي آي إيه لكيفية التخلص وتحديد خليفة عرفات وتحديد رئيس وزراء خليفة عرفات، وهو ما تم تماما (الصفحات في كتابها من 77 الى 81 الموقف من عرفات، من صفحة 165-178 تشرح التخلص منه، ومن صفحة 340 -386 تعيين خليفة عرفات ورئيس وزراء خليفة عرفات)، وتشير في الصفحة 476 الى ضرورة التغييرات في جهاز الأمن الفلسطيني بعد قتل عرفات لأن جهازه الأمني كان على حد وصفها “عصابات تخدم عرفات”، ثم كيف تم تكليف شركة مالية أمريكية لإدارة الحسابات المالية للسلطة في عهد خليفة عرفات ورئيس وزرائه الجديدين، وكانت الخطوة الأولى هي رصد 200 مليون دولار سنويا لتدريب قوات أمن خليفة عرفات في الولايات المتحدة (صفحة 706). والغريب أن خليفة عرفات وعد بشكل قاطع عن كشف إسم الذي قام بالتسميم، لكنه لم يف بوعده نهائيا، ويبدو أن أولى عمليات التنسيق الأمني كانت ضد عرفات نفسه،كما هو حال إعلان رئيس سلطة التنسيق الأمني 62 مرة منذ خلافته لعرفات عن الغاء التنسيق الأمني دون أن ينفذ أي وعد منها.
واللافت للنظر هو أن الوزيرة الأمريكية السابقة تشير إلى المصطلحات التي يجب استخدامها عند الحديث عن الموضوع الفلسطيني، فتشير مثلا إلى النقاش في الدوائر الأمريكية هل نقول في احاديثنا السياسية “الفلسطينيين” أم فلسطين أم السلطة الفلسطينية أم الدولة الفلسطينية ام فلسطين الجديدة أم الضفة الغربية …الخ (صفحة 163).
ورغم أن المساعدة الأمريكية للامن الفلسطيني بدأت مع اتفاق أوسلو، لكن الأمر أصبح بعد عام 2005 (أي بعد قتل عرفات) هو إنشاء هيئة أمريكية مكلفة بوضع سياسات التنسيق الأمني بعيدا عن الأضواء، وتم إنشاء هذه الإدارة الأمريكية تحت اسم “مكتب التنسيق الامني الأمريكي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية (office of the United States Security Coordinator (USSC) for Israel and the Palestinian territories)، وانتقل الأمر عام 2007 إلى البدء بتدريب قوات الأمن الوطني الفلسطيني وحرس الرئاسة الفلسطينية في المعسكرات الأمريكية ولمدة 3 سنوات متتالية. ويشرح المؤرخ النرويجي (Brynjar Lia) والأستاذ في جامعة أوسلو في كتابه (Building Arafat’s Police:The Politics of International Police Assistance in the Palestinian Territories after the Oslo Agreement)
الصادر عام 2007 الترابط الوثيق بين ثلاثة جوانب: ربط الدعم المالي للأمن الفلسطيني من أمريكا وأوروبا بالأمن الاسرائيلي وربط التنسيق بين الأمن الفلسطيني والأمن الاسرائيلي (صفحة 28 وما بعدها)، ثم يشرح البروفيسور النرويجي ربط دور السي آي ايه في عمليات التدريب والتأهيل للأمن الفلسطيني وبخاصة مقاومة ما تعتبره الولايات المتحدة “الإرهاب” (صفحة 288 وما بعدها)، ويتطابق هذا مع ما يسرد تفاصيله كتاب (Zanotti, Jim)الصادر عام 2010 عن مركز
أبحاث الكونجرس الامريكي تحت عنوان U.S. Security Assistance to the Palestinian Authority، والذي يشير في الصفحة 5 الى ان الهدف من التعاون هو “القضاء على حماس “، بخاصة أن المناقشات التي ذكرتها كونداليزا رايس أشارت إلى إتهام شارون خلال المناقشات بأن عرفات هو من يدعم “حماس” للقيام بعملياتها، ثم يعمل على استثمار هذه العمليات، وهو ما يعني ضرورة التخلص من عرفات، وهو ما وقع فعلا بعد ذلك. غير أن المثير في هذه المرحلة هو التقرير الذي عرضت ملخصه نيويورك تايمز عن أن عمليات حماس (التي يدعمها عرفات) أحبطت تسلل المخابرات الأمريكية داخل أجهزة الأمن الفلسطينية (New York Times.13.nov.2000) وهو ما عزز نزعة التخلص من عرفات وبخاصة بعد فشل جورج تينيت (مدير السي آي ايه حينها) في إقناع عرفات بتقديم تنازلات خلال لقائه مع يهود باراك في كامب ديفيد في شهر يوليو عام 2000، وهو ما زاد الشكوك أكثر في عرفات بخاصة بعد إندلاع الإنتفاضة الثانية، وبالتالي أصبح ضروريا التخلص من عرفات وإحلال من يقبل ما رفضه عرفات.
