رجل العلم بين الاعتراف والمسؤولية: نحو صناعة الاعتبار
عبد اللطيف سيفاوي/ في عالمنا العربي والإسلامي، اعتدنا أن نرى القمم الاستثنائية والاجتماعات العاجلة، حيث يجتمع القادة أو الوزراء للتداول في حدث طارئ، ثم لا يخرجون إلا ببيانات مقتضبة، سرعان ما تتبخر في زحمة الأخبار. أما اللقاءات التي تجمع العلماء والخبراء والباحثين لدراسة عللنا وأمراضنا واقتراح حلول عميقة، فهي نادرة، وكأنّنا نتجنب النظر في الجرح …

عبد اللطيف سيفاوي/
في عالمنا العربي والإسلامي، اعتدنا أن نرى القمم الاستثنائية والاجتماعات العاجلة، حيث يجتمع القادة أو الوزراء للتداول في حدث طارئ، ثم لا يخرجون إلا ببيانات مقتضبة، سرعان ما تتبخر في زحمة الأخبار. أما اللقاءات التي تجمع العلماء والخبراء والباحثين لدراسة عللنا وأمراضنا واقتراح حلول عميقة، فهي نادرة، وكأنّنا نتجنب النظر في الجرح الحقيقي الذي ينخر جسد الأمة.
لقد أصبح من الضروري اليوم إعادة الاعتبار لرجل العلم. ليس الأمر ترفًا فكريًا ولا شعارًا للاستهلاك، بل هو شرط لا يمكن تجاوزه إن أردنا نهضة حقيقية. فالأمة التي تهمّش علماءها وتستبدل عقولهم الصافية بخطابات انفعالية أو بمصالح سياسية ضيقة، تدفع الثمن باهظًا في حاضرها ومستقبلها.
لكن إعادة الاعتبار لا تعني أن يجلس العالم منتظرًا «هبة» تأتيه من المجتمع أو من السلطة. فالمعادلة ليست بهذه البساطة. فكما أنّ على المجتمع أن يعترف بدور العلماء ويعيدهم إلى قلب الفعل الحضاري، فإنّ على رجل العلم نفسه واجبًا لا يقل أهمية: أن يثبت نزاهته، ويحافظ على استقلاليته، ويواجه الإغراءات والضغوط، ويجرؤ على كسر جدار الصمت. فالعالم الذي يساوم على كلمته أو يرضى أن يكون شاهد زور، هو أول من يفرّط في رسالته قبل أن يفرّط فيه مجتمعه.
من هنا، فإنّ «إعادة الاعتبار» ليست شعارًا يرفع في المناسبات، ولا مكسبًا يُمنح من الخارج، بل هي صناعة مشتركة تقوم على ركنين: اعتراف المجتمع ومسؤولية العالم. فلا قيمة للاعتراف بلا التزام، ولا معنى للمسؤولية إن لم تجد فضاءً يُنصت إليها.
المجتمع الذي لا يُنصف علماءه يضيع، والعالِم الذي لا يصون نزاهته يذوب… وبينهما يتحدد مصير الأمة.