حدثتني شوارع دمشق.. هناك صحفيون جواسيس و هناك موظفون في الصحافة
د. سناء شامي هناك صحفيون جواسيس، و هناك موظفون في الصحافة، يعملون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على خدمة أهداف الطامعين ببلادهم مقابل أجر مادي، هناك صفحات إلكترونية لبعض الصحفيين المعروفين تدس السم بالعسل… أوقفني في مطار دمشق إثنين منهما، يعملان لصالح تلفزيون أجنبي، و عندما فهما بأن كلامي لا يتماشى مع نوع الرسالة التي …

د. سناء شامي
هناك صحفيون جواسيس، و هناك موظفون في الصحافة، يعملون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على خدمة أهداف الطامعين ببلادهم مقابل أجر مادي، هناك صفحات إلكترونية لبعض الصحفيين المعروفين تدس السم بالعسل… أوقفني في مطار دمشق إثنين منهما، يعملان لصالح تلفزيون أجنبي، و عندما فهما بأن كلامي لا يتماشى مع نوع الرسالة التي يريدان إيصالها للعامة، فما كان ممن يحمل الكاميرا للتصوير سار للأمام بعيداً عني، فسألت زميله الذي بقي واقفاً للحظات بجانبي، ما الذي حدث، لماذا زميلك غيّر رأيه، فأجابني “لدينا توجيهات معينة علينا الالتزام بها” أجبته مبتسمة: أفهمك جيداً و ذهبت.
شريحة واسعة من الشعب تبدو اليوم وكأنها لا تعرف العيش إلا بتخوين غيرها أو بالشماتة لمصائب الآخرين أو بالتطبيل الأعمى لمن يبدوا لها الأقوى والأحلى…
سوريا صارت مليئة بهذا النوع من المساكين. على مدخل مطار دمشق، وُضعت سجادة منقوش عليها وجه بشار الأسد و كل من يدخل المطار لا بد له من يعبر فوقها، كان أمامي رجل و امرأة، الرجل مبتهجاً يعفس فوق تلك السجادة و المرأة التي معه فرحة بتسجيلها فيديو له، اقتربت منهما قائلةً الأسد رحل، و سوريا التي عمرها قرون بقيت للسوريين، و هذا التصرف معيب بحق ذكاء السوريين و هويتهم الحضارية أمام العالم، الدولة ليست بشار أو غيره، الدولة مؤسسات يرأسها اليوم رئيس جديد و بتصرفكما هذا تسيئون للدولة و لمن يترأسها اليوم، ثم إن رحيل الأسد مضى عليه أكثر من شهرين، و الحاضر و المستقبل أولى باهتمام الجميع…
تفاجئا وإمتعضا من كلامي، فالناس غير معتادة على النقد منذ نشأتها الأولى… دخلا المطار ثم دخلت بعدهما لأتفاجئ بأنهما نادى إحدى أعوان المطار و قالا له هذه شبيحة النظام انزعجت من دوسنا على صورة بشار… عون المطار أراد تفسيراً مني، قدمت نفسي، و أكدت موقفي فكررت ما قلت و أسهبت الشرح، مدافعة عن هيبة الدولة و مؤسساتها و عن سمعة سوريا الحضارية، و سمعة ناسها أمام الرأي العام الخارجي، لكن كنت مصدومة من تصرف ذلك الرجل الشاب و المرأة التي كانت ترافقه و هما ينظران إلي بشماتة و وضاعة بينما أتحدث…
هل وصلت العامة إلى هذا المستوى من العمى الفكري والأخلاقي والروحي ولماذا؟ ألا يتساءلون من وضع هذه السجادة؟ وبأي قانون؟ وما الهدف؟ وهل معاقبة مذنب تكون بالدوس على صورته، أم محاكمته محلياً ودولياً؟ ألا يشكّون بأن سورية في هذه المرحلة الحسّاسة قد دخلها صحفيون جواسيس وظيفتهم توجيه الرأي العام بعيداً عما يخطط للبلد من مكائد؟ ألا يعرفون إن السجادة هذه المطبوع عليها صورة بشار قد تكون إحدى الوسائل التجسسية لدراسة البروفايل النفسي للمجتمع وفهم ردود فعله ومدى تقبّله للاقتحام الصهيوني بكل أنواعه؟ وقد تكون وسيلة لمن حوّل حرب عمرها 14 عاماً وحصار اقتصادي ممنهج إلى مفهوم كلمة ثورة، لمصلحة من أراقت داعش دماء السوريين؟
