درس من وزير خارجية هولندا

ينبغي تثمين استقالة وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، من منصبه احتجاجا على رفض شركائه في الحكومة دعوته إلى فرض عقوبات على الكيان الصهيوني ردّا على جرائمه في غزة، فهي وإن كانت خطوة رمزية ولا تغيّر شيئا في الواقع المرير بغزة، إلا أنّها تعدّ نصرا سياسيّا وأخلاقيّا للفلسطينيين، وإدانة صريحة لجرائم حكومة الاحتلال الفاشية، وللحكومة الهولندية […] The post درس من وزير خارجية هولندا appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 26, 2025 - 18:54
 0
درس من وزير خارجية هولندا

ينبغي تثمين استقالة وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، من منصبه احتجاجا على رفض شركائه في الحكومة دعوته إلى فرض عقوبات على الكيان الصهيوني ردّا على جرائمه في غزة، فهي وإن كانت خطوة رمزية ولا تغيّر شيئا في الواقع المرير بغزة، إلا أنّها تعدّ نصرا سياسيّا وأخلاقيّا للفلسطينيين، وإدانة صريحة لجرائم حكومة الاحتلال الفاشية، وللحكومة الهولندية المنحازة إليها بشكل سافر، وللأنظمة العربية والإسلامية المهرولة والتي لم يستقل منها وزير واحد طيلة 22 شهرا من حرب الإبادة في غزة.
بهذا الصدد، ينبغي أن نعترف بأننا كنّا مفرطين في التفاؤل حينما اعتقدنا أنّ ضمائر القادة العرب والمسلمين المطبّعين مع الاحتلال يمكن أن تصحو بمرور الوقت وتصاعد المجازر الصهيونية بحقّ الأطفال والنساء بغزة، وأن يتراجعوا عن التطبيع وقطع علاقاتهم بالاحتلال، تماما مثلما فعلت موريتانيا في عام 2009 ردّا على عدوان الـ18 يوما الذي شنّه الكيان على غزّة آنذاك.. لقد كانت الأيام تمرّ وتتوالى والاحتلال يصعّد جرائمه ويتفنّن في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم ومخابزهم وآبارهم وكل مظاهر الحياة في القطاع، من دون أن يرفّ للمطبّعين جفن.. وأقدمت دول عديدة في أمريكا اللاتينية والعالم على قطع علاقاتها مع الاحتلال أو استدعاء سفرائها للاحتجاج على جرائمه، ولم يقدم أي “زعيم” عربي أو إسلامي مطبّع على خطوة مماثلة، وانتقل العدوّ من المجازر إلى قطع الغذاء والماء عن سكان غزة وبدأ الأطفال والكبار يموتون جوعا، وتجاوز عددهم إلى حدّ اللحظة 303 ضحية، ولم يحرّك ذلك في المهرولين شعرة واحدة، ولم يقم أيّ منهم بقطع علاقاته مع الاحتلال، ولا طرد السفير الصهيوني ببلاده، ولم يستقل أيضا أيّ وزير عربي من منصبه احتجاجا على خنوع بلاده للاحتلال وخيانتها السافرة للفلسطينيين!
الأدهى من ذلك أنّنا خلال 22 شهرا ونصف شهر من حرب الإبادة والتجويع، رأينا العجب العجاب من هذه الأنظمة؛ فقد فتح بعضها خطا بريا لتزويد الاحتلال بالأغذية والمؤن انطلاقا من ميناء دبي، لإفشال الحصار البحري الذي يضربه الحوثيون على الكيان منذ نوفمبر 2023 إلى اليوم، وسمح “أمير المؤمنين” برسوّ سفن بميناء طنجة وهي تحمل أسلحة وذخيرة وقطع غيار عسكري للعدوّ الصهيوني لمواصلة جرائمه بحقّ الفلسطينيين، كما ارتفع حجم المبادلات التجارية بين الدول العربية المطبّعة والاحتلال بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين، وخلال أشغال المؤتمر الدولي لحل الدولتين بنيويورك في 28 و29 جويلية الماضي، ندّدت سبع دول عربية وإسلامية لأول مرة بشكل جماعي بهجوم 7 أكتوبر المبارك، ووصفت المقاومة الفلسطينية بـ”الإرهابية”، ودعتها إلى نزع سلاحها وتسليمه للسلطة الفلسطينية، مع أنّ الجميع يعرف أن هذه السلطة لا تحارب الاحتلال ولو ابتلع أراضي الضفة الغربية كلها بالاستيطان وأنهى حلمها بإقامة دولة فلسطينية عليها وعلى غزة والقدس الشرقية…
أمّا ما خفي من مؤامرات هذه الأنظمة المنبطحة، فقد كشف عنه الصّحافيّ الاستقصائي الأمريكي بوب وودوارد في كتابه “الحرب”؛ استنادا إلى تصريح خصّه به وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، أنتوني بلينكن، الذي زار عددا من الدول العربية أياما بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، فطالبه قادتها جميعا -باستثناء قطر- بحثّ نتنياهو على سحق “حماس”، بل إنّ رئيس مخابرات إحدى الدول المطبّعة قدّم لبلينكن عرضا عن أنفاق غزة وطلب منه أن ينقل إلى جيش الاحتلال رسالته في كيفية التعامل مع مقاتلي “حماس” وكيف يجب انتظار ظهورهم ثم “قطع رؤوسهم”!
وزير خارجية هولندا كان يساند الاحتلال الصهيوني طيلة الحرب، لكنّه بدأ يضيق ذرعا بجرائمه المتواصلة بحقّ الأطفال والنساء بغزة، وبمرور الوقت وتفاقم المجاعة فيها، استفاق ضميره وقرّر الاستقالة احتجاجا على ما يحدث في غزة من جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وعلى حكومة بلاده التي لم تعاقب الاحتلال عليها.. لقد ضحّى هذا الوزير بمنصبه الرفيع وما يعنيه من جاه ونفوذ ومكانة اجتماعية مرموقة ليريح ضميره، أمّا القادة العرب، فقد استسلموا للذل والهوان وهم ينامون ملء جفونهم مرتاحي الضمير ولو قتل “أشقاؤهم” في غزة كلّهم قصفا وتجويعا.. همّهم الأكبر هو كيفية سحق المقاومة وليس نازية الاحتلال وعنصريته وجرائمه، قلوبهم قدّت من حجر، وإنّ من الحجارة لما يتشقق وتتفجّر منها العيون والأنهار، ولذلك، لا يمكن أن ننتظر منهم شيئا.
فقط تذكّروا مستقبلا حينما يتوسّع الاحتلال على حساب دولكم لإقامة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، المثل العربي القائل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post درس من وزير خارجية هولندا appeared first on الشروق أونلاين.