أسس التربية والتعليم في رؤية الشيخ العربي التبسي (ج.2)

أد. إسماعيل سامعي/ الأساس الثالث- الشيوخ أو الأساتذة أو المعلمون: لا ريب أن العنصر الفعال في العملية التربوية والتعليمية هو الشيخ أو الأستاذ أو المعلم، باعتباره قائد سفينة، وأنه إذا لم توفر لمثله الظروف الملائمة لأداء مهامهم التربوية والتعليمية، لن يؤدوا هم بدورهم مهمتهم على أحسن وجه الشيء الذي ينعكس سلبا على التحصيل العلمي، وتربية …

أبريل 28, 2025 - 14:32
 0
أسس التربية والتعليم في رؤية الشيخ العربي التبسي (ج.2)

أد. إسماعيل سامعي/

الأساس الثالث- الشيوخ أو الأساتذة أو المعلمون: لا ريب أن العنصر الفعال في العملية التربوية والتعليمية هو الشيخ أو الأستاذ أو المعلم، باعتباره قائد سفينة، وأنه إذا لم توفر لمثله الظروف الملائمة لأداء مهامهم التربوية والتعليمية، لن يؤدوا هم بدورهم مهمتهم على أحسن وجه الشيء الذي ينعكس سلبا على التحصيل العلمي، وتربية الجيل الذي هو بين أيديهم، لذلك ألح الشيخ العربي التبسي على توقيرهم وتكريمهم9، لمواجهة الإقبال على المعهد، وتزايد عدد طلابه سنة بعد أخرى، وكان جلهم من أبناء الريف الفقراء10، كما ظل يلح على الأمة بأن تقوم بتوفيرالأموال اللازمة للمعهد عن طريق التبرعات والهبات، والاشتراكات لمواجهة الاحتياجات المتزايدة للمعهد.
والشيخ العربي التبسي يؤصل للتعليم العربي الإسلامي في الجزائر من خلال المصطلحات والتسميات، فهو مثلا يطلق على معلمي أو أساتذة المعهد تسمية أو لقب الشيخ، ومن المعلوم أن مؤسسات التعليم العربي الإسلامي على مر العصور كانت تطلق هذا اللقب أو الاسم على هؤلاء المدرسين، وعلى بعض الشاهادات، في الجوامع، أو في المدارس، أو في الزوايا، أو في غيرها، ويطلق اليوم في بعض مؤسسات التعليم العالي كجامعة الإيمان بصنعاء اليمن11.
ثم أنه بعد ذكره لحقوق هؤلاء الشيوخ يحدد واجباتهم- وهو قد جارى في ذلك منطق حقوق الإنسان- فيرى من واجباتهم العمل للصالح العام، وهم في الحقيقة كذلك يجدون ويكدون ويجتهدون ويتنافسون12.
الأساس الرابع – الإدارة الجيدة: تقوم الإدارة الجيدة الراشدة بدور فعال في نجاح المؤسسة أو فشلها، وقد أنشئت العديد من العلوم التي تدرس نظام الإدارة وتطويره وحسن تسييرها، في المعاهد والجامعات منها ” إدارة الأعمال” و” علوم التسيير”، وغيره، والشيخ العربي التبسي برجاحة عقله وذكائه، وسعة معارفه، وفطنته، انتبه إلى أهمية موضوع الإدارة، وضمنه مقالاته، فدعا إلى استقامة الإدارة، وذلك بحزمها وضبطها، وعدم التهاون في ذلك لاسيما فيما يخص ” الأخلاق” أو التربية كما يقول: ” الأساس الذي تبنى عليه الرجولة الكاملة “13، والرجولة عنده تعبير عن الشخصية المتكاملة للناس ذكر كان أو أنثى، والمعهد الباديسي يحرس كل الحرس على الأخلاق، ويتشدد في المحافظة عليها، ومن جهة فهو يجسد تركيبة شخصية التبسي، وسنعود إلى موضوع الأخلاق فيما يأتي.
وإذا كان للمعهد مجلس إدارة يرأسه رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ البشير الإبراهيمي نفسه، فإن الشيخ العربي التبسي مديره يرى أنه لا يكفي ذلك، بل لابد من التشارك والتعاون في تسيير المعهد والرفع من مستواه المادي والعلمي14، وهو ما تحاول تطبيقه المؤسسات التعليمية الحرة في بلاد العالم، ومؤسسات الدولة كتكوين جمعيات أولياء التلاميذ في المستوى الابتدائي والمتوسط والثانوي، وإنشاء مجالس إدارية في مستوى التعليم الجامعي .
الأساس الخامس – الأخلاق أو التربية: أغلب دول العالم اليوم تسمي أو تطلق على التعليم ما قبل الجامعي وإدارته :” التربية والتعليم”، ذلك أنه لا نجاح للعملية التعليمية إلا بالتربية والأخلاق، فالعلم بدون أخلاق أعمى، والتعليم بدون أخلاق يهدم ولا يبنى؟ وقد عده الشيخ المدير من أهم العناصر وأخطرها في عمل المعهد، ولم يتساهل فيه أبدا، خصوصا أنه في وقته لاحظ أن أخلاق الطلاب المقبلين على المعهد في سنتهم الأولى دون المستوى المطلوب، وأن القيم لديهم مقلقة، ويعلل ذلك بحكم الاستصحاب؟ كما يرى تحسن الأخلاقي بمرور زمن وجودهم في المعهد، بفعل ثلاثة عوامل أساسية:
العامل الأول- التربية النظرية بواسطة الدروس، والعلمية من خلال السلوك السوي، والقدوة الحسنة، والتي يقوم بها كل من المعهد من خلال إدارته، وشيوخه داخل أقسامهم وأثناء النشاطات المكملة.
العامل الثاني: النظام الجيد المحكم .
العامل الثالث: حزم الإدارة وضبطها، وعدم تهاونها في كل ما يتعلق بالأخلاق التي تبنى عليها الرجولة، حتى أصبح المعهد الباديسي يفخر بذلك، ويتشدد في المحافظة عليها، فمثلا كان كل من ثبتت عليه زلة أخلاقية يطرد من غير هوادة، ولا تباطؤ في التنفيذ ليكون عظة لغيره، والحقيقة أن الصرامة تولد الهمة، وتنقي الجسم من الدنس، فالجرثوم الخبيث إذا لم يقض عليه في الحال استفحل أمره وانتشر في الجسم كله، وهو ما تعاني منه مؤسساتنا التربوية التعليمية اليوم15؟!

هوامش: ح 02
9- عدد شيوخ المعهد بلغ في بداية العام الدراسي1368- 1369 هـ/ 1949-1950 م، ثمانية عشرة شيخا أو معلما، لتعليم سبعة مائة طالبا. انظر، البصائر ، عدد 90- بتاريخ10 ذي القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 18.
10- البصائر، عدد، 90، بتاريخ القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 222.
11- انظر، إسماعيل سامعي، المفيد من رحلتي لليمن السعيد، ( قسنطينة – عين السمارة /الجزائر: دار الفجر،1431 هـ/ 2010 م، 57.
12- البصائر، عدد، 90، بتاريخ القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 225.
13- البصائر، عدد، 90، بتاريخ القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 225.
14- البصائر، عدد، 90، بتاريخ القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 226.
15- البصائر، عدد، 90، بتاريخ القعدة 1368هـ/ 3 سبتمبر 1949 م؛ الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسي، 223.