حلي آث يني.. تراث أمازيغي ينبض بالأصالة ويتجدد بروح العصر

تحتضن قرية آث يني واحدة من أعرق وأجمل الحرف اليدوية في الجزائ صياغة الحلي الفضية المزينة بالمرجان والمينا. هنا، لا يتعلق الأمر فقط بصناعة زينة، بل بممارسة فنية وروحية متجذرة في الذاكرة الجماعية، تتناقلها الأجيال وتُعيد تشكيلها كل مرة بما يواكب التغيرات، دون أن تتخلى عن جوهرها. تعد حلي آث يني أكثر من مجرد زينة، […] The post حلي آث يني.. تراث أمازيغي ينبض بالأصالة ويتجدد بروح العصر appeared first on الجزائر الجديدة.

أغسطس 6, 2025 - 13:49
 0
حلي آث يني.. تراث أمازيغي ينبض بالأصالة ويتجدد بروح العصر

تحتضن قرية آث يني واحدة من أعرق وأجمل الحرف اليدوية في الجزائ صياغة الحلي الفضية المزينة بالمرجان والمينا. هنا، لا يتعلق الأمر فقط بصناعة زينة، بل بممارسة فنية وروحية متجذرة في الذاكرة الجماعية، تتناقلها الأجيال وتُعيد تشكيلها كل مرة بما يواكب التغيرات، دون أن تتخلى عن جوهرها.

تعد حلي آث يني أكثر من مجرد زينة، فهي مرآة لهوية أمازيغية ضاربة في التاريخ، تعبّر عن الذوق الشعبي، والمكانة الاجتماعية، والتقاليد المرتبطة بالمناسبات والاحتفالات. هذه الحلي التي كانت تعرف بحجمها الكبير وفخامتها — من قلائد ضخمة ودبابيس مرصعة وأساور منقوشة  بدأت منذ سنوات تعرف تحولات دقيقة تفرضها أنماط الحياة الجديدة.

يقول مجيد أوغال، أحد الحرفيين المعروفين من الجيل الخامس لعائلة تشتغل في هذا المجال:

“تغير أنماط العيش وخروج المرأة للعمل وارتفاع أسعار المواد الأولية، كلها عوامل دفعتنا إلى التحديث والابتكار دون المساس بالأصالة”.

فلم يعد حجم الحلي معيارًا أساسيًا، بل أصبحت البساطة، والخفة، والعملية، عوامل أساسية في اختيارات الزبائن الجدد، لا سيما الشابات العاملات أو الطالبات.

يشير عز الدين عباد، صائغ آخر يمتلك خبرة تفوق 30 سنة، إلى أن الحفاظ على الطابع الأصيل للحلي التقليدية لا يعني الجمود. فالتجديد أصبح شرطًا لاستمرار الحرفة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفضة والمرجان، وتغير القوة الشرائية.

“نحن لا نغيّر الهوية، بل نعيد صياغتها بما يناسب العصر”، يضيف عز الدين، موضحًا أن “المعايير الأساسية التي تُشكل جوهر الحلي القبائلي — وهي الفضة، والمرجان، والمينا — لا تزال محفوظة، لكن في أشكال أقل حجماً وأكثر دقة”.

وقد أسفر هذا التوجه عن تنوّع لافت في الإنتاج، فإلى جانب القطع الفخمة الكلاسيكية، نجد اليوم أقراطًا خفيفة، خواتم رقيقة، وقلائد بسيطة تتماشى مع اللباس العصري.

الابتكار في التصميم لم يكن من باب “التنازل” عن التراث، بل كخطوة استراتيجية لتوسيع قاعدة الزبائن، إذ يرى الحرفيون أن الحلي القديمة، رغم قيمتها الفنية والرمزية العالية، أصبحت غير عملية لكثير من النساء في حياتهن اليومية.

في المقابل، لا تزال النماذج القديمة تحظى بطلب مرتفع، خاصة من قبل الجامعين وهواة التحف، إذ تعتبر هذه القطع استثمارًا طويل الأمد و”قيمة ثابتة” على حد تعبير أوغال، يضيف:

“الحلي القديمة لم تفقد شيئًا من سحرها، بل أصبحت تُعتبر إرثًا عائليًا وتحفًا نادرة”.

تُشكل حلي آث يني لدى المرأة الأمازيغية رمزًا للثراء والمكانة الاجتماعية، لكنها أيضًا كانت — وما تزال في بعض المناطق — تمثل نوعًا من الادخار الآمن يمكن الاعتماد عليه في الأزمات. فالفضة والمرجان ليسا فقط مواد نبيلة من الناحية الجمالية، بل يحملان قيمة مادية تحفظ كرامة المرأة وتمنحها استقلالًا.

وفي ظل التحديات الاقتصادية، يسعى الحرفيون إلى الحفاظ على هذا التوازن بين جمالية التقليد وواقعية السوق، بين أصالة التعبير الفني وضرورات الاستهلاك العصري.

برغم كل التغييرات التي طرأت على الشكل والحجم، لم تتخلَ حلي آث يني عن روحها. لا تزال الأنماط الهندسية الأمازيغية تحضر بقوة، ولا تزال اليد الحرفية تعمل بنفس الشغف والتقنية التقليدية التي تُستعمل منذ قرون.

الحرفيون هنا لا يصنعون فقط منتوجًا للبيع، بل يحكون قصة قريتهم وتاريخهم وموروثهم عبر كل قطعة. والمرأة التي تضع هذا الحلي، لا ترتديه فقط للزينة، بل تحمل معها ذاكرة، وإرثًا، وانتماءً.

إن حلي آث يني تمثل اليوم نموذجًا ملهِمًا لكيف يمكن للتراث أن يتجدّد دون أن يتخلى عن نفسه. إنه تراث يعرف كيف يصغي لتغيرات الزمن، ويعيد ابتكار نفسه ليبقى حيًّا.

وفي زمن تزداد فيه الضغوط على الصناعات التقليدية، تبرز هذه الحرفة كقصة نجاح تُثبت أن الأصالة ليست عائقًا أمام الحداثة، بل ركيزة يمكن البناء عليها لمستقبل ثقافي أكثر إشراقًا.

The post حلي آث يني.. تراث أمازيغي ينبض بالأصالة ويتجدد بروح العصر appeared first on الجزائر الجديدة.