العالم الجليل والعلامة المتفرد «أبو إسحاق الحويني»
د. محمد عمارة(*)/ بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاةً وسلامًا على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحابته أجمعين.. وبعد: ● فكلما اتخذت طريقي من القاهرة إلى البلدة التي وُلِدتُ بها – «صَرّوَة»، مركز قلين، محافظة كفر الشيخ – أتذكر – دائما – أسماء عشرات العلماء الذين …
د. محمد عمارة(*)/
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاةً وسلامًا على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحابته أجمعين.. وبعد:
● فكلما اتخذت طريقي من القاهرة إلى البلدة التي وُلِدتُ بها – «صَرّوَة»، مركز قلين، محافظة كفر الشيخ – أتذكر – دائما – أسماء عشرات العلماء الذين أنجبتهم قرى وبلدات هذه المحافظة.. والذين لمعوا في سماء العالم الإسلامي.. بل وفي قيادة ثورات هذه الأمة.. من مثل:
1- العلامة المجدد الشيخ عبد الجليل عيسى أبو النصر، [1305 – 1400هـ/ 1888 – 1980م].
2- والشيخ الدكتور عبد الرحمن بيصار، [1328 – 1402هـ / 1910 – 1982م]، الإمام الأكبر وشيح الأزهر الشريف.
3- والشيخ الدكتور عبد المنعم النمر، [1332 – 1412هـ / 1913 – 1991م]، وزير الأوقاف، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
4- والشيخ سعد زغلول باشا، [1233 – 1346ه / 1857 – 1927م]، ابن الأزهر الشريف، وقائد أعظم ثورات الأمة في العصر الحديث.
وغيرهم، وغيرهم كثيرون..
● كما يقفز إلى ذاكرتي اسم البلدة الطيبة «حوين» – مركز الرياض، محافظة كفر الشيخ – التي أنجبت معجزة الرواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: العالم الجليل والعلامة المتفرد «أبو إسحاق الحويني».. الذي كلما سمعته يحدِّث الناس بأحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسيرته بلغ بي الانبهار إلى الحد الذي تقفز فيه إلى ذاكرتي نماذج العلماء الأعلام الذين رابطوا على ثغور جمع السنة النبوية، والذين أبدعوا ذلك العلم الذي نباهي به الأمم – كل الأمم – علم «الجرح والتعديل»، الذي تفردت به حضارتنا، وحُفِظت به سنة رسولنا، التي هي البيان النبوي للبلاغ القرآني العظيم.
إنه لا يوجد في تاريخ الأمم والحضارات «مذهب» أو «فكر» أو «فلسفة» أو «تاريخ» بغير «نصوص» تُمثِّل المرجعيات الكبرى والعليا لهذه المذاهب والفلسفات والتواريخ.
لكن «علم الرواية» و«قواعد السند» – في حضارتنا الإسلامية – قد تفردت بالضوابط التي خلت منها وافتقدتها كل المذاهب والفلسفات والتواريخ في سائر الحضارات الأخرى.. فحفظت للسنة النبوية أعلى درجات الثقة والتوثيق.. وضمنت لها أن تكون – بحقٍ – البيانَ والتطبيقَ للنص القرآني، الذي تفرد بين جميع الكتب – عبر التاريخ الديني – بالحفظ الإلهي الذي رفعه مكانا عليا في سماء الإعجاز والخلود.
● وأشهد أني ما سمعت شيخنا العلامة «أبو إسحاق الحويني» يحدث جمهوره في السنة النبوية، فيروى – بحافظته – السند الذي قد يزيد رجاله على العشرين، ويقارن بين نصوص الروايات، ويفك الغموض، وينفى الشبهات، ويقرن الدراية بالرواية، إلا وتذكرت رائد [المنار].. أنجب تلاميذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده [1266 – 1323هـ/ 1849هـ – 1905م]، العلامة الشيخ محمد رشيد رضا [1282 – 1354هـ / 1865 – 1935م] الذي كانت السنة النبوية – رواية ودراية – على لسانه وقلمه كأنها الأُنشودة المحفوظة، أو حبات المسبحة التي أَلِفتْ – بل وعشقت- الأُنس بسنة خير المرسلين.
● وعندما أخرجت كتابي (معالم المشروع الحضاري في فكر الشيخ محمد الغزالي) وجدته يقول عن السُّنة النبوية وعن «علم السند»، في هذه السُّنة: (إن السُّنة هي ركن الإسلام بعد القرآن الكريم.. وهي البيان والتفسير لهذا القرآن.. وإن تجاهل السُّنة النبوية هو جهل فاضح بقدر أعظم رجل في تاريخ الإنسانية الطويل… وإنَّ الإسناد من الدين، ولولاه لقال مَن شاء ما شاء).
وأمام هذا الموقف تذكرت شيخنا العلامة «أبو إسحاق الحويني»، الذي تفرَّد – في عصرنا – بهذه الملكة التي وضعته على عرش «إمارة السنة النبوية»في واقعنا المعيش.. حتى لكأن الله – سبحانه وتعالى – قد رفع بوجوده بيننا عموم بلوى الجهالة التي زحفت وتزحف على معالم الإسلام.
● لقد سبق للإمام الذهبي [673 – 749هـ / 1274م – 1348م] أن وصف الإمام يحيى بن معين [158 -233ه / 775 – 848 م] بأنه «سيد الحُفَّاظ».. ولقَّبه البعض بــ «أمير المؤمنين في الحديث».
ولا أخال عالمنا العلامة الشيخ «أبو إسحاق الحويني» إلا واحدًا من البقية الباقية من هذا المستوى الرفيع من علماء الحديث النبوي الشريف.
بارك الله له في عمره.. وفي صحته.. وبارك في عطائه.. وهيأ لأمتنا من شبابها من يحمل عنه هذه الأمانة، ليظل الخير في أمتنا إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين.
دكتور محمد عمارة
6 رجب 1439هـ 24 مارس 2018م
(*) المصدر: نسخة خطية بقلم د. محمد عمارة، نشرها أ. خالد الحويني على صفحته بتويتر/إكس، دلَّتنا عليها الأخت الأستاذة «غصن الزيتون» إحدى مسؤولي مجموعة (الدكتور محمد عمارة | مختارات وإضاءات)، شكر الله لها.
وقد نشرت في كتاب: ميراث الوفاء.. كلمات وشهادات وبحوث مُهداة للشيخ أبي إسحاق الحويني، دار ابن الجوزي، صـ (263-265).