وماذا عن ميلشيات الأكراد التي دخلت شمال سوريه في شهر أكتوبر2017 ومواجهتهم مع الأتراك فوق الأراضي السورية؟ في عام 2020، من غيّر ميزان القوى، ما أدى إلى تجميد الصراع مع وقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد؟ لماذا روسيا ساندت الحكومة السورية لتعزز سيطرتها على مناطق واسعة من الأراضي، بما في ذلك حمص والغوطة الشرقية وجنوب دمشق ودرعا؟ في شمال شرقي البلاد، كيف عززت القوات الكردية سيطرتها على مناطق الرقة والحدود مع العراق، ومن ساندها في ذلك؟
هل هذه القوات فعلت ذلك من أجل الشعب السوري؟ ماذا عن سيطرة روسيا على عدة أجزاء من البلد بحجة الدفاع عن الأسد؟ إن كان هناك ثورة، لماذا فشلت هيئة الأمم في جويلية2023 الموافقة على قرار بشأن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى غرب سوريا؟ إن ما حدث في سوريا بدأ من تونس بإسم ثورات الربيع، واجتاح جميع منطقة الشرق، أليس كذلك؟
وماذا عن حرب العراق والاحتلال الأمريكي لها؟ تطورت احتجاجات الربيع العربي في مارس 2011 ضد الرئيس السوري بشار الأسد تدريجيًا، وكانت حقاً مشروعاً، بل أستغرب لماذا الشعب السوري صمت خمسون عاماً دون أن يحتج؟ ولماذا قبِل الانبطاح محوّلاً الانتهازيين إلى طغاة؟ حرب أهلية واسعة النطاق. هل تعلمون ما حدث في سوريا عنونه الغرب باسم الصراع وليس الثورة، وذلك من خلال بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر الصادر في 15 جويلية 2011، والذي يفيد بأن القتال أصبح الآن واسع الانتشار لدرجة أن الوضع في سوريا يجب اعتباره “حرباً أهلية” كاملة الأركان؟
وبالتوازي مع قمع المظاهرات، قدم الأسد سلسلة من التنازلات: حل الحكومة وعين وزير الزراعة السابق عادل سفر رئيساً جديداً للوزراء، وتم تخفيض مدة التجنيد الإجباري من 21 إلى 18 شهراً، وتم عزل محافظ درعا، وقدّم وعود بخفض الضرائب ومراجعة الأجور. صرّح الأسد بأن القوى الأجنبية وراء إثارة الانتفاضة وأدان وسائل الإعلام الفضائية مثل الجزيرة لتحريض المتمردين، وكان الشعب بكامله، والكثير من الهاربين من الحرب خارج سوريا، كانوا يرددون ذات الاتهام للغرب!!! هل أنا أدافع عن الأسد عندما أقول بأن مليشيات غربية وعربية استغلت مطالب الشعب بالتغيير؟ أليس الضيق الذي عانى ويعاني منه الشعب السوري له جذور تمتد في التاريخ المضطرب لسوريا والذي تغذّى على استقطاب ديني جعله عرضة لمعارضات مختلفة وصراعات سياسية وثقافية منذ زمن؟ ألم تخون المعارضة تطلعات الشعب السوري من خلال أهدافها المتباينة والمتقلقلة؟
ألم يمثل المجلس الوطني السوري مصالح القوى الغربية التي ساندت مجموعات إسلامية متمردة مثل الجماعات المسلحة الكردية، وبعض الجماعات الجهادية مثل النصرة وداعش؟ في 2013 هل اقتطع تنظيم الدولة الإسلامية مساحات واسعة من سوريا والعراق من أجل الشعب السوري؟ هل في 2014 عندما أعلن هذا التنظيم نفسه زعيماً للخلافة الإسلامية، كان ثورة لنصرة أهل سوريا؟
ألم تصنع هذه التنظيمات حرباً داخل الحرب؟ ألم تُبعد حروبهم الشعب السوري عن أهدافه وتزيده قتلاً وتهجيراً؟ ألم تُسبب هذه الجماعات نسخة جديدة من الحروب، أعادت