وبعد التخلص من عرفات، بعثت الولايات المتحدة عام 2005 الجنرال الأمريكي (Kip Ward) للإشراف على فريق التنسيق الأمني بين اسرائيل والسلطة الجديدة، مع التأكيد على أن تكون المساعدات الدولية للأمن الفلسطيني تحت إشراف فريق التنسيق الأمني الأمريكي، لكن مهمة تطوير التنسيق اضطربت بعد نشر تقرير عن عمق الفساد في أجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما فتح المجال لإرسال الجنرال كيث دايتون ليكون هو المشرف على التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية بخاصة أن فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 أثار قلقا شديدا لأن حماس مصنفة لدى أمريكا حركة إرهابية، فكيف ستتعامل مع سلطة فلسطينية تقودها حماس؟ وهنا كشفت هيرالد تربيون في تقرير كتبه (Erlanger, Steven) بتاريخ 4 أكتوبر 2006 أن الولايات المتحدة عملت على أن تذهب مساعداتها فقط للحرس الرئاسي الفلسطيني لمنع استفادة حماس منها ولضمان تطوير هذا الحرس لضبط حماس، وأكد ذلك ما كشفت تفاصيله (The Christian Science Monitor في مايو 2007 وهو ما هيأ المسرح للانفجار بين القوى الفلسطينية والتي وقفت فيها إسرائيل وأمريكا ودول عربية إلى جانب السلطة (وقد كشفت صحيفة The Christian Science Monitor في تاريخ 25 مايو 2007 كل ذلك.
ويؤكد مبعوث الأمم المتحدة إلى اللجنة الرباعية ألفارو دي سوتو، أن الولايات المتحدة عارضت المصالحة والحكومة التي نص عليها اتفاق مكة بين فتح وحماس بل “دفعت نحو المواجهة بين فتح وحماس”. وقد ورد هذا التأكيد أيضاً في مقال بعنوان “قنبلة غزة” كتبهRose David في مجلة” ” Vanity Fair في ابريل 2008، حيث قدم عرضا لدعم الولايات المتحدة لمحمد دحلان بالأسلحة والمساعدة، لا سيما أنه تم تعيينه رئيساً للأمن في غزة، في محاولة للإطاحة بحماس هناك، وكان كل ذلك هو المقدمة لتفعيل برنامج “قوات أمن السلطة الفلسطينية” (والتي ترمز لها التقارير الأمريكي بـ(PASF) تحت إشراف دايتون.
وإلى جانب الأمور التقليدية في تطوير أجهزة الامن مثل انشاء إدارة التخطيط الاستراتيجي بهدف “توفير التخطيط المركزي طويل الأمد لتطوير الموارد البشرية وغيرها لقطاع الأمن ككل”، فقد كشفت الدراسة المعنونة (Our Man in Palestine) التي وضعها Nathan Thrall في أكتوبر 2010 عن دور سلام فياض في البعد التنسيقي الامني.
