الطلاق السريع بين الشرع والواقع

أ.د/ منوبة برهاني/ في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم اليوم، ظهرت قضايا أسرية لم تعرف من قبل أبرزها قضية الطلاق السريع التي تستدعي الاهتمام والوقوف عندها؛ لأنها تتفاقم بشكل مقلق، خاصة مع تزايد نِسبها في المجتمع الإسلامي، ما يدعو للتساؤل عن أسبابها، وأثرها على استقرار الأسرة والمجتمع، ومدى شرعيتها. في الشريعة الإسلامية، لا …

فبراير 18, 2025 - 16:10
 0
الطلاق السريع بين الشرع والواقع

أ.د/ منوبة برهاني/

في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم اليوم، ظهرت قضايا أسرية لم تعرف من قبل أبرزها قضية الطلاق السريع التي تستدعي الاهتمام والوقوف عندها؛ لأنها تتفاقم بشكل مقلق، خاصة مع تزايد نِسبها في المجتمع الإسلامي، ما يدعو للتساؤل عن أسبابها، وأثرها على استقرار الأسرة والمجتمع، ومدى شرعيتها.
في الشريعة الإسلامية، لا يُعد الطلاق مشكلا؛ بل هو حل استثنائي، وُضع لإنهاء العلاقات الزوجية عندما تصبح جحيما لا يطاق. يقول الله تعالى: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]البقرة/229. فالطلاق مشروع ولكنه مُقيَّد بضوابط وشروط تهدف إلى التقليل منه، والحد من آثاره السلبية على الفرد والمجتمع، وأنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق دون حاجة أو سبب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقَها في غيرِ ما بَأْسٍ؛ فحرامٌ عليها رائِحَةُ الجنةِ).
وأولى هذه الشروط محاولات الإصلاح بين الزوجين قدر المستطاع، والتدرج في تشريع الطلاق من الطلاق الرجعي الذي هو فرصة للمراجعة، ثم العدة التي هي فترة تتيح للزوجين إعادة النظر والتفكير في قرار الانفصال…
ورغم المقاصد العليا في الإبقاء على العلاقات الزوجية، والحِكم الشرعية في تنظيم الطلاق، إلا أن الواقع يشهد انتشارا واسعا للطلاق السريع، ولعل ذلك يرجع إلى عديد الأسباب التي منها: قيام الزواج على معايير شكلية، كعدم وجود التوافق الفكري بين الزوجين، وضعف مستوى الوعي بالمسؤولية منهما، وكذا ترويج وسائل الإعلام لصور مثالية خيالية عن العلاقة الزوجية، مما يؤدي إلى توقعات غير واقعية، وكذا تسهيل فكرة الانفصال كحل أولي لأي خلاف، بدلا من التفكير والتركيز على حل المشكلات، إلى جانب الجهل بالحقوق والواجبات الزوجية التي نصت عليها الشريعة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة، فضلا عن الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، ومنها تأثير الأوضاع المعيشية الصعبة على استقرار العلاقة الزوجية، وضعف التواصل والحوار والتفاهم بين الزوجين، وهناك أسباب كثيرة رصدها تقرير استطلاعي عن تقييم العلاقات الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج في العالم العربي بالتعاون مع جامعة الدول العربية سنة 2024م، أهمها: _الخيانة. _عدم مقدرة الزوج على تأمين مستلزمات الأسرة. _اختلاف أسلوب الزوجين في تربية الأبناء. _عدم الاحترام المتبادل. _عدم التفاهم، والتشبث بالرأي والعناد. _عدم تفهّم كل من الشريكين شخصية الآخر. _عدم التوافق الجنسي، مما يعني عدم الإشباع وفتور العلاقات الجنسية. _عدم التكافؤ التعليمي والثقافي. _الغياب المتكرر عن المنزل. _الأفكار النسوية ورغبة المرأة في الحرية والاستقلالية. _العصبية والغضب السريع والمشاحنات وضعف لغة الحوار. _الشك في وجود علاقات أخرى. _ تدخل الأهل في حياة الزوجين.
أما الإسلام فرغم إقراره بالطلاق كحل شرعي، وأنه الحل الأخير بعد استنفاذ جميع وسائل الإصلاح، فقد اعتمد على مبادئ لمواجهة الطلاق السريع؛ كتعزيز الوعي قبل الزواج، بالتأكيد على أهمية الـتأهيل النفسي والاجتماعي للمقبلين على الزواج، وكيفية إدارة الخلافات، ثم تشجيع الزوجين على الرجوع إلى أهل الخبرة والحكمة لحل الخلافات، والتأني في إجراءات الطلاق، بالتزام مدة العدة كفرصة للتريث، وتقديم النصيحة بضرورة التفكير في عواقب الطلاق على الأسرة والأطفال، وتعزيز دور الإعلام في نشر الوعي..
ونخلص إلى أن الطلاق السريع قضية تتطلب معالجة شاملة تجمع بين التوعية الدينية والاجتماعية، وتدخل المؤسسات في دعم الأسرة. وبينما يظل الطلاق حقًا شرعيًا، فإن حسن استخدامه يضمن تحقيق المقاصد الشرعية وحماية استقرار الأسرة والمجتمع. وعليه لابد من إحياء روح الشريعة التي تسعى للحفاظ على المودة والرحمة في كل علاقة زوجية. كما يجب العمل على تعزيز الوعي لدى الأفراد بأهمية التروي قبل اتخاذ القرارات المصيرية، لضمان بناء أسر قوية ومستقرة.