العلماء والدعاة أمام امتحان غزة

أ. عبد العزيز كحيل/ طوفان الأقصى امتحان كبير للأمة كلها، للأنظمة والعلماء والمثقفين والجماهير، هو امتحان للقلوب والعقول والمواقف، وقد رأينا من يكاد يضع علماء الدين وحدهم تحت الأضواء الكاشفة أمام هذا الامتحان العسير، وهذا موقف فيه شطط وظلم، فلا يجوز تحميل المسؤولية للعلماء وحدهم وإنما نطالبهم بتحمل مسؤوليتهم في المنبر والدرس في المسجد والتلفاز …

أبريل 28, 2025 - 14:32
 0
العلماء والدعاة أمام امتحان غزة

أ. عبد العزيز كحيل/

طوفان الأقصى امتحان كبير للأمة كلها، للأنظمة والعلماء والمثقفين والجماهير، هو امتحان للقلوب والعقول والمواقف، وقد رأينا من يكاد يضع علماء الدين وحدهم تحت الأضواء الكاشفة أمام هذا الامتحان العسير، وهذا موقف فيه شطط وظلم، فلا يجوز تحميل المسؤولية للعلماء وحدهم وإنما نطالبهم بتحمل مسؤوليتهم في المنبر والدرس في المسجد والتلفاز والوسائط الاجتماعية على أكمل وجه ممكن والتخلي عن التفرج والحياد والمواعظ الباردة ولمس موضوع مأساة غزة بقفازات من حرير كالمتحرجين منه، فغزة صلب الدين والعقيدة والإيمان لأنها تجمع لوحات الأخوة الإيمانية والظلم البيّن والجهاد في أنصع صوره، فعيب على العلماء والدعاة والشيوخ أن يبرحوا واجب الوقت ويخوضوا في موضوعات المعتزلة والخلاف بين السلفية والأشاعرة والمسائل الشرعية الخلافية والاستغراق في فضائل الأعمال كتكرار العمرة انتهاء بالتعصب المقيت لقطعة الأرض والعشيرة القريبة على حساب أرض الإسلام ورابطة العقيدة، هذا فضلا عن أولئك الذين يعادون قضية غزة ويلمزون المجاهدين ويسخرون من الجهاد بناء على رؤية مشوهة وتبعا لأنظمة حكم علمانية تناصب الإسلام العداء صراحة أو ضمنا، فكل هذا جرم كبير لأن العلماء هداة كلفهم الله بمهمة جليلة فقال: «لتبيننه للناس ولا تكتمونه»، هم حملة كلمة الحق، عليهم أن يبينوه ويصطفوا معه، فصوتهم مسموع وتأثيرهم كبير، فما أخيب سعي من تجاهل منهم مأساة غزة لا يذكرها لا في درس ولا في خطبة جمعة، فهؤلاء أخرجوا أنفسهم من زمرة العلماء الهداء وتم تدجينهم فأصبحوا رجال دين مؤمّمين لا دعاة هادين مهديين.
نحن المسلمين لا نرفع السقف عاليا فلا نطلب منهم الذهاب إلى غزة ولا اقتحام المعابر ولا حمل السلاح – فهذا شرف له أهله – وإنما نريد منهم رفع مستوى الإرشاد والبيان والاشتغال بغزة اشتغالا يناسب حجم المأساة التي نراها بأعيننا ونكاد نلمسها بأيدينا…يجب أن يقولوا بوضوح ويكرروا حتى يستيقن الذين في قلوبهم مرض «هذا هو الظالم، وهذا من يتواطأ معه (سواء كان حاكما أو شيخا أو صحفيا او غير ذلك)، وهذا هو المظلوم»، وهذا المظلوم يجب على المسلمين نصرته حتى لو لم يكن مسلما فكيف وهو مسلم من أرض الرباط أحيى شعيرة الجهاد ويواجه بصدر عار ليس الجيش الصهيوني وحده بل جيوشا كثيرة انتضمتها صليبية جديدة لا تخفي رغبتها في استئصال الإسلام وقطع دابر المسلمين، فإن لم يقل العلماء هذه الحقيقة فمن يقولها؟ ومن المفروض أنهم أعلم الناس بها وأكثرهم فهما لها وإحساسا بوقعها أينما وجدوا خاصة إذا صعدوا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا أو كتبوا هنا وهناك كأنهم يوقعون عن رب العالمين؟ إن التقاعس عن هذا خيانة للأمانة وتضليل للأمة وشكل من أشكال التولي يوم الزحف، وأدنى مراتبه أنه الجبن والخور والتصاغر أمام مشاهد القلة المؤمنة التي تبذل الدماء الزكية نيابة عن الأمة وانتصارا لنداء المقدسات، لو حدث ما يحدث في غزة في أي مكان لوجب استنفار المسلمين لنجدة المظلومين فكيف وهو جهاد في الشام المبارك وفلسطين أرض النبوات؟
ولا بد أن ينتبه العلماء والدعاة إلى أن حال العجز والقعود والعيش على الهامش الذي نحن عليه هو نتيجة لتغييب معنى الجهاد رغم أنه أفضل الأعمال عندما يتوجب، وما زال الغرب والأنظمة المتواطئة معه وإعلامهم يشيطنونه حتى غدا إرهابا يتفادى حتى العلماء ذكره، ولنا أن نتصور حال الأمة لو أن العلماء انتبهوا لذلك وعملوا على إعادة هذه الشعيرة إلى مركزها في القلوب والعقول واستغلوا ما بين أيديهم من وسائل التبليغ والبيان والتأثير للتركيز على أهمية الجهاد بأشكاله المتاحة للمسلمين أينما وجدوا، من الجهاد المالي والإعلامي وجهاد المقاطعة لتأييد أداء المقاومة في غزة إلى تجييش الناس للإقبال على إسنادها بأي شكل متاح.
هل يمكن للعلماء أن ينسوا أنهم سيسألون يوم القيامة عن كلامهم وعن سكوتهم وموقفهم في المنشط والمكره؟ ألا يرون أن الناس يترحمون على الغزالي والقرضاوي ويجلون الغرياني وولد الددو؟ وأن أهل سورية المحررة ناقمون على البوطي وحسون؟ إنهم أمام مشهديْن متناقضيْن غاية في الوضوح: من جهة هناك العلماء الأحرار المنضوون تحت عباءة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مع الحق، مع غزة ضد الخيانة والتطبيع والتخاذل، يتحلون بالشجاعة والصراحة، وفي الجهة المقابلة علماء سوء يسكتون عن الإبادة ويردون على فتوى الاتحاد بإعلان الجهاد، يصطفون مع الباطل ويبررون العدوان ويحملون المقاومة المسؤولية، وعلى العلماء أن يصدعوا بأننا قبل أن نبكي على غزة نبكي على أنفسنا وهواننا ونجأر إلى الله بحاجتنا إلى علماء ودعاة ربانيين رساليين مجاهدين لا إلى موظفين جبناء أو مرجفين.