وتكتمل دائرة الدور الأمريكي في التنسيق الأمني بين سلطة التنسيق واسرائيل بالإطلاع على خطة دايتون لانجاز مهمته وبخاصة البند الرابع والذي ينص على “اختيار 36 ضابطا من كافة فروع الامن لضبط الحياة اليومية. ولضمان القيام بالدور المطلوب وهو مقاومة “الإرهاب الفلسطيني” دفعت الولايات المتحدة ما قيمته 392 مليون دولار خلال الأعوام الثلاثة الأولى (2007-2010) منها 89 مليون لحرس رئيس السلطة، وتناوب على الإشراف على برنامج التنسيق الأمني ثمانية من كبار الأمنيين الأمريكيين بدءا بالجنرال (كيب وورد ثم دايتون) وانتهاء ب (Michael R. Fenzel).
والملاحظ ان برامج التدريب غير الامنية (اي غير المعنية بالارهاب) أوكلت لغير الولايات المتحدة في معظمها مع مساهمات أمريكية عابرة، بينما احتكرت الولايات المتحدة البعد الأمني (الإرهاب) بشكل تام مع التركيز على وحدات النخبة إلى جانب الحرس الرئاسي ووحدات حماية الشخصيات ..الخ.
ويشير كتاب Zanotti ألذي أشرت إليه (صفحة 17) ان برنامج التدريب كان يركز على:
أ- أن يكون عمر المتدربين بين20-22 عامًا.
ب- فحص المجندين المحتملين فحصا دقيقا للتأكد من أنه لم ينتم سابقا لأية منظمة تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، وشاركت وكالة الأمن الإسرائيلية (شين بيت) والشرطة الإسرائيلية بفحص أسماء المجندين قبل السماح لهم بالمشاركة في التدريب.
ت- واستنادا إلى سجل كل متقدم للتدريب تم رفض حوالي 4.4٪ من المجندين الجدد لأنه تبين أنه هو أو أحد اقاربه أو أصدقائه كان على صلة –مهما كانت بسيطة- بتنظيم إرهابي، وهو امر قالت مجموعة الازمات الدولية (International Crisis Group) في تقريرها الصادر في 7 سيبتمبر 2010 تحت عنوان (“Squaring the Circle: Palestinian Security Reform under Occupation أنه يدل على الانحياز السياسي في تشكيل الأجهزة الأمنية طبقا للرغبة الاسرائيلية (الصفحات 11-13).
وفي تقييم دايتون لنتائج التدريب يقول حرفيا في كلمة القاها امام معهد واشنطن للشرق الأدنى في 7 مايو 2009 مايلي”
“لقد خلقنا رجالاً جدداً، وأنا أقول هذا بتواضع ….وعند عودة هؤلاء الرجال الجدد إلى فلسطين، أظهروا الدافع والانضباط والاحتراف ، وأحدثوا فرقاً كبيراً “..وهو الامر الذي دفع السلطة إلى التذمر من الولايات المتحدة بسبب ملاحظات دايتون لانها ” أثرت على صورة السلطة في ذهن المجتمع الفلسطيني”.
إن ذلك يعني أن أي مشروع فلسطيني للوحدة يجب أن يبدأ من وقف التنسيق الأمني مع الارهاب الصهيوني، لكن سلطة هذا التنسيق تعض عليه بالنواجذ لأن بقاءها مرهون ببقائه، بل يلاحظ أن استعار التصريحات الناقدة والمتزايدة للمقاومة من قبل شخصيات التنسيق الأمني ليس إلا تسابقا على تقديم أوراق اعتماد لنيل الرضا الأعلى من الأمريكي والإسرائيلي لضمان دور قيادي لهم في المرحلة القادمة بعد غياب رئيس سلطة التنسيق الأمني.