مع الشيخ محمد الغزالي في رحاب الأسرة
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ شكّل الحديث عن الأسرة محورا أساسيا في كتابات الشيخ محمدالغزالي وآثاره، ذلك لأنها من الثغور المستهدفة في المجتمع الإنساني والإسلامي بخاصة، ولأنها أساس الصلاح في الأمة، فإذا أصاب الأسرة العطب انحلت باقي الروابط الإنسانية، ولذلك يعمل المفسدون في الأرض على استهداف هذه المؤسسة بما يبتدعونه من أمور منافية للفطر السليمة، كالحديث …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
شكّل الحديث عن الأسرة محورا أساسيا في كتابات الشيخ محمدالغزالي وآثاره، ذلك لأنها من الثغور المستهدفة في المجتمع الإنساني والإسلامي بخاصة، ولأنها أساس الصلاح في الأمة، فإذا أصاب الأسرة العطب انحلت باقي الروابط الإنسانية، ولذلك يعمل المفسدون في الأرض على استهداف هذه المؤسسة بما يبتدعونه من أمور منافية للفطر السليمة، كالحديث عن المساكنة والزواج المثلي وحرية العلاقات الجنسية.
في حديثه عن الأسرة كثيرا ما يتعرض الشيخ الغزالي لمجموعة من القضايا التي تشكل أسسا هامة للتمكين للبناء الأسري، أهمها:
1 .إعطاء المرأة مكانتها الصحيحة التي وهبها لها الإسلام كي تكون مربية ناجحة: يذكر الشيخ أن المرأة في المجتمعات الإسلامية، لم تحظ بالعناية الكافية التي تجعلها فاعلة في نهضة الأمة، ودعا إلى ضرورة إعداد المرأة إعدادا يؤهلها لتكون صانعة الأجيال، فربة البيت في نظر الشيخ ليست المرأة التي تجيد أعمال الطهي وتقوم على خدمة الرجل، وإنما هي التي تملك الحكمة في تدبير شؤون بيتها والقيام على تنشئة الأجيال القادمة، ولا يمكن لامرأة جاهلة أو ذات ثقافة محدودة أن تفعل ذلك، وبالتالي فهي المرأة العالمة الحكيمة . يقول : «ووظيفة ربة البيت، من أشرف الوظائف في الوجود، ولا يحسنها إلا من استكمل لها أزكى الأخلاق وأنقى الأفكار …أليست هي حضانة الأجيال، الجديدة، وشق الطريق أمامها حتى تنبت نباتا حسنا ؟ إن تصور المرأة في البيت إنسانا قاعدا، لا شغل لها، جهل شنيع بمعنى الأسرة» (ركائز الإيمان بين العقل والقلب: 221 ).
2. تسهيل الزواج والحفاظ على أخلاق المجتمع: الزواج هو الطريقة السليمة التي شرعها الله، لترشيد الغرائز الإنسانية وهو الحل الوحيد للمشكلة الجنسية، فالحضارة بوسائلها المتنوعة سهّلت الوقوع في الحرام، والمؤمن الذي يريد أن تكون له صلة سليمة بالله لابد أن يتزوج …فالزواج إنما شُرّع لتحصين الشباب، وإنقاذ المجتمع من الفساد. و يعيب الشيخ على المجتمعات الإسلامية، ما ابتدعته من غلاء في المهور، ومبالغة في الأفراح، ويرى أن فشوّ المنكر من نتائج ذلك، يقول : «وإذا ضاع العفاف، وانتشر الفجور ، فهل يتحدث عن جواز المغالاة في المهور إلا غر مأفون ..إن المسلمين جعلوا الزواج الشرعي مرتقى صعبا، فكان أن هان الانحدار على كثير « (ليس من الإسلام 203 )و لتسهيل الزواج، وإزاحة العوائق من أمامه، لابد أن يسهر على ذلك جميع الفاعلين في المجتمع .
وحين شرع الإسلام الزواج بناه على احترام الرجل والمرأة لبعضهما، وأداء كل واحد لمهمته، وجعل أواصر الإيمان هي الروابط الأساسية فيه، تمتد إلى الحياة الآخرة. يقول الله عز وجل عن مصير الأسر الصالحة:
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ (الرعد/23). أما الأسر الفاسدة فتكون نهايتها نكالا في الآخرة، يقول تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ (الصافات /22). إن الحياة الزوجية الناجحة في الإسلام هي التي تبنى على الدين، لتحقيق مفهوم الخلافة واستمرار النوع الإنساني، وتستمر في سلام، إذا أدى كل من الزوجين مسؤوليته، ومع اتخاذ أسباب نجاح الأسرة ، فإن الحياة الزوجية لا تخلو من هزات، لكنها بفضل الإيمان تثبت وتنجو.
وقد شرع الإسلام أحكاما لكل التفاصيل التي تتعلق بالأسرة، ودخل إلى البيوت لتنظيمها كما ورد في سورة النور وغيرها، وفي حال النزاع تدرج في الحلول عند النشوز وإعطاء الفرصة للأهل للتدخل للإصلاح، فإذا تعذر ذلك أحل الطلاق. ولكن الطلاق في الإسلام أُطّر بتشديد حازم على ضرورة عدم التعدي على حدود الله. ويرى الشيخ الغزالي أن المسلمين خانوا هذا الدين، وقصّروا في تطبيق كثير من أحكامه مما أدى إلى الخلل الملاحظ في واقعنا.
3. الغزو الفكري أهم المخاطر التي تهدد الأسرة: سيبقى التسول الثقافي أهم ما يهدد حياتنا الأسرية، وذلك بتبني الأفكار الهدامة الوافدة التي لا ترى قداسة للحلال ، وتشجع على الحرية في ارتكاب الحرام ، وقد وقف الشيخ الغزالي كثيرا مع ما كانت تدعو إليه ‘سيمون دي بوفوار’ من عدم التقيد بالزواج ، وحرية العلاقات خارج الزواج، كما كان كثيرا ما يقف مع ما تيسره الحضارة الغربية من حرام . وهذا الغزو امتد في حياتنا بسبب فراغنا من تعاليم ديننا، فكان يؤكد دائما على وجوب الرجوع إلى القرآن وتطبيق المسلمين الأوائل له في حياتهم، كما دعا إلى ضرورة وجود نهضة نسائية رشيدة تواجه من أعمى الله بصائرهم وأبصارهم من النساء والرجال الذين انبهروا بالغرب، ويريدون نقل سمومه في مجال الأسرة إلى بلادنا، مع أن الأسر عندهم أسر على ورق، ولا ضابط للانحلال الجنسي عندهم.